تسعى الشركات في ظل التقدم الحالي في مجال التكنولوجيا الرقمية إلى اعتماد أحدث التقنيات بهدف تسريع العمليات وزيادة كفاءتها. ويأتي الذكاء الاصطناعي في صدارة التقنيات الحديثة منذ انتشاره الكبير في الآونة الأخيرة، فضلاً عن تنامي الاستعانة به في العديد من البرامج، مثل تشات جي بي تي وروبوتات الدردشة العاملة في قطاع خدمات العملاء. ورغم النقلة النوعية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي بفضل قدرته على تحليل كم هائل من البيانات بكفاءة، إلا أنه ينطوي على مخاطر عديدة.
ويشهد سوق التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي توافداً مستمراً من الشركات التي تسعى للاستفادة من هذه الابتكارات للمحافظة على قدرتها التنافسية وتحقيق الازدهار في السوق المشبعة بالشركات المنافسة. ويعتبر الانتقال من أنظمة الذكاء الاصطناعي السحابية إلى الحلول المخزنة محلياً خطوة أساسية للبقاء في صدارة المنافسة في هذا المجال، حيث تضمن امتثال الشركات للوائح المحلية المعنية بالبيانات، إضافة لتوفير الموثوقية والأمان وسرعة الاستجابة، ما يجعلها الخيار الأمثل لتطبيقات الزمن الحقيقي.
الوضع الحالي للسوق
تحرص الشركات على اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها، نظراً لأهميته المتزايدة في قطاع التكنولوجيا الحديثة، غير أن الخدمات السحابية الشائعة حالياً لا تمتلك القدرة الكافية على الحوسبة لدعم مثل هذه التقنيات، فضلاً عن كونها غير آمنة. وتتطلب هذه الخدمات إرسال البيانات إلى خوادم بعيدة موجودة في الولايات المتحدة أو أوروبا لمعالجتها، ما يؤدي إلى التأخر في إنجاز المهام بسبب الوقت اللازم لإرسال البيانات ومعالجتها من قبل الخوادم. كما قد يؤدي نقل البيانات إلى الخارج إلى تعرضها لأخطار أمنية أو مشاكل متعلقة بالامتثال باللوائح، مثل استخدام البيانات الخاصة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
وقد تضاعف حجم البيانات المؤسساتية المخزنة سحابياً منذ عام 2015 لتصل إلى 60% من إجمالي البيانات، والتي تضم معلومات في غاية الأهمية، مثل تفاصيل الموظفين وبيانات العملاء والمعلومات المالية للشركات والملكية الفكرية. ورغم الكفاءة التي يوفرها التخزين السحابي، إلا أنه يزيد المخاوف الأمنية، حيث وصلت نسبة الشركات التي أبلغت عن وقوع حادث أمني واحد على الأقل مرتبط بالتخزين السحابي إلى 80% في العام الماضي وحده.[1] وتتزايد هذه المخاوف في ظل الانتشار الكبير لتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم استغلال البيانات الشخصية بدون إذن صريح، نظراً لحاجة أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى قواعد بيانات ضخمة لتدريبها.
وتعتبر حادثة اختراق بيانات شركة أوبن إيه آي عام 2023 مثالاً بارزاً على الاختراقات الأمنية رغم عدم قيام الشركة بالإبلاغ عنها، حيث نجح المتسللون في الوصول إلى بيانات حساسة للمستخدمين عبر ثغرة لم يتم اكتشافها، ما أثار الشكوك حول أمان البيانات. كما تم الكشف عن نقاط ضعف في جيميني، النموذج اللغوي الخاص بشركة غوغل، والتي من شأنها تسريب تعليمات النظام والوصول للاستجابات السابقة وتجاوز قيود المحتوى عبر الطلبات الوهمية.
وتتزايد تكاليف التخزين السحابي بشكل مستمر، حيث ترتفع بنحو 20% سنوياً،[2] ما يجعلها خياراً أقل جدوى على المدى الطويل بالنسبة للشركات. وبالتالي، أصبح من الضروري امتلاك وسائل قوية وفعالة لحماية الخصوصية في ضوء مواصلة الشركات الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات السحابية.
الرؤى المستقبلية
يكتسب التحول نحو الذكاء الاصطناعي المحلي مزيداً من الزخم، نظراً لأنه يوفر حلولاً تعمل مباشرة على الأجهزة المحلية. وتضمن حلول التخزين المحلية أمان البيانات والاستقلال التشغيلي من خلال تعزيز الخصوصية وتقليل زمن الاستجابة. كما تتم جميع عمليات الحوسبة، بدءاً من تحليل البيانات ووصولاً إلى تنفيذ نموذج تعلّم الآلة، بشكل مباشر على الأجهزة المحلية، نظراً لقيام الذكاء الاصطناعي المحلي بمعالجة البيانات على الجهاز الذي تم إنشاؤها فيه. ويستطيع هذا النظام العمل بدون اتصال مستمر بالإنترنت، ما يجعله حلاً موثوقاً في الأماكن التي يتوفر فيها اتصال محدود أو غير مستقر بالشبكة العنكبوتية، كما أنه أكثر كفاءة من حيث التكلفة مقارنة بالحلول السحابية.
ويوفر هذا النظام أيضاً للمستخدمين ميزة اختيار العتاد والبرمجيات المناسبة لاحتياجاتهم وللقيود التي تفرضها التطبيقات لديهم، ما يتيح الفرصة للحصول على حلول مخصصة ومحسنة للذكاء الاصطناعي. وبالتالي، يمكن اعتماد الذكاء الاصطناعي في قطاعات عديدة، مثل قطاع الرعاية الصحية والتصنيع والتجزئة، حيث يوفر حلولاً مرنة يمكن تكييفها مع نطاق واسع من الاستخدامات والمتطلبات الخاصة بكل قطاع. ويتيح ذلك تطوير نماذج جي بي تي مخصصة لكل شركة مع ضمان خصوصية البيانات المدخلة.
ذكاء اصطناعي يواكب تطلعات المستقبل: اعتماد التخزين المحلي لإدارة البيانات بشكل آمن
بات من الضروري ضمان كفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي وسلاسة عملها من أجل استخدامها بشكل فعال في تطبيقات الزمن الحقيقي، لا سيما مع الانتشار الواسع لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة والعمليات التجارية. ورغم أن التخزين السحابي ما زال الطريقة الأكثر انتشاراً لإدارة البيانات، إلا أن عدداً متزايداً من الشركات تدرس إمكانية التحول إلى التخزين المحلي لضمان خصوصية البيانات. وبغض النظر عن النهج الذي يتم اعتماده، يجب أن تعطي الاستراتيجية في جميع القطاعات الأولوية للوائح المحلية والأمن والكفاءة.