قد يصعب على العقل أو الخيال أن يتصورا أن أحداً على وجه الكوكب، لا يعرف لافتة هوليود “Hollywood” الشهيرة معقل صناعة السينما العالمية والثقافات العابرة للحدود، في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي لا بد لأي زائر للولاية الذهبية من التوقف عند علامتها الأيقونية عند مرصد جريفيث للالتقاط الصور التذكارية.
هوليوود، هي واحدة فقط من الكثير والكثير من محطات ومعالم ثقافية توفرها كاليفورنيا التي تحتضن بمناظرها الطبيعية وسواحلها الخلابة ومدنها المشمسة النابضة بالحياة كسان دييغو وسان فرانسسكو وغيرها من مدن الولاية، مزيجًا فريدًا من الحداثة والأصالة، تتجلى في أعظم صورها في وادي السليكون كأشهر المراكز التكنولوجية في العالم، وفي الثقافات الغنية والمتنوعة للولاية بما في ذلك ثقافة السكان الأمريكيين الأصليين، والتي يمكن للزوار من الشرق الأوسط، اليوم، معاينتها عن قرب والانغماس في تفاصيلها عبر مشاركتهم في مهرجانات الـ “باو-واو” الثقافية التفاعلية التي لا تقدر بثمن.
إرث القبائل الأمريكية الأصلية يعود للحياة بحضور ومشاركة الزوار من الشرق الأوسط
تتمتع كاليفورنيا بتراث أمريكي أصلي عريق يمتد على طول الولاية المصنفة واحدة من أكبر الولايات الأمريكية، والتي تعد موطنا لأكثر من 100 قبلية، تمتد مواطنهم من غابات أشجار السيكويا -الأطول في العالم- بالمناطق الشمالية للولاية، وصولاً إلى الصحراء على طول الحدود المكسيكية، لترسم لوحة حية للإرث الدائم لسكانها الأصليين.
وفي حين تقتصر الاحتفالات والطقوس الدينية للسكان الأصليين في ولاية كاليفورنيا الأمريكية على أفراد القبائل فقط، تمنح احتفالات الـ “باو- واو”، التي تمتد عروضها من يوم واحد إلى أربعة أيام، مجتذبة الراقصين والمغنين والفنانين والتجار والسائحين، لتمنح الجمهور فرصة تجربة الجوانب الأصيلة من ثقافات السكان الأصليين — بشكل مباشر.
خلال هذه الفعاليات الاحتفالية، تجتمع القبائل الأصلية من جميع أنحاء الولايات المتحدة معًا للرقص والغناء وقرع الطبول وإقامة الولائم لتكريم تقاليد أسلافهم، بحضور الزوار من أرجاء العالم قاطبة، بمن فيهم الزوار من الشرق الأوسط.
المشاركة والتفاعل المستمر هما روح مهرجانات الـ “باو-واو”
في احتفالات الـ “باو-واو” المتفجرة بألوان تصاميم الأزياء الاحتفالية وأصوات “غناء الطيور”، يرتدي المشاركون من مختلف الأعمار، بمن فيهم الأطفال وحتى شيوخ القبائل، ملابس احتفالية رائعة ومبهجة متقنة التصميم من الريش، والأجراس والخرز والأصداف، في تجربة سياحية ثقافية غير مسبوقة.
يقول موقع مهرجان “مورونجو الرعد والبرق باو-واو”، والذي تنظمه قبيلة مورونجو من القبائل الأصلية الأمريكية، وهي إحدى القبائل المئة المعترف بها فيدراليا في ولاية كاليفورنيا، إن الروح الجامعة لفعاليات “باو-واو” تؤكد على الدور الخاص لكل مشارك في الحدث. “لا يوجد متفرجون في باو-واو، فجميع الحاضرين يعتبرون مشاركين؛ إذ أن لكل منا مكانه في دائرة الناس، وبداخلها ليس ثمة بداية ولا نهاية، بل تفاعل مستمر، هذا التكاتف والتفاعل هو قلب الـ باو-واو المتوارث.”
ويعد مهرجان مورونجو -نسبة إلى محمية مورونجو للسكان الأصليين عند سفح جبال سان جورجونيو وسان جاسينتو الجميلة- الأفضل من نوعه، ليس فقط في ولاية كاليفورنيا، بل في جميع الولايات الأمريكية، حيث ينظم الحدث بحضور قرابة 25 ألف شخص ويجمع بين قبائل مختلفة، مما يسمح للزوار والسياح بمشاهدة الوحدة والتقاليد المشتركة لمختلف مجتمعات الأمريكيين الأصليين والمشاركة في فعالياتهم وطقوسهم. تقام سنويا العديد من تلك المهرجانات في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا، إلا أن شهر سبتمبر من كل عام يعد الأكثر ازدحاماً على نحو خاص.
ما هي تقاليد الـ “باو-واو” وماذا نعرف عنها؟
قبل وقت طويل من استكشاف الأميركتين، كانت التجمعات الشبيهة بـ “باو-واو” موجودة في معظم المجتمعات الاصلية، وعادة ما ارتبطت رقصات السكان الأصليين بواحدة من أربع مناسبات: الاحتفالات الدينية، واحتفالات العودة للوطن بعد الفوز في المعارك، والاحتفالات بالتحالفات الجديدة، والفعاليات التي ترعاها مختلف المجتمعات المحاربة.
مع بداية عصر المحميات، قرابة العام 1880، بدأ الراقصون والمغنون الهنود بالسفر مع عروض “الغرب الجامح – وايلد ويست”، وسرعان ما طوروا عناصر جديدة اجتذبت الجماهير، كالعرض الافتتاحي في الساحة، وهو ما يسبق فقرة “الدخول الكبير-غراند إنتري” في مهرجانات الباو-واو الحديثة.
يمكن تصنيف فعاليات “باو-واو” الحديثة إلى نوعين، الأول فعاليات تنافسية، وفيها تقدم جوائز مالية كبيرة في مختلف فئات الرقص والموسيقى النموذجية، يتنافس خلالها مجموعات من المطربين والراقصين، الذين يسافر بعضهم في جولات وطنية على مدار العام، للحصول على أعلى الأوسمة والجوائز المالية.
بينما يشارك في النوع الثاني من الفعاليات التقليدية، والتي يغيب عنها الطابع التنافسي، العديد من الراقصين والمغنيين لمجرد تكريم التقاليد الثقافية وتطبيقها. تقدم إلى جميع المشاركين أو بعضاً منهم -أول 10 أو 20 راقصا يتم تسجيلهم- مبالغ يومية صغيرة، لكن كلا الفريقين يشتركان في ترتيب الأنشطة وأنماط الغناء والرقص.
كيف نستمتع بحضور فعاليات الـ “باو-واو” كتجربة استثنائية لا تتكرر إلا مرة في العمر؟
على الرغم من تفاوت واختلاف بعض التفاصيل في فعاليات الباو-واو، يمكن لبعض النصائح الأساسية أن تساعد الزوار بتكوين صورة واضحة عن الحدث قبل المشاركة به والاستمتاع والتجاوب مع أجواء الرقص والغناء. تبدأ مهرجانات الـ “باو-واو” بمسار احتفالي مذهل يعرف بـ “الدخول الكبير”، ويتكون من راقصين يرتدون الملابس القبلية التقليدية المزينة والنابضة بالحياة، يتحركون على إيقاع الطبول في مشهد مهيب، حينها يتوقع من الجميع الوقوف تحية لرفع قبعاتهم، فيما يلعب مقدم الحفل دوراً رئيسيا خلال الفعالية، حيث يسرد الخطوات ويشرح للمشاركين أدق التفاصيل الخاصة بالحدث ويحافظ على زخم وحيوية حفل الباو-واو وطاقته.
يمكن للحضور أيضا الاستمتاع بتجربة مجموعة متنوعة الرقصات التقليدية ذات الأهمية الفريدة للقبيلة، فالحركات الرشيقة في رقصة الشال الفاخر النسائية، أو رقصة جلد الغزال، إلى الخطوات القوية لرقصة الرجال المهيبة هي قصة أخرى تماماً، فكل رقصة تحكي قصة. تتكون رقصات الباو-واو من سلسلة من الدوائر، دوائر للرقص وأخرى للطبول. للدوائر رمزية مهمة في احتفالات الباو-واو، فهي تمثل دورة الحياة المستمرة، والترابط بين جميع الأشياء، إضافة إلى توافق الشكل الدائري للطبول مع رمزية الدائرة.
إذا لم يشجعكم الرقص وحده على حضور الباو-واو، وهو أمر مستبعد، فلا بد لـ “أغاني الطيور” الساحرة ذات الأهمية الروحية أن تذهلكم. تؤكد هذه الأغاني على الامتزاج والترابط بين أفراد القبائل الأصلية وبيئتهم الطبيعية. بحسب موقع مهرجان “مورونجو الرعد والبرق باو-واو” هناك أكثر من 300 أغنية للطيور، وهي تقليد قديم لشعبي الكاهويلا والكومياي في جنوب كاليفورنيا، تؤدى مصحوبة برنين الخشخيشة اليدوية المصنوعة من القرع المملوء بالبذور، بدلاً من الطبول المستخدمة في معظم أغاني الباو-واو، حيث يؤدى الغناء من قبل مجموعة من الأفراد المجتمعين في دائرة حول طبلة كبيرة.
هناك أيضا يمكنكم التعمق داخل الثقافة الأمريكية الأصلية، من خلال الانخراط في ورش العمل الثقافية التفاعلية، سواء لتتعرفوا على الحرف التقليدية للقبائل وممارستهم، أو للاستماع إلى القصص القديمة، والتعرف على شعارات كل قبيلة وما يعكسه ملبسها التقليدي.
آداب وقواعد ملزمة للمشاركين في فعاليات الباو-واو
ثمة مجموعة من الإرشادات العامة التي يتوقع من جمهور فعاليات الباو-واو الالتزام بها، بحسب ما يشير موقع “انديان كانتري توداي” و”باو-واوز دوت كوم”، فالقاعدة الأساسية هي التصرف باحترام واتباع القواعد التي وضعها المنظمون، فرغم أن ممارسات الباو-واو ليست دينية، لكن لا يزال هناك جانب مقدس واحتفالي بها. كذلك من المهم معاملة المشاركين باحترام، وذلك بطلب الإذن قبل تصويرهم، وعدم لمس ملابس الراقصين أو المطربين. كما يُفضل استخدام مصطلح “الزي الاحتفالي” بدلاً من “الزي التنكري” عند الإشارة إلى ملابس المشاركين، لما في ذلك من احترام للثقافة والتقاليد الأصلية.
أذا أردتم تجربة احتفالات الباو-واو في كاليفورنيا فلا تفوتوا الفرصة للاستمتاع بتجربة حضور أحد مهرجاناتها الثقافية المذهلة والاستثنائية. تستضيف القبائل والمنظمات غير الربحية والمدن والجامعات في جميع أنحاء كاليفورنيا، فعاليات الباو-واو التقليدية بشكل مستمر، ويمكنكم التعرف على الجدول الزمني للفعاليات عبر موقعي بواوز دوت كوم، أو نيوز فروم ناتيف كاليفورنيا.