عملت سلطة النقد الفلسطينية خلال السنوات الـ10 الماضية بجهد متواصل ومن أبزرها؛ إجراء العديد من الإصلاحات الهيكلية المؤسسية.
وأولت سلطة النقد قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة اهتماماً خاصاً، والتي تشكل أكثر من 95 في المئة من إجمالي المشاريع القائمة في فلسطين وتساهم بحوالي 55 في المئة من الناتج المحلي
يقول رئيس سلطة النقد الفلسطينية، إن إجمالي الاحتياطي النقدي للبلاد بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019 بلغت 1.155 مليار دولار.
وأضاف عزام الشوا في مقابلة مع “مباشر”، أن إجمالي أصول المصارف في فلسطين بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي تخطت الـ 16.733 مليار دولار، وبلغ إجمالي محفظة الودائع بنهاية نفس الفترة نحو 13.044 مليار دولار.
وذكر إن إجمالي التسهيلات الائتمانية بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019 من المصارف في فلسطين بلغت 8.862 مليار دولار.
وأشار إلى أن عدد البنوك العاملة في القطاع المصرفي الفلسطيني بلغ نحو 14 مصرفاً، بعدد فروع على مستوى أنحاء الدولة يصل 368 فرعاً.
وأوضح الشوا، أنه يتم تدبير الموارد المالية للخزينة الفلسطينية بشكل أساسي من 3 أنواع من الإيرادات؛ الأول إيرادات الجباية المحلية، وتشكل في المتوسط حوالي 25 في المئة من إجمالي الإيرادات، ثانياً إيرادات المقاصة، التي تشكل في المتوسط حوالي 55 في المئة من إجمالي الإيرادات، وأخيرا المنح والمساعدات الخارجية.
يشار إلى أن هذا النوع من الإيرادات والمسمى بإيرادات المقاصة مقتصر فقط على الحالة الفلسطينية، ولن يتم ملاحظته في أية موازنة عامة لأية دولة أخرى.
وتُعَرَّف إيرادات المقاصة على أنها “الإيرادات التي يقوم الجانب الإسرائيلي بجبايتها نيابة عن الفلسطينيين بحكم سيطرته على الحدود والمعابر، والتي نتج أساساً من المعاملات التجارية بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي.
وفي مرحلة لاحقة يتم تحويلها إلى الجانب الفلسطيني، بعد أن يقتطع منها الجانب الإسرائيلي ما نسبته 3 في المئة كعمولة إدارة لجبايتها بحسب اتفاقية باريس الاقتصادية، ويتم تحصيل إيرادات المقاصة بشكل شهري.
وتابع أن التدبير الـ 3 يتمثل في المنح والمساعدات الخارجية، والتي تشكل في المتوسط نحو 20 في المئة من إجمالي الإيرادات، مع ملاحظة أن هذا النوع من الإيرادات في اتجاه تنازلي خلال الـ 10 الماضية.
وعادة ما تلجأ الحكومة الفلسطينية إلى الاقتراض الداخلي من أجل تمويل العجز لديها، وفي حال عجزت الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها، يترتب على ذلك متأخرات تتعهد الحكومة بسدادها في فترات لاحقة حال توفر التمويل اللازم لذلك.
ونوه محافظ سلطة النقد الفلسطينية، أن موضوع إصدار عملة وطنية فلسطينية عادة من المواضيع الشائكة التي تستدعي دراسة مستفيضة ومعمقة وتأخذ بعين الاعتبار نضوج وتهيئة عدة اعتبارات سياسية واقتصادية لازمة كشروط مسبقة قبل إصدار العملة ضماناً لنجاح الإصدار وبما يحقق المحافظة على قيمة العملة وقوتها واستقرارها.
وأوضح “رغم أن قرار إصدار العملة المحلية هو في النهاية قرار سياسي نابع من سيادة الدولة، إلا أن إصدار العملة لوحده لا يخلق السيادة، وتعتبر الجدوى من إصدار العملة منقوصة دون توفر سيادة كاملة للدولة على أرضها واقتصادها وثرواتها الطبيعية ومقدراتها وحدودها”.
وأضاف أنه في حال تم اتخاذ القرار السياسي، فإن عملية الإعداد والترتيب لإصدار العملة الوطنية تتطلب فترة زمنية معينة وذلك لتهيئة الكثير من المتطلبات والشروط المسبقة الضرورية لضمان تحقيق النتائج المرجوة من عملية الإصدار، وفي نفس الوقت تجنب الخسائر والمخاطر التي قد ترتبط بإصدار العملة.
وفي هذا السياق، قال عزام الشوا، إن المتفحص للوضع الفلسطيني يجد الكثير من الاختلالات التي تحتاج إلى معالجة قبل الدخول في موضوع إصدار العملة، تلك الاختلالات التي تعتبر نتيجة حتمية للأوضاع السياسية والاقتصادية التي أورثها الاحتلال للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وأشار إلى عدم السيطرة على الحدود والمعابر وعدم التحكم بحرية الحركة والنفاذ والاستيراد والتصدير، والعجز المتواصل في المالية العامة وميزان المدفوعات، وارتفاع معدلات البطالة وغيرها من الاختلالات.
وأكد ان سلطة النقد على قناعة تامة بأن تهيئة مثل هذه المتطلبات والشروط المسبقة له أثر كبير في إدارة العملة والحفاظ على قيمتها واستقرارها، وإدارة سعر صرفها بما يضمن عدم انهيارها.
وذكر أن العملة الفلسطينية عند إصدارها يجب أن تكون منافسة للعملات المتداولة حالياً في فلسطين، إضافة إلى عامل الثقة لإضفاء صفة القبول العام عليها من قبل جمهور المواطنين، إلى جانب توفر الإطار الهيكلي المؤسسي الذي يساهم في الوصول إلى سياسة مستقرة سواء كان ذلك على مستوى الوضع المالي في فلسطين بشكل عام من خلال توفر التدفقات المالية لتسوية المدفوعات بشكل فعال ومأمون، أو على مستوى سلطة النقد بشكل خاص، من خلال توفر جهاز مصرفي قوي وفعال.
وأضاف أن سلطة النقد وباعتبارها الطرف الأساس في موضوع إصدار العملة لم تغفل هذا الموضوع نهائياً، فقد عملت على تهيئة معظم المتطلبات اللوجستية والفنية الداخلية، كما وتستمر بالعمل على استكمال ما يلزم وفق الامكانيات المتاحة بشكل يؤهل لإصدار عملة وطنيه وإدارة السياسة النقدية عند اتخاذ القرار السياسي بإصدار العملة
وكشف الشوا، أن عملية تحول سلطة النقد إلى بنك مركزي هي بمثابة الحلم لكل فلسطيني، مؤكداً أن عملية التحول إلى بنك مركزي ليست وليدة اللحظة، وإنما هي حصيلة جهد دؤوب استمر لأكثر من 10 سنوات.
وأضاف أن السلطة عملت خلال تلك الفترة على إجراء العديد من الإصلاحات الهيكلية المؤسسية التي جعلتها أكثر قرباً وتناغماً مع الممارسات الدولية الفضلى، ومهدت السبيل أمامها لهذا التحول، حيث أصبحت هيكلية سلطة النقد ومهامها وعملياتها تضاهي وتماثل تلك الموجودة في العديد من البنوك المركزية الحديثة في العالم.
وأصبحت قادرة على القيام بكافة المهام التي تناط في العادة بالبنوك المركزية، وهذا بشهادة العديد من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
وقد شارفت هذه العملية على مراحلها النهائية، إذ من المتوقع أن تتوج هذه الجهود باعتماد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقانون البنك المركزي الفلسطيني في القريب العاجل، ليصار بعد ذلك إلى الإعلان عن ميلاد البنك المركزي الفلسطيني، بحسب رئيس سلطة النقد الفلسطينية.
وقال عزام الشوا، إن قانون المصارف ونظام الصرافين المعمول بهما في الوقت الراهن قد صدرا في إطار استعدادات سلطة النقد لمرحلة التحول إلى بنك مركزي.
وأضاف: “تمت صياغة هذه القوانين بمساعدة خبراء دوليين، وبعد مناقشات عديدة جرت مع مختلف الفئات ذات العلاقة بالعمل المصرفي”.
وأوضح الشوا، أن سلطة النقد هدفت من وراء إصدارها إلى جعل العمل المصرفي في فلسطين أكثر توافقاً مع أفضل الممارسات الدولية، وعلى رأسها المبادئ الأساسية للرقابة الفعالة ومتطلبات لجنة بازل للرقابة المصرفية، والتطورات في المعايير الدولية للتقارير المالية، ومعايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية، والسرية المصرفية، وبما يعزز مبادئ الحوكمة والإفصاح والشفافية والمساءلة.
كما جاء هذا القانون منسجماً مع التطورات الرقابية العالمية الخاصة بمعالجة أوضاع المصارف الضعيفة وعمليات الاندماج والاستحواذ والتصفية، بحسب رئيس سلطة النقد.
وأكد الشوا، أن سلطة النقد في سياق متابعاتها لكافة المستجدات المتعلقة بالصناعة المصرفية، وإذا استدعت الضرورة، فهي على أتم الاستعداد لإجراء التحديثات والتعديلات اللازمة لهذه القوانين، وبما يتوافق ويتلاءم مع المستجدات الرقابية والقانونية المحلية والدولية، والممارسات المصرفية الفضلى والإرشادات الصادرة عن لجنة بازل للرقابة المصرفية الفعالة.
وأوضح رئيس سلطة النقد الفلسطينية، إن السلطة كان لها العديد من المبادرات الهامة التي تصب في مجال التنمية الاقتصادية المستدامة، خاصة وأن دعم السياسات الاقتصادية العامة الهادفة لتحقيق النمو والتنمية المستدامة تمثل أحد المهام الرئيسة لسلطة النقد.
وذكر أن القطاع المالي يعد المحرك الرئيس في عملية التنمية المستدامة، من خلال تعبئة المدخرات المحلية التي تسهم في توفير الجزء الأكبر من الموارد المالية اللازمة لتمويل المشاريع والخطط الإنمائية، نظراً لم يتميز به هذا القطاع من قدرة على توفير الخدمات المالية لمختلف الأنشطة والشرائح والقطاعات الاقتصادية في المجتمع.
وفي هذا السياق، أولت سلطة النقد قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة اهتماماً خاصاً، لما له من دور أساسي في تطوير الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة وتنويع مصادر الدخل وتشجيع الريادة باعتبارها رافداً أساسياً لسوق العمل، إذ تشكل هذه المشاريع أكثر من 95 في المئة من إجمالي المشاريع القائمة في فلسطين وتساهم بحوالي 55 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتم اعتماد إطار عام لسياسة التمويل الصغير، وتشكيل مجموعة عمل مكونة من بعض الدول والمؤسسات المانحة وبالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية للتعرف على الفرص والفجوات التمويلية في السوق الفلسطيني، والمجالات ذات الأولوية للحصول على دعم الجهات المانحة، وتطوير آليات لمتابعة وتقييم القطاعات المتنامية.
ولفت عزام الشوا، إلى أنه في سياق جهود سلطة النقد الرامية لتنشيط قروض الرهن العقاري تم إنشاء قاعدة بيانات جديدة تشتمل على معلومات كاملة عن المحفظة التمويلية لقطاع الإسكان والرهن العقاري.
وتعتبر بيانات هذه القاعدة ذات أهمية عالية في تحليل مخاطر القطاع، وتحديد معدل قيمة القرض من قيمة التخمين العقاري الـ(LTV).
وأفاد بإتمام ربط شروط منح قروض الإسكان والرهن العقاري ممثلة بفترة منح التسهيل ونسبة التمويل من القيمة التخمينية للعقار بدرجة تصنيف المقترضين الائتمانية، وبالتالي كلما ارتفعت درجة التصنيف الائتماني للمقترض كلما زادت فرصه للاقتراض بشكل أكبر وعلى فترات زمنية أطول وبأسعار فائدة معقولة.
يشار إلى أن عملية ربط إمكانيات وقدرات الاقتراض مع نظام التصنيف الائتماني وفقاً للمعيار المرن الـ(LTV) هي سياسة تفردت بها سلطة النقد على مستوى البنوك المركزية في الشرق الأوسط والعالم.
وقد أتاحت هذه السياسة لسلطة النقد الفرصة لانتهاج سياسة رقابية لإدارة مخاطر محفظة القروض العقارية بكل حصافة وبما يتوافق مع المعايير والممارسات الدولية الفضلى ذات العلاقة، بحسب عزام الشوا.