لا يقف نفر مخيتاريان، مؤسس مجموعة (Emerald Palace Group)، عند الصورة النمطية للمطور العقاري العادي الذي يملك عشرات الملايين من الدولارات، بل يتخطاها إلى ما هو أبعد بكثير، فهو باحثٌ ومؤلفٌ لعددٍ من الكتب العملية، لقد أعاد تعريف الفخامة الراقية مع إنشائه قصرًا أوروبيًا على جزيرة نخلة جميرا.
تشتهر دبي بفنادقها من فئة 5 نجوم ومساكنها الفاخرة، إلا أنك لن تجد مثيلًا لفندق (Emerald Palace Kempinski) بدبي، لقد أعاد الفندق الذهبي، مترامي الأطراف على امتداد الحافة الغربية لجزيرة نخلة جميرا بدبي، تعريف معنى الترف منذ افتتاحه قبل عام، لقد أحضر الطراز الأوروبي الفخم الذي يرجع إلى عصر لويس الرابع عشر إلى الشرق الأوسط، ويسعى لأن يصبح “قصر فرساي المجاور للبحر”.
بدأ هذا المشروع الفريد من نوعه المثير للإعجاب برؤية شخصٍ واحد هو نفر مخيتاريان، مؤسس مجموعة (Emerald Palace Group Limited). أسس مخيتاريان شركته عام 2004، وبدأ بالإشراف على تصميم وتطوير فندق () على جزيرة نخلة جميرا، الذي افتتح أبوابه للزوار عام 2011، ثم شهد بعد 7 أعوامٍ الإطلاق الفخم لفندق (Emerald Palace) الذي استغرق 3 أعوامٍ للانتهاء من بنائه بجوار الفندق الأول.
يرتقي الفندق للمستوى الذي يوحي به اسمه، فقد بدأ فندق (Palace) في جذب الملوك والأمراء، ليصبح مقرًا للنادي الملكي في دبي منذ يناير/كانون الثاني 2019، الذي تأسس على أيدي أحفاد عددٍ من أقدم السلالات الملكية في العالم، لقد أنشىء النادي ليستضيف الأحداث الثقافية والاجتماعية والأكاديمية والخيرية، ليحافظ على التقاليد التي تعود إلى عدة قرون، ويقدم النادي المساعدة إلى المحتاجين في جميع المناطق النامية حول العالم، ويقول مخيتاريان: “أعتقد أن النخبة العالمية ستلاحظ هذه المبادرة النبيلة بالفعل، المبادرة التي ستساعد في جعل العالم مكانًا أفضل”.
ويتطلع رجل الأعمال إلى العام المقبل، حيث سيشهد افتتاح مشروعه التالي، فندق (Kempinski Business Bay)، وسيقدم الفندق الجديد المقام في منطقة الأعمال المركزية في إمارة دبي، أعلى درجات الرفاهية الممكنة التي تستطيع الشركة تقديمها للمسافرين، وإن كان بأسلوبٍ مختلفٍ عن الذي يقدمه فندق (Emerald Palace).
بدأ اسم فندق (Palace) في تحقيق شهرةٍ عالمية كأحد أفضل الفنادق الفاخرة في العالم، يدعمه عددٌ من الجوائز الدولية المرموقة التي حصل عليها بالفعل، ويقع الفندق على مساحة تزيد على 130 ألف مترٍ مربع، ويحتوي على مجموعةٍ من المرافق القائمة بذاتها، بما في ذلك مجموعةٌ متنوعة من المطاعم عالية الجودة، وسينما خاصة ومسابح داخلية وخارجية ومركزٌ للياقة البدنية ومنتجعٌ صحي، كما يحتوي على مجموعةٍ من الفلل الملكية المناسبة لمحترفي السفر الذين يفضلون أعلى درجات الخصوصية، سواءً كانوا من المشاهير أم النجوم.
يقول مخيتاريان: “اعتمدت على أعوام خبرتي العديدة كمهندسٍ معماري ومطورٍ عقاري لإنشاء هذه التحفة الفنية، لقد منحني سفري حول العالم الفرصة لأستوعب بشكلٍ مباشرٍ أهمية الخدمات القيِّمة والمريحة الخالية من العيوب بالنسبة للمسافر العصري، لقد تمكنَّا من دمج فخامة الملوك مع أحدث التقنيات، لنضمن تجربةً عظيمة للعميل العصري”. ويضيف ضاحكًا وهو يكشف عن الخلفية المتنوعة التي شكَّلت مسيرته المهنية: “لقد عشت ثلاثة تجارب حياتية مختلفة حتى الآن”.
وُلد مخيتاريان في أرمينيا خلال حقبة الاتحاد السوفييتي، وكان -دائمًا- شغوفًا ومولعًا بالدراسة، وهو ابن كاتبٍ مشهورٍ كان عضوًا في اتحاد كتَّاب الاتحاد السوفييتي، ونشأ في وسطٍ بسيط لكنه كان محاطًا بالكتب.
ويتذكر قائلًا: “كان لدينا مكتبةٌ رائعة في المنزل، حيث كان والدي ينفق كل دخله على شراء الكتب التي تضم أعظم الأمثلة من الأدب العالمي”.
تخرَّج مخيتاريان في الجامعة الوطنية للفنون التطبيقية بأرمينيا عام 1982، وحصل على شهادةٍ في تخصص الهندسة المعمارية والبناء، وكُلف بعد تخرجه مباشرةً بمهمةٍ في مشروع بناء منشأةٍ رياضيةٍ جديدةٍ وسط مدينة يريفان، عاصمة أرمينيا، وكانت أرمينيا تستعد في ذلك الوقت لاستضافة بطولة العالم لألعاب القوى، وكانت القيادة السياسية للبلاد تشارك بقوةٍ في الإشراف على هذا المشروع الكبير، الذي تطلب العمل المتواصل لمدة 24 ساعةً يوميًا على مدار أيام الأسبوع، ويقول: “أدين بالفضل لتلك البيئة الصعبة في تعليمي كيف أُحدِّد أهدافي وأحققها”، وسرعان ما اكتسب مخيتاريان سمعةً جيدةً نتيجة عمله الجاد وتفانيه، ليتم تعيينه مسؤولًا عن إنشاء مصنعٍ لمواد البناء عام 1986، وكان يبلغ من العمر وقتها 26 عامًا تقريبًا، ليحقق أهدافه الوظيفية التي تتخطى سنوات عمره بكثير.
إلا أن صاحب الإنجازات الكبيرة لم يكن راضيًا تمامًا عن السير في مسارٍ وحيد، لذا، وبعد أن أثبت قدراته في المجال الذي اختاره لنفسه، انتقل مخيتاريان إلى أوكرانيا في تسعينيات القرن العشرين ليكمل دراساته العلمية، وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة كييف الوطنية في تخصص البناء والعمارة، وهو بعمر 36 عامًا، ثم أصبح مواطنًا أوكرانيا.
لاحظ رجل الأعمال الشاب أن هناك ثغرة في سوق العقارات بوطنه الجديد، تتطلب التعامل معها، وهي عدم توفر مساكن جديدةٍ بأسعارٍ معقولة، ما كان يعني أن الكثيرين من الأشخاص يضطرون إلى العيش في ظروفٍ صعبة، واستثمر 10 آلاف دولار عام 1996 لإنشاء أول شركةٍ أوكرانية خاصة في مجال تطوير العقارات، وهي شركة (Poznyakizhilstroy)، وانطلق لتطوير مساحاتٍ سكن مريحة لم تشهدها البلاد من قبل.
ونجح مخيتاريان باستخدام هذا الاستثمار المتواضع، ومهاراته التفاوضية الرائعة، في إستكمال مشروعه الأول، فحصل على الأرض من جمعية الشباب التعاونية مقابل منحها عددًا من الشقق الجاهزة في المشروع، واستخدم قيمة الشقق الأخرى لدفع ثمن المستلزمات، ثم باع الشقق المتبقية في السوق الحر ليدفع الرواتب، وحاز مخيتاريان مرةً أخرى على تقدير الحكومة عندما أتم المشروع، وحصل على جائزة المطور المتميز من رئيس أوكرانيا.
يقول مخيتاريان: “هناك طلبٌ دائمٌ على العاملين في مجال البناء، إن مهمتنا صعبة، وتتطلب تحمل الكثير من المسؤولية، لكننا في الوقت نفسه نُشكل تراث وتاريخ العمارة في بعض المدن العظيمة”. وأصبحت شركة (Poznyakizhilstroy) إحدى الشركات العقارية الرائدة مع بداية العقد الأول من القرن العشرين، وتوظف الآن أكثر من 25 ألف شخص، وتدعم آلاف الوظائف الأخرى بطريقةٍ غير مباشرة، وقامت الشركة خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرة بتطوير وبيع مساحاتٍ تزيد على مليون مترٍ مربع من العقارات السكنية في مدينة كييف وحدها.
وعلى الجانب الآخر، ألَّف مخيتاريان أكثر من 300 منشورٍ علمي، بما في ذلك 14 دراسة. وتشمل إنجازاته الأخرى عمله أستاذًا في الجامعة، وحصوله على جائزة الدولة الأوكرانية في العلوم والهندسة، وعضويته في الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا باعتباره عضوًا بالمراسلة، كما أسس معهد الطاقة المتجددة التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا.
حصل مخيتاريان على تقديرٍ واسعٍ من الحكومة الأوكرانية لمساهماته في الاقتصاد والعلوم والمجتمع، حيث حصل على ميثاق الشرف من البرلمان الأوكراني، ويحمل وسام الاستحقاق الوطني، وحصل بالإضافة إلى ذلك على وسام ياروسلاف الحكيم، ووسام دانيلا هاليفسكي، وعددٍ من جوائز الدولة والجوائز الاجتماعية الأخرى.
وحازت دبي على اهتمام رجل الأعمال الناجح في تلك الفترة، واستخدمها في البداية كوجهةٍ لقضاء العطلات الفاخرة، ثم اتخذها مركزًا لأعماله، وبمجرد تأسيسه شركة (Emerald Palace Group)، اتخذها وطنًا له، وترك إدارة أعماله في أوكرانيا لابنه الأكبر.
أدرك مخيتاريان الإمكانات الكامنة في منطقة نخلة جميرا، ويوضح ذلك قائلاً: “لقد حولت الرؤية الطموحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع حاكم دبي جزيرة نخلة جميرا لتصبح العجيبة الثامنة للعالم”.
واستخدم مخيتاريان مهاراته الفريدة في التطوير العقاري التي اكتسبها على مدار أعوامٍ من دراسة الفن والعلم المسؤول عن الرفاهية والراحة الإنسانية، وجمع كل المعلومات المتوفرة عن قطع الأراضي المتاحة في الجزيرة التي صنعها الإنسان، بما في ذلك حركة المد والجزر في البحر، والمشهد العام للمنطقة، وأماكن غروب الشمس، وحركة الظل، وأكثر من ذلك بكثير، ليختار في النهاية الموقع المثالي لمشروعه التالي.
وبناءً على اختيار مخيتاريان، سيضمن ضيوف فندق (Emerald Palace) التمتع بضوء الشمس لأطول فترةٍ ممكنة وهم يستخدمون حمام السباحة، وضبط مستوى الأوزون في الغرف والأماكن العامة لتحقيق رفاهيةٍ مثالية. لقد اختار مخيتاريان جميع المواد والكماليات المستخدمة بنفسه لضمان أعلى جودةٍ ممكنة، هذه المواد مصنوعةٌ وفق الطلب على يد أفضل شركات التصنيع الأوروبية، وجاءت أكثر من 30 ألف قطعة أثاثٍ من إيطاليا وحدها، كما تم استخدام النسيج بدلًا من ورق الحائط، ولم يكتفِ مخيتاريان بطلاء الفندق باللون الذهبي، بل استخدم الذهب الأصلي. لم يصمم مخيتاريان الفندق ليشبه القصور، بل أراده قصرًا بالفعل، بدايةً من استخدام كريستال “سواروفسكي” في تجهيزات الإضاءة، ووصولًا إلى استخدام أعمدةٍ من الرخام الأصلي، ويقول: “أومن بشدةٍ بأن الفخامة تكمن في التفاصيل، تتميز الهندسة المعمارية الكلاسيكية بمجموعتها الخاصة من القواعد والإرشادات الدقيقة، وطالما التزمتَ بها، ستكون النتيجة تحفةً خالدةً ستحظى بالتقدير مع مرور الزمن”.
يتميز الفندق بوقوعه في المنطقة التي أصبحت فيها الرفاهية الراقية المستوى الأساسي للتوقعات، نتيجة الاهتمام بالتفاصيل. ولا يتوقف مخيتاريان عن تنمية عقله المحب للاستطلاع أثناء انشغاله بإنشاء العقارات الخلابة، لقد ألَّف بالفعل عشرات الكتب، بما في ذلك كتابه الأخير: (Man and Dwelling)، ويعمل الآن على كتابه التالي، الذي يَعد بأن يضع فيه أفكاره المتعلقة بأسرار النجاح في الهندسة المعمارية والتطوير العقاري، كما يأمل في مواصلة العمل على المشاريع وتوسيع أعماله، ليتمكن من التعبير عن نفسه باعتباره مهندسًا معماريًا.
لكن ما هي أهم القيم التي تمنحه مهاراته القيادية المزدهرة؟ يقول مخيتاريان: “من المهم دائمًا أن تكون مواكبًا للتطور، وأن تحافظ على تقدمك مع العصر الذي نعيش فيه، أومن بأن وصفة النجاح تشمل المعرفة الاحترافية العميقة، بالإضافة إلى التفاني وسلوك العمل الإيجابي، وبالطبع بعض الحظ