ليست غلطتي، ولم تكن يوما، كان حظي العاثر لا أكثر.
ليس من العدل عقابي على سوء تَوَقُّعٍ ارتكبته عن سابق شعور بحب طغى على بصري، فجعلني أتجاهل بعض الحقائق التي تشير إلى أننا غير متكافئين، وأعمى بصيرتي فجعلني أتغاضى عن المنطق لأستبدله بأحلام وردية ظننتها مناسبة لإتمام علاقتنا.
لم يكن العمر مشكلتنا، فقد تجاوزت منتصف العشرين، وهو في بداية الثلاثين، بل عدم النضج هو الذي كان طامتنا الكبرى.
علمونا نحن النساء إتقان فنون الطهي، ورسخوا فينا تدبير الأعمال المنزلية منذ النشأة الأولى، ومن ثم زرعوا في عقولنا هدفا لإكمال دراستنا الجامعية بقصد الحصول على زوج مناسب، ذلك لأن فرص الزواج للمتعلمة أكبر وأفضل بكثير من غيرها.
لقنونا بوعي، وأحيانا بدون وعي أهمية الزواج في عمر العشرين، لئلا يفوتنا القطار خوفا علينا من لقب (عانس)، هذه الكلمة المرعبة التي تخشى أية عائلة أن توسم بها إحدى بناتها، هذا هو السبب الذي أودى بمستقبل حياة كثير من البنات نتيجة الزواج غير المتكافئ.
ليس الذنب على الأهل وحدهم، بل إنه مجتمع كامل يعمل على مبدأ درء القيل والقال بوأد الألسنة قبل الكلام، ليجد نفسه في مرمى النميمة، تلوكه الأفواه عند أول أحدوثة تمس عائلته مهما كان حجمها.
لم يكن حبنا صدفة كما أقنعته، بل ترصدته دون أن يلحظني، تقصدت أن أتواجد في أماكن لقاءاته بأصدقائه، واتبعت إرشادات صديقاتي لإيقاعه في شباكي، ولم يمض شهر إلا و(أحبك) تطرب سمعي، وتخطف أنفاسي، سنوات الغرام مرت معه كأنها أيام، وتزوجنا بعد أن أثبت لي ولأهلي أنه رجل يستطيع الحصول على وظيفة مرموقة براتب عالٍ يمكنه من فتح بيت يليق بالمستوى العالي لابنتهم.
ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، انتهت مرحلة العسل، وبدأنا مرحلة الجد، ومهما قيل لي بوصف الزواج والتزاماته ومسؤولياته، إلا أنني لم أكن لأتخيل أنه سيعطي للحب شكلا ومفهوما آخر لا يمكنني تقبله، وأن الحبيب الذي كان يهتم بأدق تفاصيل حياتي، ويسعى بكامل طاقته لإرضائي، سيتحول إلى زوج جل وقته العمل الذي يسعى من خلاله لنيل ترقية ترفع من مستواه الاجتماعي والمادي، وكلما حصل على مراده زاد طموحه، وقل الوقت المخصص لي.
قابل الأسباب التي أدت لطلبي المتزايد الاهتمام بي كما قبل الزواج، بتبريراته بأنه زهق من النكد في البيت، وتعب من ضغط العمل الذي يقع فوق كاهله في الخارج.
هو لم يستوعب حاجتي للاحتواء، وأنا لم أغفر له إهماله، فاستبدلنا كلام الغزل بالشتائم، وبقصد قهره، أصبح فقره قبل الزواج فرصتي لمعايرته بنقصه، بعد أن يسبقني ويتهمني بالأنانية والغرور وتكبري عليه.
بعد أن كنا مثالا لأجمل قصة حب في حَيِّينا، صرنا مضرب مثل في المجتمع من حولنا في فشل الزواج المبني على الحب.
بدأت شلالات الكحل الأسود تسيل فوق خديها، وتمتد إلى الأسفل لتلطخ عنقها، لم يكن الدمع سببا لها، فقد تحجرت مشاعرها حتى أنها لم تعد تشعر بالمياه الباردة المنصبة من صنبور (الدش) فوق شعرها وهي متقوقعة بكامل ملابسها فوق أرضية الحمام ترتجف حنقا، بعد أن رمى عليها يمين الطلاق وغادر المنزل.