متسائلاً حول كيفية استرداد البورصة المصرية عافيتها في ظل الأزمات المتلاحقة، بدأ الدكتور أحمد سعد، رئيس هيئة سوق المال الأسبق، مدير الجلسة الأخيرة من ” قمة أسواق المال” التي نظمتها شركة ميديا أفنيو «سوق المال.. نوافذ متعددة التمويل» برعاية “إيكونومي بلس”.
مفتتحاً حديثه بأن التذبذبات من طبيعة الأسواق لخلق الفرص، لكنَّ ضعف السيولة وتراجع حجم السوق لهما مجموعة من الأسباب والنتائج بعضها يخص الصناعة نفسها، والبعض الآخر يخص الاقتصاد الكلى بشكل عام، ووجه سؤاله للحضور حول الأسباب التي قادت السوق لهذا الوضع، وكيف يمكن إنقاذه واستعادة عافيته مرة أخرى.
مشيراً إلى أن البورصة فقدت %22 منذ بداية عام 2020 ليصل مؤشرها الرئيسي «EGX30» لأدنى مستوياته منذ تحرير سعر الصرف، فضلاً عن تراجع متوسط قيم التعاملات اليومية بنسبة كبيرة عن العام الماضي، كما شهد السوق انسداد شريان الطروحات بعد تأجيل الطروحات الحكومية أكثر من مرة
وقال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة «مباشر القابضة»، إنَّ أعداد المستثمرين في السوق تراجعت بصورة كبيرة جداً على مدار السنوات العشر الماضية، وجزء كبير يرجع للخسائر التي لحقت بالمستثمرين بسبب نقص الوعي، فضلاً عن عدم تجدد دماء السوق بمتعاملين جدد وأجيال جديدة من المستثمرين بأعمار أصغر.
وركز «رشاد» على الحملات الدعائية التي قامت بها البورصة المصرية لرفع الوعي بالسوق خلال الشهرين الماضيين، والتي واجهت حملات عدائية من داخل سوق المال نفسه، وترهيب الأفراد من الدخول للبورصة.
أضاف «رشاد»، أن الحكومة يجب أن تهتم بالبورصة المصرية بصورة أكبر، خاصةً أن المال العام أكبر مساهم في الشركات المقيدة في السوق، مشيراً إلى الضرائب المفروضة على السوق والمحاولات المتواصلة مع وزارة المالية لإلغائها بعد ثبوت ضعف العائد منها وفداحة الخسائر التي تكبدها رأس المال السوقى والتداولات اليومية.
ويرى «رشاد»، أن دعم الاستثمار المحلى عبر مجموعة من المبادرات والتي قدمها البنك المركزي يحتاج ضم سوق المال لتلك المبادرات، خاصةً أنه سيجذب من خلفه المستثمر الأجنبى.
أضاف أن عمليات الدعاية والترويج السلبي يلام عليه العاملون بسوق المال والمستثمرون في السوق أنفسهم ولا يجب التركيز على فترة قصيرة الأجل للترويج للسوق على أن كله خسائر، فدائماً هناك مكسب وخسارة.
وقالت رانا عدوى، رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب لشركة «أكيومن لإدارة المحافظ وصناديق الاستثمار»، إن سوق المال كمنصة تتحدث عن نفسها، وعن سوء معاملة الحكومة لها، خاصة مع تصريحات ممثلى الحكومة التي تؤثر بصورة كبيرة على سوق المال، وتسبب بعضها في هزات عنيفه للسوق خاصةً المتعلقة بالضرائب. أضافت أن فيروس «كورونا» عرض أصاب سوق المال، لكن التراجعات كانت سابقة له، وضخامة التأثير أتت بصورة رئيسية من ضعف السوق المحلى نفسه؛ حيث لم يشهد السوق الصينى والذي يعد مصدر المشكلة حجم التراجعات التي شهدها سوق المال المصري.
ولخص محمد ماهر، رئيس شركة برايم القابضة، مشكلات البورصة في تراجع أعداد المتعاملين والضرائب المفروضة على التعاملات، فضلاً عن تراجع أعداد الشركات من أكثر من 1700 شركة إلى نحو 240 شركة خلال آخر 15 عاماً، فضلاً عن زيادة عدد القواعد التنظيمية ليصبح السوق أكثر من منظم «Over regulated» تصل به لمرحلة الجمود، فضلاً عن تكاليف التداولات والتي ارتفعت إلى أكثر من 6 رسوم على العملية الواحدة، قائلاً «أصبح كل واحد بياخد قطمة».
وقال «ماهر»، إنَّ الضرائب على الدمغة والأرباح الرأسمالية والتوزيعات تمثل عبئاً إضافياً على المستثمر وطريقة احتسابها، فضلاً عن عدم وجود مزايا نسبية لقيد الشركات مقابل إعفاء سابق كانت تحصل عليه الشركات من قيد أسهمها بالبورصة يصل إلى خفض يعادل %10 من رأسمال الشركة من الوعاء الضريبى.
أضاف أن كل تلك القيود على البورصة سببت مشاكل هيكلية في السوق ليصبح أكثر هشاشة بأقل حجم أموال متواجد.
وكشف «ماهر» عن لقاء مع وزيرة التخطيط؛ حيث تم عرض كل مشكلات السوق عليها، ووعدت بإيجاد حلول، لكن السوق أصبح حالياً «من غير صاحب»؛ حيث كانت تخضع البورصة لتبعية وزارة الاقتصاد في وقت من الأوقات ثم وزارة الاستثمار والتي تم إلغاؤها مؤخراً، كما أن هيئة الرقابة المالية لا تستطيع إلا أن تدعم السوق معنوياً مع الوزارات المختصة.
وأوضح «ماهر»، أن المذكرة التي قدمتها الجمعية المصرية للأوراق المالية «إيكما»، ركزت على حلول متكاملة للسوق وليس فقط الضرائب والتي بلغت 1.75 مليار جنيه تمثل حجم الحصيلة الضريبية المفروضة على البورصة خلال 3 سنوات مقابل خسائر تجاوزت 500 مليار جنيه لرأس المال السوقى.
وأشار إلى أن برنامج الطروحات الحكومية مربوط بسعر السوق والتي باتت أسعاره عند مضاعفات ربحية تعد الأدنى تاريخياً، ما أثر بصورة كبيرة على برنامج الطروحات الحكومية.
أضاف أن سوق المال المصري يتداول بمضاعفات تتراوح بين 4 و11 مرة مضاعف ربحية في أغلب الأوقات وقليلاً ما ترتفع أسعار الأسهم إلى 18 مرة كمضاعف ربحية، والسوق حالياً يتداول بالقرب من الحد الأدنى التاريخى.
وقال عمرو الألفي، رئيس وحدة البحوث بشركة «شعاع لتداول الأوراق المالية – مصر»، إنَّ البورصة تحولت من سوق استثمار طويل الأجل إلى سوق استثمار قصير الأجل.
أضاف أنه خلال آخر 9 سنوات، شهدت 6 سنوات منها ارتفاع مؤشرات السوق فيما هبطت مؤشرات السوق خلال 3 سنوات فقط، كما أن سنوات الارتفاع التالية لكل انخفاض كانت تقلل الخسائر وتدفع الأسهم لمستويات مربحة.
وقدم «الألفي» عرضاً تقديمياً، وضع مقارنة بين الودائع وأذون الخزانة الحكومية، والبورصة، مشيراً إلى أن متوسط العائد السنوي خلال آخر 15 عاماً في سوق المال سجل أكثر من %14، مقابل %10.57 للودائع و%10.4 لأذون الخزانة، ما يعنى ضرورة تغيير المستثمرين لرؤيتهم للسوق كأداة استثمار طويلة الأجل.
كما استعرض تراجع متوسط قيم التداولات اليومية في البورصة خلال آخر 6 سنوات، والتي شهدت ارتفاعاً لقيم التداولات لأكثر من مليار جنيه يومياً خلال عامي 2017 و2018، والتي تراجعت بنسبة %35 خلال عام 2019 لنحو 650 مليون جنيه يومياً لتضيف مشكلة جديدة للسوق.
كما أشار «الألفي» إلى العلاقة العكسية ما بين تكلفة التأمين على الديون السيادية المصرية CDS والبورصة، حيث كلما انخفضت تكلفة التأمين ارتفعت مؤشرات البورصة.
أضاف أن تأثر البورصة المصرية خلال السنوات الماضية ارتبط بالحالة العامة للاستثمار، ومؤشرات الاقتصاد الكلى، ولم تنعكس التحسنات على مستوى الأرقام الكلية على السوق؛ بسبب مشكلات تخص السيولة، وضعف التداولات، ونقص المعروض من الشركات، فضلاً عن ضرورة أن تكون البنية التشريعية أكثر سلاسة، والشمول المالى لا يتعلق فقط بالبنوك، ولكنه يحتاج أكثر من الإعلانات ويجب توجيه الأفراد إلى صناديق الاستثمار وليس شركات السمسرة.
وطالب «الألفي» بضرورة وجود مستثمرين جدد وليس ضحايا جدداً بالسوق، وتنشيط دور شركات التأمين والمعاشات لجمع مدخرات الأفراد ومنح حوافز ضريبية لتلك الاستثمارات.
وطالب محمد عبد السلام، رئيس شركة مصر للمقاصة والقيد والإيداع المركزي، بضرورة إلغاء الضرائب على البورصة، خاصةً أن جميع الأسواق المجاورة لا تحصّل ضرائب على التعاملات وعلى العكس تدعم الشركات عبر منح حوافز للقيد.
أضاف «عبد السلام»، أن تكلفة التعاملات، حالياً، في السوق باتت تتخطى الأرباح الممكن تحقيقها حتى مع تحركات السوق المنتظمة دون تذبذبات عنيفة.
ويرى أنه لجذب مستثمر لضخ أموال في السوق يجب أن يقابلها بضاعة جديدة، عبر قيد شركات، وما تم إعلانه عن برنامج الطروحات الحكومية لم ينفذ منه إلا حصة إضافية من «الشرقية للدخان» تمثل %4.5 من رأس المال.
أوضح «عبد السلام»، أن الإعلانات التي تقوم بها البورصة المصرية، حتى الدعاية السلبية حولها، تعيد للآذان ذكر البورصة، لكن الحملة الأخيرة تحتاج إلى إضافة الأدوات والطرق التي يمكن للمستثمر بها الوصول إلى سوق المال.
وأشار إلى أن المتعاملين بالبورصة المصرية من فئة التابعين «Followers»؛ حيث يتجه العديد من المستثمرين للبيع دون مبرر، ولا حاجة للأموال، ولكن لمجرد السير وراء القطيع، ما يضاعف من حالات الهلع ويفقد المتعاملين مدخراتهم.
وأكد رئيس «مصر المقاصة»، أن المتعامل الذي يخرج من السوق بسبب الخسائر نادراً ما يعود مرة أخرى.
وقال «عبد السلام»، إنَّ الأموال في البورصة يتم تدويرها في حلقات مفرغة، تحتاج إلى قنوات جديدة لتجديد الفرص وسماع قصص جديدة للتداول تنشط بالسوق.
وقال أحمد سعد، إنه لا بد من تحسين جانب العرض في سوق المال من خلال زيادة المعروض لتنشيطه، لافتاً إلى أن طرح شركة «أرامكو» السعودية أكبر مثال على تنشيط جانب العرض في أسواق المال.
وقال محمد ماهر، إنَّ جمعية «إيكما» اقترحت في اجتماعها مع وزيرة التخطيط حصول الشركات المدرجة في البورصة على رأى مصلحة الضرائب المسبق قبل إجرائها عملية الاستحواذ.
وأضاف «ماهر»، أن المناقشات تطرقت للطرق المثلى لطرح الشركات الحكومية وتلك التابعة لجهاز الخدمة الوطنية في وزارة الدفاع بالبورصة، وجاءت المقترحات بضرورة طرح ما بين %50 و%75 من تلك الشركات لضمان نجاح الطروحات.
وأوضح أن انتقال إدارة تلك الشركات للقطاع الخاص سيكون عامل جذب للمستثمرين، كما أن اختيار الشركات المطروحة يشكل عامل جذب آخر.
وطالب «ماهر» بضرورة تنقية ميزانيات الشركات المطروحة من المعاملات التفضيلية للضرائب والجمارك قبل إجراء عملية الطرح.
وقال إن إعادة طرح حصص من شركات مطروحة بالفعل في البورصة لن يكون منشطاً قوياً، مشيراً إلى ضرورة اتباع الطرق الصحيحة للطروحات بعد إزالة كل المعوقات التي تحد من نشاط السوق، ومن ثم البدء بطرح شركات قطاع الأعمال وشركات الخدمة الوطنية.
وأضافت رانا عدوى، أن سوق المال شهد بعض الممارسات القاسية على المتعاملين بالسوق، فضلاً عن أزمة السيولة التي لا تخفي على أحد، وتابعت: «السوق لم يجد من يحنو عليه فقط، بل وجود الطامعين به».
وأعربت «عدوى» عن تفاؤلها بإنشاء اتحاد الأوراق المالية المكلف بقوة القانون والذي يضم تحت مظلته كل المؤسسات المهتمة بدعم سوق المال.
وقال إيهاب رشاد، إنَّ شركته تعمل على «روبو أدفيزور» منذ عام 2018، وأن هذه التقنية تشهد معدلات نمو ضخمة في الأسواق العالمية، ولا بد من إدخالها سوق المال المصري كأداة من ضمن أدوات تعافيه.
أضاف أن التعامل مع هذه التقنية سهل للغاية، ويقوم بتحديد المنتج الاستثماري الملائم للعميل بناءً على بعض معلومات يجيب عنها العميل من نسبة المخاطر القادر على تحملها وبعض المعلومات الأخرى.