عقدت امس المنظمة العربية للتنمية الإدارية في مقرها بالقاهرة، اللقاء التفاعلي عن بُعد “تأثير كورونا على الاقتصاد العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
بدأ اللقاء بكلمة للدكتور/ ناصر الهتلان القحطاني – مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية بكلمة قال فيها أن سيتم استعراض الاثار المترتبة لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وعلى فرص تحقيق اهداف التنمية المستدامة 2030 في ظل أزمة كورونا وسبل التعامل الفعال مع هذه الازمه ومن هذا المنطلق تأتي هذه الندوة ضمن فعاليات عديده تقوم بها المنظمة لتناقش عده موضوعات في القضايا التي تحتاج إلى إيجاد حلول في ظل تلك الجائحة، حرصنا على توفير منصة عربية يتحدث من خلالها الخبراء والمتخصصين ويقدمون عرضا مقترحا لحل تلك الأزمة والتعامل معها بشكل ربما يقلل من اضرارها.
وتحدث عن بُعد معالي الدكتور/ محمود محيي الدين – المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، وقال ” أناقش في هذه المحاضرة ثلاثة أبعاد حيث اننا نواجه تحديات في الإدارة الصحية و إدارة التمويل والإدارة الاقتصادية في البداية بالنظر الى مدى انتشار الجائحة نجد ان الفيروس في الدول العربية اقل انتشارا ويوجد محاولات عديده على مستوى العالم في انتاج لقاح فعال لكن هذا قد يستغرق اكثر من 18 شهر وحتى هذا الحين سيظل على البشر اتخاذ الاجراءات الاحترازية المعتادة من التباعد واستخدام الكمامات والنظافة العامة واجراءات من هذه النوع بديهية ولا تحتاج الى الطلب ومن المفترض أنها تمارس يوميا.
لكن بالنظر الى وضع الدول العربية نجد ان هناك 77 مليون مواطن عربي لديهم مشاكل في الحصول على المياه بشكل منتظم وان هناك حالات من الفقر المدقع وبالتالي من الصعب عليهم تطبيق هذه الاجراءات سواء من استخدام المياه أو شراء الصابون للنظافة فاذا كان هناك صعوبة في تأمين المواطن العربي للغذاء اليومي فكيف يستطيع تامين متطلبات النظافة وبالتالي فنحن نواجه تحديات حتى بالنسبة لتطبيق اجراءات الوقاية من الإصابة بالفيروس.
بالعود الى التحديات الاقتصادية المبنية على الوضع الصحي العام ومدى امكانيه التعافي الاقتصادي باستخدام الانفاق العام وتحفيز القطاع الخاص على الاستمرار في التمويل ومحاولة انقاذ الشركات وبعض الأنماط الاقتصادية المقترحة لتحفيز حركة الاقتصاد يمكن استخدامها في اسواق المال والبورصة خاصه مع وقف التمويل وبالفعل يوجد هناك صعود كبير في البورصات رغم ان هناك ركود كبير وخروج العديد من الاشخاص من سوق العمل وسنتحدث عن السبب لاحقا.
بالحديث عن عملية اغلاق الاقتصاد فالموضوع بتعلق بالسياسة وهنا في الولايات المتحدة يقال من السهل ان تغلق الاقتصاد كأنك تغلقه بمطرقه لكن عند الفتح فانت تحتاج الى مشرط جراحي أنه امر صعب جدا خاصه اذا كنت ستفتح وفقا لقواعد رقابية محددة لكن اذا فتحت الأسواق متسرعا فقد تضطر إلى التعامل مع العواقب أو والإغلاق مجددًا يجب ان يتم فتح الأسواق بذكاء وإدارة الأمر بحنكة وهو امر لا يخضع للقرار الاداري فقط ولكن للقرار السياسي
بالعود الى الوضع الصحي في الدول العربية نرى ان الاوضاع والحمد لله مستقرة والأرقام أقل من المتوقع وعن باقي دول العالم، بل و تمت السيطرة علي المرض في لبنان وتونس لكن الامر يستوجب ان ننظر الى التجارب الاخرى ومن افضل التجارب تجربه كوريا وفيتنام واليونان وهي الاقرب للدول العربية و ربما يكون سبب نجاح اليونان اكثر من الدول الأوروبية الأكبر حجما وأكثر قوة انها حولت الامر كله للمختصين وجعلت كل القرارات الحكومية مسانده للقرار الصحي العلمي الذي لا يمكن الاختلاف معهد فقد تختلف مع السياسي وله توجهاته او الاقتصادي وفقا لنماذج لكن بالنسبة للاعتبارات الصحية العلمية اذا كنت مستندا للنتائج فلا يوجد اختلاف ويصبح عموم الناس اكثر تقبلًا للأوامر.
عندما تفتح الاقتصاد و حول العالم سيكون هناك تحدي اقتصادي اخر فيما يعرف بالعولمة وستوضع قيود على تداول راس المال.
سأتناول الوضع الاقتصادي العالمي من خلال تقرير صدر منذ عدة أيام بعنوان الافاق الاقتصادية العالمي عن البنك الدولي والذي تضمن عدة مؤشرات أوضحت في مجملها ان النمو الاقتصادي العالمي في حيز سلبي تجاوز في تقديراته انخفاض بنسبه سالب 5% وهذه تقديرات البنك الدولي منذ عده أسابيع، وكان صندوق النقد الدولي في ابريل الماضي ذكر ان الانكماش الاقتصادي العالمي سالب %3 في المئة لكن البنك الدولي راجع هذه النسب و تلك التقديرات محل تقدير عام ومتغيره.
عموما اتجاه النمو التجاري سالب، والاستثمار التجاري يتراجع بما يتجاوز ال 35 % وهذا له تأثير كبير جدا على البطالة واصدرت منظمه العمل الدولية تقديرات في بداية الأزمة اوضحت فيها ان 25 مليون شخص سيفقدون وظائفهم لكنها عادت وأوضحت أن اكثر من 305 مليون شخص سيخرجون من اسواق العمل الرسمية وتعود الأرقام إلى وضعها الطبيعي بالتدريج
طبعا بعض الأنشطة لا يمكن تنفيذها أبدا عن بعد ومنها الأنشطة الرياضية ، وبعضها يمكن تنفيذها عن بعد وبكفاءة أكبر ، ولقد تضررت الكثير من الأنشطة من تلك الأنشطة التعليم و النقل و نظم الإدارة العامة والتي تحتاج إلى تميل ضخم لبناء البنية التحتية والتكنولوجية للنهوض بها ولكي نستطيع ان نصل الى درجه الجودة المطلوبة عن طريق العمل عن بعد.
بعض المجالات لم تتأثر مثل مجال الاستشارات وهناك مقال لكاتب اقتصادي في الفايننشال تايمز ذكر فيه ان الوضع في سوق العمل به تفاوت شديد بناء على اداء الاعمال عن بعد فهناك من استطاع ان تستقر اوضاعه والبعض ساء وضعه جدا وبالتالي كان هناك تفاوت في الاستهلاك فهناك من استطاع أن يحافظ على معدل استهلاكه الاعتيادي وهناك من انخفض استهلاكه وفقا للدخل و العمل.
وقال محيي الدين أن التحدي الثاني هو إدارة التمويل وأشار إلى اسواق المال اعتبارا من مارس وحتى منتصف يونيو شهدت تقلب شديد وكان هناك انخفاض شديد متوقع بسبب الجائحة ثم مع ضخ الأموال حدثت زياده ثم حصل انفلات لم يكن متوقعا ولا يمكن أن يبرره أي نوع من انواع التحليل الاقتصادي حيث أن هناك شركات على وشك الافلاس استطاعت ان تعود بقوه وارتفعت اسهمها ارتفاع شديد لانه تم ضخ أموال سائلة في الولايات المتحدة وفي الدول الأوروبية بتكلفة زهيدة وكان مصدر هذه الأموال المغامرون الذين قاموا بضخ اموالهم في البورصات في مجموعة من الاستثمارات الجديدة بعضها يتوقع لها أن تستمر بنجاح وبعضها هو مجرد فقاعات قد تنفجر في اي وقت لكن اكثر ما يقلق هو التغيرات السلبية في مجال الديون حيث حدث تصاعد شديد في مجال مديونيه الحكومات والتي زادت مع التمويل بالعجز والاستدانة وهذا العجز بالنسبة لدول النامية والمتقدمة،
وهنا علي أن أوضح أنه لا يمكن أن نطبق التوقعات التي يقدمها خبراء الاقتصاد في الدول الاوربية على المنطقة العربية وهذا ما أوضحته منذ بضعه ايام في مقال كتبته في الشرق الأوسط حيث أنه في منتهى الخطورة ما يُنقل عن دراسات للتوسع في التمويل بزيادة العجز في موازنات الدول وزيادة الديون. وقد يستشهد البعض بكتابات الاقتصادي بول كروجمان، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، عن التمويل بالعجز لمواجهة متطلبات الإنفاق العام، أو أعمال الاقتصادي أوليفييه بلانشارد، الرئيس الأسبق للبحوث بصندوق النقد الدولي، عن تحفيز الاستدانة مع انخفاض أسعار الفائدة. فالاستعارة المؤذية لهذه التوصيات تنتزعها من سياقها وافتراضاتها المحددة انتزاعاً؛ فهي قائمة بالأساس على تحليل أوضاع الاقتصادات المتقدمة القادرة على تمويل العجز دون آثار تضخمية أو إزاحة للقطاع الإنتاجي من أسواق التمويل والائتمان. كما تتناول قدرات الدول المعنية، عالية الدخول، على الاقتراض بعملاتها الوطنية وبتكلفة اقتراض شديدة الانخفاض تيسر إحلال قروض جديدة بأسعار فائدة تقترب من الصفر محل تلك القديمة عالية التكلفة، وبدون أي مخاطر ترتبط بتغيرات سعر الصرف.
فإذا ما توافرت هذه الشروط المحددة فهنيئاً للموصين بها والمستفيدين منها، إذا ما أحسن تنفيذها، أما إذا غاب شرط واحد مما سبق فليحذر المنصوحون من اضطراب اقتصاداتهم بزيادة الديون وبتراجع النمو والتشغيل تأثراً بزيادة العجز وزيادة التضخم مع التوسع في طبع النقود وانفلات أسعار الصرف.
وحري بالناصحين، قبل مزيد من الانغماس في استعارات مؤذية، الاطلاع أولاً على أوضاع التنمية في العالم العربي، التي شرحها بتفصيل التقرير العربي عن التنمية المستدامة 2020. الصادر منذ أيام عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا). فقد أورد التقرير حقائق وتطورات مهمة لمؤشرات التنمية الأساسية بتحليل كمي ونوعي للبيانات. وقد أشار إلى انفراد المنطقة العربية بزيادة الفقر المدقع وتربعها على قمة عدم العدالة في توزيع الدخل، والانخفاض النسبي لمؤشرات التعليم والرعاية الصحية، وتعرضها لمزيد من الفقر المائي ومؤثرات سلبية لتغيرات المناخ والتلوث البيئي، وعدم توازن النمو الاقتصادي وقصور شمول عوائده، وتراجع مؤشرات الحوكمة. هناك حقاً استثناءات إيجابية في بلدان عربية في مجالات بعينها، ولكنها تظل استثناءات من أداء عام يهدد بعدم بلوغ أهداف التنمية المستدامة، بما يستوجب بذل جهود أكبر بتنسيق أشمل، لا فصل فيها بين سياسات التصدي لأزمة كورونا وتداعياتها والتعافي منها بسياسات للنمو الشامل للكافة، فالإمكانات العربية متوفرة لكنها تتطلب كفاءة في استغلالها بما يحقق العدالة بين عموم الناس.