قد يشهد القطاع العقاري في دبي مستقبلاً تنبثق فيه التصاميم المعمارية الابتكارية من قلب الجمهور، ويمولها تعاون جماعي يعيد رسم ملامح أفق هذه المدينة، حيث يصبح لكل فرد يمتلك فكرة إبداعية أو طموحاً استثمارياً القدرة على التأثير والمشاركة، وذلك بحسب بيان صادر عن غوراف أيداساني، المؤسس والعضو المنتدب لشركة يونيون سكوير هاوس للوساطة العقارية.
وقال غوراف: “ماذا لو لم تكن ناطحة السحاب الأيقونية القادمة في دبي ناتجة عن رؤية مهندس معماري واحد أو مطور محدد، بل كانت نتيجة إبداع ينبثق من عقول المجتمع المحلي والعالمي على حد سواء؟”
إن فكرة التمويل الجماعي في مجال التنمية الحضرية تفتح آفاقاً جديدةً للتفاعل وتطوير المدن. يجمع التصميم القائم على التمويل الجماعي مواهب متنوعة، حيث يدعو المبتكرين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المحترفين والمعماريين الطموحين والأفراد الذين يحملون رؤى وأحلاماً، للمشاركة في الرحلة المعمارية للمدينة. يمكن لدبي، بتاريخها الغني في مجال التخطيط الحضري الجريء والمشاريع الإنشائية الطموحة، أن تستفيد من هذا الإبداع الجماعي لتعزيز الابتكار والتنوع في أفقها العمراني.
وأكمل غوراف قائلاً: “تخيل ناطحة سحاب لا تنبثق فكرتها من شركة هندسية شهيرة، بل من دعوة مفتوحة أُطلقت للمعماريين والمفكرين من جميع أنحاء العالم. قد يخلق هذا النهج التشاركي في التصميم تحفاً معمارية تُدمج فيها الرؤى الثقافية المتنوعة وتجمع بين أحدث تقنيات الهندسية والتجارب الإنسانية الحية. ولا يقتصر هذا التحول الإبداعي على التغيير في التفاصيل العملية فحسب، بل يجسّد مدينة يشارك الجميع في بنائها، حيث تفتح أبوابها لكل من يمتلك الجرأة ليحلم ويساهم في رسم ملامحها.”
ولا يقتصر التمويل الجماعي على مرحلة التصميم فحسب، بل يمكنه إعادة تشكيل النموذج المالي لقطاع العقارات بشكل كامل، مما يفتح آفاقاً جديدة للتمويل العام من خلال منصات مصممة خصيصاً للاستثمار الجماعي. يمكن للأفراد من مختلف شرائح المجتمع، بدءاً من سكان دبي وصولاً إلى المستثمرين الدوليين، المساهمة بشكل مباشر في تطوير ناطحات السحاب، مما يحوّلها إلى رموز تعبيرية تعكس الجهود المالية الجماعية. إن العقارات الممولة بشكل جماعي تتيح الفرصة للمستثمرين الصغار ليكونوا جزءاً أساسياً من نمو المدينة، متجاوزين العقبات التقليدية التي حالت دون وصول فرص الاستثمار إلى شريحة واسعة من المجتمع في السابق.
وتابع غوراف قوله: “إن تعزيز مشاركة المجتمع من خلال التمويل الجماعي يخلق تنوعاً مالياً وينمّي إحساساً عميقاً بالملكية الجماعية. تخيل ناطحات سحاب تُشعر الناس بارتباط حقيقي بها، وليس كمجرد متفرجين بل كمساهمين فاعلين. فعندما يستثمر الأفراد إبداعياً ومالياً في مشروع ما، تصبح ناطحة السحاب أكثر من مجرد إنجاز معماري بل رمزاً لطموحاتهم وآمالهم. هذا الارتباط العميق بين السكان والبيئة الحضرية يعزز الشعور بالفخر، وقد يُترجم إلى مشاركة اجتماعية أوسع.”
تضع هذه المشاريع الجماعية الاستدامة في طليعة جدول أعمال البناء. كما تعزز المشاركة الجماعية الالتزام بالمسؤولية البيئية، حيث يسعى الأفراد إلى اعتماد مواد بناء مستدامة ودمج الطاقة المتجددة وغيرها من المبادرات البيئية. من المرجح أن تعكس المشاريع الممولة جماعياً القيم المشتركة الخاصة بداعميها مثل الاستدامة والتركيز المجتمعي والتفكير المستقبلي، مما يعزز التزام دبي الراسخ بأن تكون في طليعة التطوير المدني والعيش الحضري المستدام ويزيد من شعور سكانها بالفخر تجاه بيئتهم الحضرية.
لقد مهدت التطورات التكنولوجية الطريق لجعل التطوير العقاري الممول جماعياً حقيقةً ملموسةً. تتيح تكنولوجيا “البلوك تشين” دعم المعاملات المالية بشفافية تامة وتتبّع الاستثمارات بدقة، بينما تسهم المنصات الرقمية في تسهيل المسابقات التصميمية العالمية، كما يمكن للمنصات الرقمية تسهيل المسابقات التصميمية العالمية والحد من العوائق اللوجستية. وبالاعتماد على خبرتها الواسعة في دمج التقنيات المتقدمة ضمن إدارتها الحضرية، تستعد دبي لاستخدام هذه الأدوات في صياغة نموذج تنموي حضري يجمع بين الابتكار والشمولية والأمان.
من منظور تجاري، يوفر التمويل الجماعي مزايا استراتيجية تسهم في تقليل المخاطر ضمن قطاع العقارات. ومن خلال توسيع قاعدة المستثمرين والمصممين، تصبح المشاريع أقل عرضة للتقلبات الاقتصادية التي عادةً ما تؤثر على هياكل التمويل المركزية. كما أن نموذج التنمية المجتمعية يتمتع بمرونة كبيرة، إذ لا يقتصر دعمه على عدد محدود من أصحاب المصالح بل يشمل أيضاً جمهوراً واسعاً من الأفراد الذين يستثمرون فيه مالياً وعاطفياً.
واختتم غوراف قائلاً: “لا شك أن التطوير العقاري الجماعي يشوبه تحديات جمة. لكن تأمين معايير الجودة وضمان التزامات السلامة وإدارة العديد من المساهمين يتطلب بنية تنظيمية محكمة وإشرافاً دقيقاً. ومع ذلك، فقد أثبتت دبي قدرتها على إنجاز المشاريع الكبرى، مستندة إلى حلول إدارية متطورة وأطرٍ تنظيميةٍ سليمةٍ.”
لطالما كانت ناطحات السحاب التي تميز أفق دبي رمزاً للطموح، تجسد هذه المدينة التي لا تخشى كسر القيود والارتقاء نحو التفرد. إن اعتماد فكرة تمويل وتصميم ناطحات السحاب المستقبلية بواسطة جمهور من المستثمرين يضيف بعداً جديداً لهذا الطموح، ألا وهو تحقيق التفرد معاً. تتجاوز بذلك دبي المفاهيم التقليدية والنماذج الهرمية في التطوير، لتحتضن نموذجاً معمارياً يعتمد على التعاون والجهود الجماعية، مما يتيح لها فرصة قيادة حركة عالمية جديدة في التطوير العمراني.