تتزايد حدة التوتر في صناعة السيارات في أوروبا. وبلغ الأمر درجة كان على “في دي أيه”، الرابطة الألمانية لصناعة السيارات، أن تتدخل لمحاولة التوسط وإرساء السلام بين المصنعين والموردين.
ففي نهاية (يونيو)، قامت الرابطة بتحديث مدونة قواعد السلوك التي حكمت أفضل الممارسات في العلاقات بين الموردين وصانعي السيارات على مدى 20 عاما. جاءت هذه الخطوة التي تم الإبلاغ عنها لأول مرة في صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية الأسبوع الماضي، بعد أشهر من التوتر المتزايد حول كيفية توزيع التكاليف المرتفعة للمواد والطاقة.
يبدو أن كثيرا من شركات صناعة السيارات أقل ميلا لمشاركة العبء المالي للبيئة المتقلبة مع الموردين الذين قد لا يكونون مهمين للثورة الكهربائية المقبلة كما كانت الحال في الماضي.
قال أحد المديرين التنفيذيين في الصناعة، شرط عدم الكشف عن هويته: “التوترات اليوم مرتفعة للغاية. هناك تفاهم أن (…) النظام بأكمله كان بدرجة قوة الحلقة الأضعف. كان هناك مزيد من التضامن والشراكة”.
لقد سئم بعض الموردين، ويرفضون تجديد العقود غير المرنة. في مقابلة مع صحيفة “هاندلسبلات”، قال توماس فيشر، الرئيس التنفيذي لشركة مان + هاميل لأنظمة التصفية، من “الطبيعي تماما” إنهاء العقود، لأنه “لم يعد بإمكان الطرفين الضحك بعد الآن”.
كانت الأوقات صعبة على الجميع في قطاع السيارات. كان كوفيد – 19 السبب في نقص أشباه الموصلات، ما أثر في إنتاج السيارات على مستوى العالم. وقد تكيف كثير من الشركات عبر إعطاء الأولوية للنماذج المتميزة ذات الهامش الأعلى. وأصاب هذا بدوره سلسلة التوريد المعتادة على توفير كميات كبيرة من المكونات لكثير من العملاء.
وبينما كان الموردون يتمتعون بهوامش ربح أعلى فيما مضى، انعكس الوضع، وفقا لبيان صحافي أصدرته شركة أليكس بارتنرز بشأن تقرير الآفاق العالمية لصناعة السيارات، الذي نشر الأسبوع الماضي. يشار إلى أن شركات صناعة السيارات حققت نحو 13 في المائة من متوسط هوامش الربح التشغيلي في 2021، مقابل أقل من 11 في المائة للموردين.
يشعر الموردون الآن بالغضب، لأن شركات صناعة السيارات ترفض مشاركة نعمة الأرباح المزدهرة.
نظرا لأن الموردين يكافحون مع التكاليف المرتفعة، فإنهم يستعدون لانتقال صعب إلى المركبات الكهربائية. تقدر شركة أليكس بارتنرز أن الموردين التقليديين سيكونون قادرين على المطالبة بنسبة 28 في المائة فقط من قيمة مجموعة نقل الحركة الكهربائية في المستقبل، النظام الذي يدفع السيارة إلى الأمام، وهو إلى حد بعيد، العنصر الأكثر قيمة في السيارة الكهربائية. سيتم أخذ المتبقي من قبل الوافدين الجدد أو شركات صناعة السيارات. تشير بعض التقديرات إلى أن نحو 500 ألف وظيفة معرضة للخطر.
إن التوترات بين الصانع والمورد أمر معتاد. لكن قلق الموردين يتزايد بسبب الدلائل على أن شركات صناعة السيارات تريد حصة أكبر من سلسلة قيمة السيارات الكهربائية، ما يضع مزيدا من الأنظمة والتصنيع وتصميم البرمجيات تحت سيطرتهم.
قال هربرت ديس رئيس شركة فولكسفاجن، أخيرا: “من شراء المواد الخام إلى إعادة تدوير البطاريات، نريد أن نبقي كل شيء بين أيدينا. نتعامل بشكل متزايد مع التزويد الداخلي، وليس الخارجي”. وقال جيم فارلي الرئيس التنفيذي لشركة فورد، في (مارس)، إنه يعتزم التحكم في سلاسل توريد البطاريات من المصنع “إلى المنجم”.
ترغب شركات صناعة السيارات الكبرى في العالم بشكل مفهوم في استغلال الفرص التي يوفرها التغيير التكنولوجي لتأمين القدرة التنافسية وإيجاد تدفقات إيرادات جديدة. ويتعين عليها أيضا إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بعالم المركبات الكهربائية.
لكن الاستراتيجية تأتي مصحوبة بمخاطر. التعدين وإنتاج البطاريات والبرمجيات ليست مجموعات مهارات تقليدية لشركات صناعة السيارات. كما أن التكامل الرأسي لم يكن خاليا من المشكلات بالنسبة لشركة تسلا.
كذلك يبدو أن من غير الحكمة على المدى الطويل التغاضي عن معاناة الموردين الحاليين. لن يتغير كل شيء في المركبات الكهربائية. حتى غياب مكون غير ضار نسبيا يمكن أن يعيق الإنتاج.
والأكثر أهمية، أن إنتاج المركبات الكهربائية يجب أن يتسارع بشكل كبير، لأن حظر مبيعات السيارات التقليدية في أوروبا سيبدأ بدءا من 2035. لا يمكن القيام بذلك إلا إذا تغيرت العلاقة التقليدية التي تركز على السعر مع الموردين – ليس فقط مع الشركات الكبيرة، لكن مع الشركات الأخرى في أسفل السلسلة. سيتعين على شركات صناعة السيارات منح الموردين مزيدا من وضوح الرؤية فيما يتعلق بخطط الإنتاج والتكنولوجيا – والأمان على الطلبات – إذا أرادت استثمار المبالغ اللازمة لتحقيق النجاح.
يمكن أن يساعد التخطيط الانتقالي الأفضل ابتداء من سلسلة التوريد على توفير 40 إلى 60 في المائة من تكاليف إعادة الهيكلة المقدرة بمبلغ 70 مليار دولار، وفقا لبيان شركة أليكس بارتنرز الصحافي بشأن الآفاق العالمية لصناعة السيارات.
حتما لن تجد كثير من الشركات مكانا لها في عالم المركبات الكهربائية الجديد. لكن هناك من لا تكمن قيمتهم في المكونات التي ينتجونها فحسب، بل في الكفاءات الصناعية التي تطورت على مدى أعوام عديدة. سيكون من المؤسف ألا نقدر هذه الخبرة في الاندفاع لتحقيق الأحلام الكهربائية.
