في ثاني فعالياتها، نظمت وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، يوما مصريا وحوارا مفتوحا مع طلبة المدارس الدولية، والإعداد لبثه لأبناء الجيلين الثاني والثالث بالخارج، بحضور الدكتور ميسرة عبدالله حسين إبراهيم، نائب الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية للشؤون الأثرية، في حوار مفتوح مع عدد من طلاب المدرسة الدولية بالقرية الذكية Smart Village Schools (SVS) – Lycée Voltaire ، وذلك بحضور السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة، حول نشأة مصر القديمة وعظمة الحضارة المصرية الممتدة عبر الزمن ومراحل تطورها حتى وصلت إلينا بشكلها الحالي، وذلك بحضور شيماء حلاوة عضو مجلس النواب عن المصريين في الخارج، والدكتور طارق شلش نائب رئيس مجلس إدارة مدارس القرية الذكية.
وفي كلمتها، قالت السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة، إن هذا اللقاء يأتي في إطار مرحلة جديدة من المبادرة الرئاسية “اتكلم عربي”، والتي تستهدف تعريف أبنائنا باللغة العربية وتاريخهم حيث تركز الفعاليات الجديدة على الاحتفاء بالشخصية المصرية وجذورها المتنوعة، معربة عن سعادتها بهذا اللقاء، للتحدث مع أبنائنا من طلبة مدارس القرية الذكية، عن مصر والحضارة المصرية التي تبهر العالم أجمع، من خلال المحاضرة التي يتحدث إلينا فيها الدكتور ميسرة عبد الله عالم المصريات البارز.
وأضافت السيدة الوزيرة أن أبناءنا هم القادة الجدد لمستقبل مصر، لافتة إلى أنه لكي يكونوا جديرين بالقيادة فلا بد من معرفتهم لتاريخ وطنهم ولجذورهم العظيمة، وصولًا لكل المعارف التي بدأت العلوم المصرية تنشرها للعالم، ومعرفة كيف كان أجدادنا المصريون مبتكرين وبارعين وسبقوا كل العصور، ولهذا نقول دائمًا “مصر أم الدنيا” لأن حضارتنا هي أقدم الحضارات المعروفة، والتي استمد العالم كله منها الكثير والكثير من العلوم بمختلف أنواعها، وبُنيت عليها العديد من الحضارات الأخرى.
وأعربت السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة عن شكرها للدكتور طارق شلش نائب رئيس مجلس إدارة مدارس القرية الذكية، والسيدة شيماء حلاوة عضو مجلس النواب على تنظيم فعالية مبادرة “اتكلم عربي” ولقاء طلاب المدرسة، لحثهم على تعلم والتحدث باللغة العربية باللهجة المصرية والاعتزاز بتاريخ بلدهم وجذورهم المصرية.
من جانبه، رحب الدكتور طارق شلش، نائب رئيس مجلس إدارة مدارس القرية الذكية، بالسفيرة سها جندي وزيرة الهجرة، معربا عن اعتزازه لاختيار مدارس القرية الذكية ضمن المدارس التي تنفذ فيها المبادرة الرئاسية “اتكلم عربي”، مثمنا ما تسعى وزارة الهجرة لتحقيقه من وراء المبادرة وأهمها تعزيز الهوية المصرية في نفوس الأجيال الجديدة، مؤكدا أن مدارس القرية الذكية بنيت على أحدث الطرق العالمية بهدف الحفاظ على المستوي التعليمي وغرس القيم المطلوبة في كافة الدارسين.
وأضاف شلش أنه يعتز بلغته العربية وهويته المصرية حتى مع سفره للخارج بعد التخرج لاستكمال مراحل تعليمه حرص على التمسك بأصوله المصرية والعودة لمصر بعد استكمال تعليمه لإفادة بلده، مؤكدا أهمية حفاظ الفرد على أصله المصري واعتزازه به.
ومن جانبه، بدأ الدكتور ميسرة عبد الله نائب الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية للشؤون الأثرية وعالم المصريات، محاضرته حول بداية نشأة الدولة المصرية وتطور الحضارة المصرية القديمة تحت عنوان “حكاية مصر”، قائلا إنها فرصة مهمة لأن أتكلم عن شيء يلمس قلبي وهو الحديث عن الحضارة المصرية القديمة، فكيف بدأت مصر والأسرار التي تقف وراء هذه الدولة، وتابع “لقد ولدت في أسوان وهذا ما شكل هويتي ودفعني للتبحر في معرفة تاريخ حضارتنا فقد نشات بين جدران معابدنا التاريخية حتى تعلمت الكتابة اللغة المصرية القديمة”.
وعرف الحضارة قائلا: “هي كل ما بناه الإنسان ووصل إلينا لتنير لنا الطريق وتيسر علينا الواقع والمستقبل واشتقت منها كلمة إنسان حضاري الذي يستطيع أن يبدع”، مؤكدًا أن كل البلاد التي نعمت بالاستقرار استطاعت أن تبني حضارة ومصر على رأس كل الحضارات القديمة، ولكي نعرف هذه الحضارة لابد أن نعرف اللغة القديمة أولا وهو ما كشف عنه شامبليون، مشيرا إلى أن العالم كان يحترم ويقدر مصر والجميع يريد دائما معرفة سر الحضارة المصرية العظيمة.
وتابع: “أصطحبكم في رحلة لمعرفة تاريخ هذا البلد”، مستعرضا خريطة مصر منذ ٩٠ مليون سنة والتي عاشت على أرضها الديناصورات، وكان منهم أقدم ديناصور عرفه التاريخ، وكذلك الدولفين البرمائي وكان في صحراء الفيوم منذ ١٨ مليون سنة بجانب نوع من أنواع أفراس النهر وهو نوع فريد وليس له شبيه، وكانت الصحراء عبارة عن غابات خضراء.
وتابع: “ومع ظهور أول إنسان في قلب أفريقيا من ٣ مليون سنة تحرك إلى الأرض المصرية ليستكشف العالم من حوله، ومنذ ١٢٠ ألف سنة أوقد المصريون النار لأول مرة وتجمع الناس حول نهر النيل والغابات الخضراء ومن حوالي ٢٠ ألف سنة، ومع انتشار الجفاف تحرك الناس أكثر حول نهر النيل وبدأوا في تشكيل مجتمعات ومن بعدها ظهرت أول حضارة من ١١ ألف سنة واستطاع المصري القديم صناعة أول مرصد فلكي”.
وقال الدكتور ميسرة عبد الله إن نهر النيل كان شريان الحياة للمصريين القدماء، ومن هنا اكتشف المصريون الزراعة وكانت سببا في استقرار المجتمعات ونموها، كما قسم المصريون السنة إلى ثلاثة فصول وهي فصل الفيضان وفصل الإنبات وفصل الحصاد، وبداية موسم الحصاد هو شم النسيم وأطلقوا عليه وقتها “شمو نسيم” وجميعها ارتبط بنهر النيل، موضحا حقيقة مهمة في التاريخ وهي أن شعب مصر في مصر القديمة عاش على هذه الأرض ٣٠ الف سنة يتكلم لغة واحدة واعتنقوا وديانة واحدة وظلوا مرتبطين طول هذا التاريخ، وعاش المصريون في قري ومدن متفرقة حتى حدث اتحاد مصر، ومن هنا جاءت الدولة المصرية القديمة عام ٣٢٠٠ قبل الميلاد وبهذا التاريخ تكون أقدم دولة عرفها التاريخ.
وأضاف عبد الله أن أول اسم أطلق على مصر كان كيمت ومعناها الكمال، حيث كان يرى المصريون مصر أرض الكمال، فكان يتوفر فيها كل شيء يحتاجه الإنسان في تكامل بين الأرض والسماء، ومن هذا المسمى جاء اسم ايجيبت وهي أرض الفيضان ومن ثم جاءت كلمة ماجر madjr أو الأرض المحروسة وجاءت منها بعد ذلك اسم مصر، وعندما كان ينادي المصريون القدماء مصر يقولون مصر الجميلة، وتخيل المصريون القدماء السماء وكأنها سيدة مصرية تحمي وترعى الأرض المصرية.
وأكد عبد الله أن المصريين هم أصحاب أقدم كتابة في التاريخ وفي عام ١٩٨٨ وجدنا مقبرة وبداخلها أواني فخارية مصنوعة من العظم والعاج وعليها كتابة ونقوش منذ ٣٤٠٠ قبل الميلاد، مشيرا إلى أن اللغة المصرية القديمة كانت من الطبيعة والأصوات التي تصدر عنها هي أصوات حقيقية للأشكال والرموز، وبهذه الطريقة نظر المصريون إلى الطبيعة وأخذوا من كل نوع رمز وصوت وهكذا كانت لغة مصر القديمة، وأسموها الكتابة المقدسة واستخدموا ورق البردي، لتدوين الكتابات والمراسلات وكذلك استخدام المعابد في كتابة تاريخ مصر، كما تناول مفهوم ملك مصر ودوره في حمايتها من الغزاة وحملت معابد مصر القديمة تاريخ كل ملك وبطولاته، وحول هذه المعابد بنيت البيوت المصرية المصنوعة من الطوب اللبن ولكنها كانت صحية للغاية.
وتابع أن المصريين القدماء كان لديهم ٤٠ نوع من العيش ومنها الكعك وهي كلمة مصرية قديمة، مؤكدا على مبدأ المساواة بين الرجل والسيدة في مصر القديمة، في الحقوق والواجبات ولكل منهم دور مهم في تربية الأطفال، وكان للأطفال المصريين القدماء العابهم، ومن عمر ٦ سنوات يذهب الأطفال إلى المدرسة حتى سن ١٨ سنة وكان التعليم للأبناء والبنات، حيث يدرسون حتى ١٤ سنة وبعدها يستطيع اختيار مجال التعليم الذي يرغب في استكماله، مستعرضا كتيب لطالب مصري يدرس الهندسة والأدوات الهندسية التي كان يستخدمها.
وأشارت إلى أن حياة المصريين القدماء كانت تقوم على الاحترام والأخلاق والمثل العليا واهتموا ببناء المقابر وامنوا بالآخرة ولذلك كان العمل الصالح هو أساس التعامل، وعرف المصريون التحنيط معتقدين أن صلاح الروح يعيدها للجسد مرة ثانية، ولابد وقتها أن يكون الجسد في حالته الطبيعية ليدخل بعدها الجنة والتي مثلت بالنسبة لهم أرض مصر.
هذا كما أدارت السفيرة سها جندي حوارا مفتوحا مع الطلبة، حيث لوحظ الاهتمام الشديد بالتعرف على الحضارة المصرية، تضمنت استفساراتهم عن اللهجات في مصر القديمة، وعن سر التحنيط وهرم خوفو، وأسطورة عروس النيل وغيرها من الأسئلة التي أجاب عنها تفصيليًا الدكتور ميسرة عبد الله داعيا الطلاب لزيارة المتاحف المصرية ومنها متحف الحضارة الذي يتضمن مراحل التطور لحياة المصريين.
واختتمت السفيرة سها جندي الحوار بالتأكيد على استمرار بث فيديوهات هذه الفعاليات الهامة على صفحة المبادرة الرئاسية “اتكلم عربي”، ليتم وصول أهدافها لأبناء المصريين بالخارج، كما تم تبادل الدروع بين السفيرة سها جندي وممثل المدارس، وقامت سيادتها أيضا بإهداء درع الوزارة إلى الدكتور ميسرة عبد الله تقديرًا لجهده ومشاركته في المبادرة.