قال تقرير جديد لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، “إن الطلب على المواد الخام المستخدمة في تصنيع البطاريات القابلة لإعادة الشحن سينمو سريعا خلال الفترة المقبلة”، طبقا لما أظهرته معطيات اقتصادية، وسط تحذيرات من أن هيمنة دول على الصناعة واحتياطيات الخام قد تهدد بانقطاع الإمدادات واضطراب الأسواق وارتفاع التكاليف والأسعار.
ويوثق تقرير السلع الذي أصدرته المنظمة عن المواد الخام للبطارية الاستراتيجية أخيرا، الأهمية المتزايدة للتنقل الكهربائي والمواد الرئيسة المستخدمة في صنع بطاريات السيارات القابلة لإعادة الشحن.
وأكد أنه من المتوقع أن تؤدي الجهود الجارية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى زيادة الاستثمار في إنتاج الطاقة الخضراء، الذي ظل ثابتا على مر الأعوام، حيث يبلغ في المتوسط نحو 600 مليار دولار سنويا.
وأوضحت باميلا كوك-هاملتون مديرة التجارة الدولية في “أونكتاد”، لدى إطلاق التقرير أنه ستصبح مصادر الطاقة البديلة مثل البطاريات الكهربائية أكثر أهمية مع تزايد حرص المستثمرين على الاستثمار في ذلك القطاع.
وقالت “إن مبيعات السيارات الكهربائية ازدهرت في الأعوام الأخيرة، حيث ارتفعت بنسبة 65 في المائة، في 2018 عن العام السابق لتصل إلى 5.1 مليون سيارة، ومن المتوقع أن تصل إلى 23 مليون سيارة في 2030، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وتسلط “أونكتاد” الضوء على الآثار الاجتماعية والبيئية لاستخراج المواد الخام لبطاريات السيارات، وتؤكد الحاجة الملحة إلى معالجتها، فعلى سبيل المثال، يأتي نحو 20 في المائة من الكوبالت الذي تم توريده من الكونغو من مناجم حرفية اتسمت بعمالة الأطفال وانتهاكات لحقوق الإنسان، إذ يعمل ما يصل إلى 40 ألف طفل في ظروف بالغة الخطورة في المناجم للحصول على دخل ضئيل.
وفي شيلي، يستخدم تعدين الليثيوم ما يقرب من 65 في المائة، من المياه في منطقة سالار دي أتاماكا في البلاد، وهي واحدة من أكثر المناطق الصحراوية جفافا في العالم، لضخ المحاليل الملحية من الآبار المحفورة.
وتسبب ذلك في نضوب المياه الجوفية والتلوث، ما أجبر المزارعين المحليين ورعاة اللاما على الهجرة والتخلي عن مستوطنات الأجداد، وأسهم في تدهور البيئة، وتلف المناظر الطبيعية وتلوث التربة.
ويقول التقرير “إنه يمكن الحد من الآثار البيئية السلبية من خلال زيادة الاستثمار في التقنيات المستخدمة لإعادة تدوير البطاريات المستهلكة القابلة للشحن”.
ويرى التقرير أن البطاريات القابلة لإعادة الشحن ستلعب دورا مهما في التحول العالمي إلى نظام للطاقة منخفض الكربون يساعد على تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إذا تم الحصول على المواد الخام المستخدمة في تصنيعها وإنتاجها بطريقة مستدامة لا تضر بالبيئة.
وتقدر “أونكتاد” حجم السوق العالمية لبطاريات الليثيوم أيون، وهي أكثر بطاريات السيارات القابلة لإعادة الشحن بنحو سبعة مليارات دولار في 2018، لكنها تتوقع أن تصل قيمة السوق إلى 58.8 مليار دولار بحلول 2024. وقالت “إن ارتفاع الطلب على المواد الخام الاستراتيجية المستخدمة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية سيفتح مزيدا من الفرص التجارية أمام الدول التي تزود هذه المواد، لكن من المهم لهذه الدول أن تطور قدرتها على الارتقاء في سلسلة القيمة”.
ويوضح التقرير أن احتياطيات المواد الخام لبطاريات السيارات تتركز بشكل كبير في عدد قليل من الدول، مثلا 50 في المائة، تقريبا من احتياطيات الكوبالت العالمية توجد في الكونغو و17 في المائة في أستراليا والباقي في جميع دول العالم.
وأشار إلى أن 58 في المائة، من احتياطيات الليثيوم في شيلي و19 في المائة، في أستراليا والباقي في جميع دول العالم، و80 في المائة من احتياطيات الجرافيت الطبيعي في الصين والبرازيل، في حين إن 76 في المائة، من احتياطيات المنجنيز موجودة في جنوب إفريقيا وأوكرانيا والبرازيل وأستراليا، بواقع 30، 18، 15، و13 في المائة، حسب الترتيب.
أما من ناحية الإنتاج، فدائرة احتياطيات المواد الخام لبطاريات السيارات تضيق أكثر فأكثر في يد عدد قليل محدود من الدول، على سبيل المثال إن جمهورية الكونغو الديمقراطية تنتج 66 في المائة، من المجموع العالمي للكوبالت، تأتي بعدها روسيا وكوبا وأستراليا بنسبة 4 في المائة لكل منها.
وتنتج أستراليا وشيلي 79 في المائة، من الليثيوم “60 في المائة، للأولى، و19 في المائة للثانية”، وتنتج جنوب إفريقيا وأستراليا والجابون 60 في المائة، من المنجنيز “30، 17، و13 في المائة، حسب الترتيب”. وتنتج الصين وحدها 68 في المائة، من الجرافيت الطبيعي و61 في المائة من خامات الكوبالت.
وتصدر الصين 55 في المائة، من أكسيدي الكوبالت والهيدروكسيدات، و50 في المائة، من أكسيد الليثيوم، و64 في المائة، من الجرافيت الطبيعي، فيما تصدر شيلي وحدها 70 في المائة، من كربونات الليثيوم، و77 في المائة من صادرات خامات المنجنيز هي من حصة جنوب إفريقيا.
وتقع سبعة بين أكبر 13 معملا لتكرير الكوبالت في العالم في الصين تكرر في مجموعها نحو 52 ألف طن، في حين لا يتجاوز مجموع تكرير المعامل الستة الأخرى عشرة آلاف طن.
وتهيمن دول في آسيا على صناعة الأقطاب الكهربائية الإيجابية لبطاريات السيارات، ففي 2018، شكلت الصين ما يقرب من 39 في المائة، من السوق العالمية، واليابان 19 في المائة، وكوريا الجنوبية 7 في المائة.
وتقول “أونكتاد”، “إن التركز الشديد لإنتاج هذه الخامات الثمينة، الذي يمكن أن يؤدي إلى اضطراب بسبب عدم الاستقرار السياسي والآثار البيئية الضارة، يثير شواغل بشأن أمن توريد المواد الخام إلى مصنعي البطاريات”.
ويحذر التقرير من أن انقطاع الإمدادات قد يؤدي إلى اضطراب الأسواق وارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف بطاريات السيارات، ما يؤثر في التحول العالمي إلى التنقل الكهربائي منخفض الكربون.
ويضيف، أن “الاستثمار بشكل أكبر في التقنيات الخضراء التي تعتمد بدرجة أقل على المواد الخام ذات الأهمية الحرجة للبطاريات يمكن أن يساعد على الحد من ضعف المستهلكين أمام نقص العرض في المزيج الحالي من المواد مثل الليثيوم والكوبالت، لكن هذا من شأنه أن يخفض إيرادات الدول المنتجة لها”.
وتشير “أونكتاد” إلى أن الجزء الأكبر من القيمة المضافة للمواد الخام المستخدمة في صنع البطاريات القابلة لإعادة الشحن يتم توليده خارج الدول التي تنتج هذه المواد.
فعلى سبيل المثال، تقتصر القيمة المضافة إلى خامات الكوبالت من قبل الكونغو على المنتجات أو المركزات الوسيطة، علاوة على ذلك، فإن عمليات المعالجة والتكرير يجري معظمها في مصافي تكرير النفط في بلجيكا والصين وفنلندا والنرويج للحصول على المنتجات النهائية المستخدمة في البطاريات القابلة لإعادة الشحن وكذلك في التطبيقات الأخرى.
وتؤكد “أونكتاد” أن الكونغو، التي تمثل أكثر من ثلثي الإنتاج العالمي من الكوبالت، لم تحقق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية من هذا المعدن، بسبب محدودية البنية التحتية والتقنية والقدرة التسويقية ومحدودية التمويل، والافتقار إلى السياسات المناسبة لتشجيع إضافة القيمة المحلية.