بقلم جوردان بيرغر، نائب الرئيس لقطاع التمويل في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا المحيط الهادئ لدى سايج
القادة الماليون الذين يطمحون ليكونوا مدراء ماليين عصريين/ المدراء الماليين الذين يتطلعون الى التحول الرقمي ليكونوا شركاء استراتيجيين متميزين للرؤساء التنفيذيين
في السنوات الأخيرة، شهد دور المدراء الماليين تطوراً لم يسبق له مثيل. فمنذ بداياتهم كمؤرخين للبيانات المالية والأداء السابق، تطور المدراء الماليون ليصبحوا محللين في الزمن الفعلي وأصحاب رؤى تتوفر لديهم التقنيات التنبؤية بكل سهولة.
وبعد النظر إلى الماضي والحاضر والمستقبل، أين سيكون مجال التركيز التالي للمدراء الماليين؟
يضيف المدراء الماليون إجادة التكنولوجيا إلى مجموعة أدواتهم، بحيث يعيدون تعريف فهمهم للتوجهات والتحديات والفرص التي تقف خلف الأرقام التي لطالما اعتمدوا عليها.
وبصورة مماثلة للرؤساء التنفيذيين ـ فإنهم يعتبرون الآن من أقوى القادة والمدراء تاثيراً، ويتسلحون بالرؤى المرتكزة على التكنولوجيا في التعبير عن الوضع المالي لشركاتهم. كما أنهم في طليعة تحول الأعمال. ومن أجل إحياء هذه الهوية الجديدة، دعونا نرسم صورة لطبيعة عمل المدير المالي العصري يوماً بيوم.
في قلب الشركة
لن يواجه المرء صعوبة في إيجاد المدير المالي هذه الأيام. إذ من الممكن رؤيته بسهولة في أروقة الشركة، وهو يتحدث إلى الأفراد من جميع المستويات ويصغي اليهم ويجيب على الاستفسارات من مختلف أقسام الشركة.
وبوصفه موضع ثقة الرئيس التنفيذي، غالباً ما نجد المدير المالي إلى جانبه، وهو يؤثر في صنع القرارات الاستراتيجية مع أخذ البيانات المالية الإجمالية للشركة بعين الاعتبار. ولكون التقنيات الرقمية في متناول ايديهم، فإن قدرة المدراء الماليين على عرض بيانات مالية دقيقة وموجزة وذات صلة يدعم الرئيس التنفيذي في اتخاذ قرارات كبرى في الوقت المناسب.
ورغم ذلك، فإن المدير المالي العصري لا يقتصر في تواصله على افراد محددين فقط، بل يتفاعل باستمرار مع الفرق من مختلف الاقسام، مثل المبيعات وخدمات العملاء والتسويق والموارد البشرية، بحيث يكتسب الفهم حول دور الاستثمارات المستقبلية في التكنولوجيا والمواهب في الارتقاء بالفرق إلى مستويات جديدة. وتتيح التطبيقات والمنصات السحابية المترابطة للمدير المالي أن يستوعب مهام الشركة استيعاباً شاملاً ليفهم بالفعل أداءها المالي وتحدياتها وفرصها.
لقد وجد المدراء الماليون مكانتهم في قلب الشركة- حرفياً ومجازياً. وهذه المكانة الجوهرية هي طريقهم نحو توجيه القرارات المستنيرة بالمعلومات بشأن استراتيجيات الشركة وسياساتها بالكامل.
صانع قرار واثق
لا يعمل المدير المالي العصري بمفرده بل يجمع فرقه البشرية سوياً بواسطة التكنولوجيا الناشئة. فالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يساعدان البشر، ومنهم المدراء الماليين، في التنبؤ والتصور والتخطيط للمستقبل.
ويعمل المدير المالي في بيئة تتيح المعالجة السريعة والفعالة للبيانات على نطاق واسع من أجل إنتاج معلومات دقيقة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهذه التقنيات تستطيع الإحاطة بسير الأعمال لحظة بلحظة، بحيث تتطور وتقدم معلومات أفضل بمرور الوقت بفضل تعلم الذكاء الاصطناعي.
ويدعم المديرون الماليون الرؤية والاستراتيجية طويلة الأمد. فلن تراهم منشغلين بالأمور البسيطة. لقد انتهى عصر قراءة كل سطر في دفتر الحسابات لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على فعل ذلك بسرعة ودقة أكبر، قبل الإبلاغ عن أي انحراف أو تضارب. وعند العثور على انحراف، حينها فقط ينبغي للمدير المالي أن يتدخل ويصلح المشكلة بسرعة.
إن الإحاطة الجيدة بالمعلومات طريقة مضمونة لاتخاذ قرارات حكيمة. وعلاوة على ذلك، فمع ما يوفره المدير المالي من وقت في رقمنة مراجعة دفتر الحسابات وغيرها من المهام اليدوية المتكررة، يمكنه الاستثمار في موظفيه. وهذا يعني زيادة المشاركة في الحديث مع العملاء والعصف الذهني مع الزملاء والتفاعل مع أصحاب المصلحة، ومن خلال ذلك يمكن للمدير المالي تطوير علاقات مهمة وممارسة التأثير بالاستناد إلى البيانات.
قوة موثوقة في عصر التغيير
المدير المالي العصري ماهر في اتخاذ القرار الصحيح. ليس هذا وحسب، بل يثق الأفراد بأحكامه ويسعدون بتوليه زمام الأمور.
لماذا؟ لأن تأثير الرؤى المستندة إلى البيانات على المدير المالي واضح. فهو لا يأخذ البيانات المالية فقط بالحسبان، بل أيضاً البيانات المجمعة من مختلف أقسام الشركة، ويكسب ثقة الأقسام كلها بفضل ذلك.
إن هذه النظرة العامة للشركة تعني أن المدير المالي حين يرغب بالتغيير فإنه يحدث بسرعة وفاعلية في مختلف أقسام الشركة. وليس ذلك فقط لأنه يملك التقنيات المناسبة لإتمام المهام، بل لأن الشركة بكاملها تتجه صوب التحول. ولن تجد أي فريق يجهل الأمر- فالمدير المالي في هذه الأيام يحرص على أن يفهم الجميع دوافع التغيير ويتسم بالشفافية حيال كيفية تحقيق النجاح.
ليس من الممكن التحكم بكل التغيرات بالطبع. وحينما تتعرض الشركة لتغيرات مفاجئة، يتصرف المدير المالي بسرعة البرق لأنه يعمل بالفعل وفق نهج يركز على المستقبل. وهذا بفضل القدرات التنبؤية والتخطيط للطوارئ ووضع التصورات المالية والاستراتيجيات التي تكون على شكل رؤى مدفوعة بالذكاء الاصطناعي.
وفي الواقع، عندما يحدث التغير بشكل غير متوقع، يكون لدى المدراء الماليين الحرية في اتباع نهج مسؤول لا يهتم بالشؤون المالية فقط، بل بالأفراد كذلك، من خلال إدارة التوقعات بعناية لتفادي الإصابة بالذعر. وهم يتصفون بتفهم الآخرين والتعاطف معهم، ويحرصون على إحاطة جميع الفرق بكل جديد يتعلق بتأثير التغيير عليهم، إلى جانب التخطيط المسبق من أجل حماية الشركة من حدوث مثل هذه المواقف مرة أخرى.
المدراء الماليون لديهم الفرصة لرؤية الصورة الأكبر
يمتاز المدراء الماليون العصريون عن سابقيهم بأنهم منظورون وموثوقون بشكل أكبر، كما أنهم يتمتعون بمزيد من الثقة بالنفس. وهم يملكون ما يلزم من متطلبات لقيادة شركاتهم عبر التحول من خلال الاعتماد على رؤى متميزة تمكنهم من امتلاك نظرة استراتيجية أعمق.
بالانتقال من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، ثم العودة الآن لرؤية الصورة الأكبر، لا يتوقف المدير المالي العصري عن التطلع للأمام، بحيث يقود الشركة صوب تحقيق أهداف أجرأ من ذي قبل.