تشهد القطاعات الرئيسية في جميع أنحاء العالم تغيّرات جذرية نتيجة إمكانات الذكاء الاصطناعي وقدرته على التكيّف مع الظروف المتغيرة.
لذا، نسلط الضوء في ما يلي على خمسة قطاعات رئيسية تندرج حالياً ضمن القطاعات التي تطالها آثار ثورة الذكاء الاصطناعي، ابتداءً من خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تعزز كفاءة مسارات الطيران، مروراً بالطائرات المسيّرة التي تراقب المحاصيل بدعمٍ من الذكاء الاصطناعي، ووصولاً إلى تجارب التعلّم الغامر القائم على عالم الميتافيرس.
1) الرعاية الصحية: أصبح من الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تأثيراً واسع النطاق في قطاع الصحة. ففي هذا الإطار، أطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أكثر من 20 مشروعاً بحثياً حالياً ومستقبلياً في مجال الصحة، وذلك بالتعاون مع مجموعة من الشركاء، مثل منظمة “ملاريا نو مور”، وشركة “كيورس إيه آي”، ومنظمة “أسباير”، وشركة “إنفنت برين تكنولوجي” (آي بي تي)، وشركة أبوظبي للخدمات الصحية، ومدينة الشيخ شخبوط الطبية. كما أنشأت الجامعة هذا العام معهد الصحة العامة الرقمية الذي يهدف إلى توحيد هذه الجهود، وذلك من أجل توفير مسار يتيح للتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي دعم رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقوم على ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي وعلوم الحياة.
فقد شهد العالم بالفعل الثورة التي بدأ الذكاء الاصطناعي بإحداثها في مجال الرعاية الصحية، من خلال تبسيط المهام الإدارية، وتعزيز عملية تشخيص المرضى، وتقديم الرعاية الشخصية لهم. إلا أن أدوات تعلّم الآلة ستُحدِث الأثر الأكبر في هذا القطاع، إذ باستطاعتها تحليل كميات هائلة من البيانات الطبية التي تتراوح من سجلات المرضى إلى التصوير المقطعي المحوسب، وذلك بهدف تحديد أنماط الإصابة بالأمراض والتنبؤ بها، مما يؤدي إلى اكتشافها المبكر وعلاجها بفعالية أكبر. في هذا السياق، أبرمت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مؤخراً شراكة مع دائرة الصحة- أبوظبي وشركة “كور 42” من أجل إطلاق مركز الأكاديمية العالمية للذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية، وتوفير التدريب في مجال الذكاء الاصطناعي للقوى العاملة في قطاع الرعاية الصحية في الإمارات وتحسين مهاراتها.
2) الطيران: يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين العمليات في قطاع الطيران وتعزيز سلامة الركاب والتجارب التي يعيشونها. كما تستخدم شركات الطيران خوارزميات الذكاء الاصطناعي من أجل تَوَقُّع حاجة الطائرات للصيانة، واستخدامها بشكل فعّال، والحد من تأخر مواعيد إقلاعها.
من جهتها، وقعّت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في العام الماضي مذكرة تفاهم مع مجموعة الاتحاد للطيران، وهي شركة الطيران الوطنية الإماراتية، وذلك بهدف إطلاق مبادرات مشتركة وإجراء أبحاث حول استخدام الذكاء الاصطناعي لإحداث تغيير ملحوظ في قطاع الطيران. وتتضمن المذكرة تعاون المؤسستين لإطلاق برامج تدريبية واستكشاف الفرص البحثية المتاحة. وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة الاتحاد للطيران كانت أيضاً شريكة في إطلاق نموذج “جيس”، وهو النموذج اللغوي الكبير الأكثر تقدماً في العالم باللغة العربية.
3) الزراعة: تُستخدَم تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة إنتاجية المحاصيل وتعزيز الأمن الغذائي وتحسين الموارد المستخدَمة في الزراعة. كما تستطيع الطائرات المسيّرة المجهزة بمستشعرات تعتمد على الذكاء الاصطناعي مراقبة المحاصيل واكتشاف الأمراض التي قد تعاني منها ونقص المغذيات في وقتٍ مبكرٍ، مما يتيح إمكانية التدخل المبكر لمعالجة المشكلة بشكل دقيق، في حين يمكن لخوارزميات تعلّم الآلة تحليل حالات الطقس وبيانات التربة من أجل توفير رؤىً مفيدة للزراعة الدقيقة.
في هذا الصدد، ستتعاون جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مع شركة سلال للغذاء والتكنولوجيا، وهي شركة زراعية وتكنولوجية مقرها أبوظبي، من أجل الاستفادة من ابتكارات الذكاء الاصطناعي في مجالَي الزراعة وإنتاج الغذاء. كما ستدعم الاتفاقية إطلاق مركز مشترك للتميّز في مجال الذكاء الاصطناعي يتمتع بالقدرة على تمكين دولة الإمارات من تطوير قطاع إنتاج الغذاء وتوسيعه ودعم الممارسات المستدامة فيه.
4) التعليم: يعيد الذكاء الاصطناعي تحديد مفهوم التعليم وأساليبه من خلال إضفاء الطابع الشخصي على تجارب التعلّم، وإنشاء أنواع جديدة منها، وأتمتة المهام الإدارية في هذا القطاع. كما تستخدم منصات التعلّم التكيفي خوارزميات الذكاء الاصطناعي من أجل تصميم المناهج والمواد التعليمية بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية الخاصة بكل طالب ومع وتيرة تعلّمه، فيما يقدّم المعلمون الافتراضيون وروبوتات الدردشة المساعدة الفورية والملاحظات للطلاب.
لا بد من الإشارة إلى أن الباحثين في مركز الميتافيرس التابع لجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يُجرون أبحاثاً حول حلول النقل الآني الافتراضي في عالم الميتافيرس بواسطة بالذكاء الاصطناعي، وهي حلول من شأنها أن تساعد على توسيع نطاق التعليم من خلال منح الأطفال في المناطق النائية القدرة على الالتحاق بالمدرسة افتراضياً، وذلك عبر بيئات غامرة ثلاثية الأبعاد. كما تستكشف الجامعة طرقاً محتملة لإنشاء محتوى ثلاثي الأبعاد وصور رمزية حسب الطلب.
5) الطاقة: أما في قطاع الطاقة، فيساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين العمليات، وزيادة الكفاءة، وتعزيز الاستدامة. بيد أنه يتطلب في الوقت نفسه كميات هائلة من الطاقة لتقديم نتائج فعّالة. لذا، تدعم جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تحقيق الاستدامة على نطاقٍ واسعٍ في مجال الذكاء الاصطناعي، وتبحث عن طرقٍ تؤدي إلى تقليل استهلاكه للطاقة. وقد كانت الجامعة رائدة في تطوير نظام تشغيل الذكاء الاصطناعي، وهي تقنية مصممة للحد بشكلٍ كبيرٍ من التكاليف المرتفعة للحوسبة الذكاء الاصطناعي، والتي تتمحور حول الطاقة والوقت والمواهب. إذ يساعد هذا النظام على خفض تكاليف الطاقة الناتجة عن حوسبة الذكاء الاصطناعي، من خلال جعل النماذج أصغر حجماً وأسرع وأكثر كفاءة وأقل اعتماداً على الأجهزة باهظة الثمن. ويؤدي النظام إلى تسريع عمليات الحوسبة المرتبطة بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وخدمتها، مما يقلل من الوقت اللازم للتدريب. إلى جانب ذلك، عمل الباحثون في الجامعة على تطوير مجموعة من النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر أو المتاحة على الأجهزة أو المدرَّبة بكفاءة.
إلى جانب ذلك، تستفيد شبكات التوزيع الذكية من خوارزميات الذكاء الاصطناعي لمراقبة عملية توزيع الطاقة وإدارتها في الوقت الفعلي، مما يؤدي إلى تحسين الأحمال والحد من هدر الطاقة. من هذا المنطلق، يعمل فريقٌ من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على توفير حلول الذكاء الاصطناعي لشبكات التوزيع الذكية، من خلال اعتماد تقنية التعلّم المتحد لتدريب نموذج تعلّم الآلة، مما يتيح له معرفة عادات ملايين المستخدمين في استخدام الطاقة من دون المساس بخصوصية البيانات، الأمر الذي يسمح لمزودي الطاقة بتعزيز الكفاءة والموثوقية في عملية توزيع الطاقة إلى حدٍ كبير