أوضح الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “علي سبت بن سبت”، أن الكثير من حقول العالم العملاقة باتت تدخل تحت تصنيف الحقول الناضجة التي يتراجع معدل إنتاجها الأعظمي Plateau باستمرار، أو تلك التي مضى على وضعها على الإنتاج أكثر من 25 عاماً، مبيناً أن هذه الحقول تعتبر العمود الفقري للصناعة البترولية، وتقدر مساهمتها بحوالي 75- 80% من إنتاج العالم من النفط، وهو ما يجعلها فائقة الأهمية للحفاظ على أمن الإمداد وعلى توازن السوق النفطية العالمية في الحاضر والمستقبل المنظور.
وأوضح الأمين العام أنه بالرغم من تعدد السيناريوهات المستقبلية، إلا أن سيناريو الحالة المرجعية الذي يشار له باسم Business as Usual يبقى الأهم، لأن باقي السيناريوهات يتم ربطها غالباً بمتغيرات غير محددة بدقة مثل النمو السكاني، والدخل القومي، ونسبة مساهمة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة، وغيرها، فهي تبقى بالتالي سيناريوهات نظرية قد تتغير بشكل مفاجئ لعدة أسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر: الأزمات الصحية التي اجتاحت العالم، والأزمات الاقتصادية، والأزمات الجيوسياسية والتي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في إعادة رسم خرائط الطلب والإمداد، كما حصل مؤخراً من تراجع أغلب الدول الأوروبية عن خططها للحد من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية، ناهيك عن حقيقة تأثير هذا النوع من الأزمات على تذبذب أسعار الطاقة وما يرافق ذلك من ارتفاع في معدلات التضخم.
وأشار بن سبت إلى أن الطلب العالمي على الطاقة في تزايد مستمر ضمن سيناريو الحالة المرجعية، ويدخل في ذلك نمو الطلب في الدول المنتجة نفسها والذي يعني أن الكميات المتاحة للتصدير سوف تنكمش في حال ثبات معدلات الإنتاج الحالية ناهيك عن احتمال تراجع هذه المعدلات في حال انخفاض الاستثمارات في مجال التطوير.
ورأى أن إمدادات النفط والغاز ستمثل ضمن هذه الحالة نحو 50% من مزيج الطاقة في عام 2045، وهو ما يتوافق مع توقعات مختلف الجهات مثلBP، وOPEC، وEIA التي ترى أن نسبة النفط والغاز من إجمالي الطلب المستقبلي في عام 2045 سوف تكون 55%، 53%، 45%، على التوالي. مؤكداً في نفس المجال على أن الفحم الحجري قد يلبي حوالي 17- 21% من الطلب، أي أن مصادر الوقود الأحفوري ستلبي مجتمعة ما يتراوح بين 67- 71% من إجمالي الطلب العالمي، بينما سيتوزع الباقي (24- 38%) بين الطاقة النووية والطاقة المائية والطاقات المتجددة، موضحاً أن حصة مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح)، لم تشكل إلا نحو 6.7% فقط من مزيج الطاقة المستهلكة عالمياً في عام 2021.
كما نوه إلى أن تلبية النفط والغاز لنصف الطلب العالمي على الطاقة – على الأقل- خلال العقدين القادمين، لن يكون هدفاً سهلاً في حال تراجع الاستثمارات في الصناعة البترولية، حيث يقدر أن العالم سوف يستهلك -ضمن سيناريو الحالة المرجعية- حوالي 800- 870 مليار برميل من النفط حتى عام 2045، أي ما يعادل نحو 60- 67% من إجمالي الاحتياطي المؤكد في العالم عام 2020، والبالغ نحو 1.28 تريليون برميل. وهذا يعني أن هناك أهمية فائقة لتعويض الكميات المنتجة عبر اكتشافات جديدة، أو عبر تبني تقنيات الاستخلاص المحسن للنفط، مع ملاحظة أنه خلال السنوات الماضية تراجعت الاكتشافات الجديدة من الحقول العملاقة وباتت أقل من السابق سواء من ناحية العدد أو الحجم.
وخلص بن سبت إلى التأكيد على أن الوقود الأحفوري سوف يبقى متصدراً المشهد العالمي كأهم عناصر مزيج الطاقة خلال العقود القادمة، وسيبقى للنفط دورٌ حيوي في دفع عجلة التنمية العالمية، مما يترك الصناعة البترولية أمام خيارين يجب أن يسيرا على التوازي، الأول هو ضخ الاستثمارات في مجال الاستكشاف، وهو خيار هام بطبيعة الحال، لكن عدد الحقول النفطية العملاقة التي يتم اكتشافها سنوياً قد تراجع خلال العقد الماضي مقارنة بعدد الاكتشافات الغازية العملاقة، مما يزيد من أهمية الخيار الثاني، وهو تطوير الاحتياطيات المؤكدة المعروفة في الحقول الناضجة، وهو خيار أقل مخاطرة من عمليات التنقيب في المناطق الجديدة.
وبيّن في هذا المضمار أن طرق الاستخلاص المحسن للنفط تلعب دوراً جوهرياً في تطوير الحقول الناضجة من خلال رفع معدل الإنتاج، ومن خلال رفع معامل الاستخلاص من هذه الحقول، وهو ما يمكن النظر إليه وكأنه اكتشاف جديد، إذ من المقبول علمياً أن متوسط معامل الاستخلاص في العديد من حقول العالم لم يتجاوز 35%، وهذا يعني أن هناك 65% من الاحتياطيات الجيولوجية المتبقية لا تزال تمثل مصدراً هاماً لرفد الاحتياطيات القابلة للإنتاج، مما يستوجب توجيه المزيد من الاستثمارات نحو تطوير تقنيات الاستخلاص المحسن.