ألقى الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال اجتماع الدورة السابعة والأربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، الذي عقد هذا العام بمدينة الجزائر بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تحت الرعاية الكريمة لفخامة الرئيس عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بحضور معالي الوزير الأول أيمن عبد الرحمان. شارك في الاجتماع أصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، إلى جانب كبار المسؤولين من مؤسسات مالية دولية وبنوك مركزية عالمية.
بيّن الدكتور الحميدي، أن الضغوط التضخمية التي تجتاح اقتصادات العالم، حدّت من التوجهات والخيارات المتاحة أمام البنوك المركزية حول العالم، في الوقت الذي لا تزال تكافح لتحقيق الاستقرار المالي، ودعم النمو الاقتصادي المتأثر من تداعيات جائحة كورونا. أشار معاليه أنه وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، ستحقق الاقتصادات العربية نمواً بنحو 3.4 و4.0 في المائة في عامي 2023 و2024 على الترتيب، في حين يقدر أن تسجل الدول العربية كمجموعة مستوى تضخم خلال عامي 2023 و2024 يبلغ حوالي 6.8 في المائة و6.3 في المائة، على التوالي، في ظل استمرار التطورات الدولية الراهنة.
من جانب آخر، أشاد الدكتور الحميدي بجهود المصارف المركزية العربية في ضبط أوضاع القطاع المالي والمصرفي وتعزيز سلامته وتطوير التشريعات والسياسات والإجراءات الاحترازية، مشيراً إلى ارتفاع مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي في الدول العربية في عام 2022. فعلى صعيد كفاية رأس المال، بلغ متوسط النسبة في المنطقة العربية حوالي 17.4 في المائة في نهاية عام 2022، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية بما يعزز من قدرته على استيعاب الخسائر المحتملة، فيما وصلت نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول لهذا القطاع نحو 35.3 في المائة. كما وصلت نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة للمصارف العربية نحو 90.2 في المائة في نهاية عام 2022.
أوضح أن هذه المؤشرات الجيدة، تعكس الجهود التي قامت وتقوم بها المصارف المركزية العربية لتعزيز متانة وسلامة مؤشرات أداء القطاع المصرفي، وتطوير التشريعات والسياسات والإجراءات الاحترازية، وتطبيق أفضل المعايير والممارسات الدولية، لا سيما متطلبات بازل III والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9. وفي المقابل، هناك حاجة للتقييم المستمر لمخاطر إستمرار ارتفاع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وعلى قيمة الأصول السائلة عالية الجودة التي بحوزة القطاع المصرفي، وإنعكاسات ذلك الإرتفاع على متطلبات كفاية رأس المال والسيولة.
بيّن الدكتور الحميدي أن الدول العربية تواجه تحديات اقتصادية تستلزم بذل الكثير من الجهد والتحرك نحو تبني سياسات تساعد في دعم متطلبات تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وبلوغ مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق طموحات الشعوب.
أشار إلى أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية في هذه المرحلة، والتي تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، ومعدل البطالة الذي سجل نحو 10.7 في المائة، وهو يعادل ضعف المعدل العالمي، إلى جانب التحدي المتعلق بتزايد معدلات المديونية في ظل الارتفاع الذي شهدته مستويات الدين العام في ظل التطورات الدولية الراهنة، مبيّناً وصول قيمة الدين العام إلى نحو 785.3 مليار دولار بما يمثل نحو 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة.
من جانب آخر، أكد معاليه على أهمية قيام صانعي السياسات في الدول العربية بجهود لاحتواء مسارات الدين العام وتعزيز تحركه في مستويات قابلة للاستدامة، إلى جانب تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أية صدمات اقتصادية محتملة، من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية.
كما أكد معاليه على ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي، وأسواق المال في الدول العربية، وتعزيز الشمول المالي بما يعزز فرص الوصول للتمويل لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وكذلك الوصول للخدمات المالية لجميع فئات المجتمع لاسيما الشباب، وتحفيز إنشاء المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مشيداً في هذا السياق بالتقدم المستمر الحاصل في مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية، ومشيراً للأنشطة والفعاليات التي نفذتها المبادرة خلال عام 2022، مشيداً كذلك بتعاون المصارف المركزية العربية، وجمعيات واتحادات المصارف في الدول العربية في إحياء فعاليات اليوم العربي للشمول المالي، بتاريخ 27 أبريل 2023، تحت شعار “تعزيز الشمول المالي لدعم جهود مواجهة تداعيات تغيرات المناخ”.
نوّه الحميدي بالجهود الكبيرة التي تقوم بها اللجان وفرق العمل المنبثقة عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في تناول المواضيع والقضايا ذات الأهمية والمستجدات والتطورات ذات العلاقة بأولويات المصارف المركزية العربية، بما يعزز من فرص تبادل الخبرات والتجارب ونقل المعرفة. كما أشاد معاليه بالتقدم الملحوظ في الإصدار السادس من تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023، وما تضمنه من فصول جديدة.
من جانب آخر، أكد المدير العام رئيس مجلس الإدارة على قيام الصندوق بتبني نهج استباقي في إطار تدخلات تتسم بالمرونة والسرعة لتنفيذ مجموعة من الأنشطة الداعمة للبلدان الأعضاء لمواجهة التحديات الراهنة وتداعياتها، مبيناً قيام الصندوق بمضاعفة وتيرة إنجازه للأنشطة المخططة، ولحجم قروضه المقدمة لدعم الاقتصادات العربية، وقيامه بتنفيذ العديد من الأنشطة لمساندة دوله الأعضاء.
في نفس الإطار، أشار الدكتور الحميدي، إلى مواصلة الصندوق تقديم برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، وتوسيع نطاق المبادرات التي تصبّ في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة وتعزيزها بأنشطة مستجدة، وتواصله المستمر وتوسيع نطاق اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات مع الدول العربية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الشركاء من المنظمات الإقليمية والدولية خاصة في مجال تقديم المشورة والمعونة الفنية، إضافة إلى إصدار مبادئ إرشادية، هدفت إلى مساعدة الدول العربية على تبني السياسات والإجراءات الفعّالة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي.
في سياق آخر، أشار الدكتور الحميدي إلى ما تحظى به منصة “بنى” للمدفوعات من قبول دولي لما تمثله من نموذجاً للتوافق مع توجهات مجموعة العشرين لتعزيز كفاءة وسلامة معاملات الدفع والتحويل عبر الحدود بما يخدم أغراض تعزيز التدفقات المالية ودعم النزاهة والاستقرار المالي، مشيداً بتعاون المصارف المركزية العربية.
في الختام، جدد الدكتور الحميدي امتنانه للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رئيساً وحكومة وشعباً، ولسعادة صالح الدين طالب محافظ بنك الجزائر على تعاونه وزملاءه في البنك في التحضير للاجتماع وتوفير مستلزمات نجاحه.
كما ثمّن دعم أصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية للصندوق ولأنشطة المجلس.