اختتمت بنجاح فعاليات الدورة الثالثة للمنتدى العالمي للإنتاج المحلي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث انعقد المنتدى تحت شعار “تعزيز الإنتاج المحلي من أجل العدالة الصحية والأمن الصحي العالمي والتنمية المستدامة” خلال الفترة من 7 إلى 9 أبريل 2025. وشهد مشاركة واسعة من كبار المسؤولين وقادة الأعمال والخبراء التقنيين والصناعيين في مجال الرعاية الصحية والصناعات الدوائية وأصحاب المصلحة من مختلف أنحاء العالم.
أكد معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للدواء، في كلمته الختامية، أن دولة الإمارات تواصل ترسيخ مكانتها كمركز عالمي رائد في مجال الابتكار الدوائي والتقنيات الصحية، مشددًا على أن الإنتاج المحلي لم يعد مجرد أولوية صحية، بل أصبح ضرورة تنموية استراتيجية.
وقال معاليه: “يسعدنا أن نستضيف هذا المنتدى العالمي بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية، مما يعكس التزام دولة الإمارات العميق بتوسيع قدرات التصنيع المحلي، ودعم منظومات البحث والتطوير، والحفاظ على أعلى معايير الجودة في إنتاج وتوزيع المنتجات الطبية.”
وأضاف: “إن استراتيجيتنا الوطنية للابتكار المتقدم تُمكننا من دمج التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتصنيع الذكي، في جميع مراحل إنتاج الرعاية الصحية، مع الالتزام بالاستدامة البيئية.”
واختتم بالقول: “من خلال هذا المنتدى، نؤكد أن التعاون الدولي الهادف هو الطريق لتحقيق التغيير البنّاء، وأنه من خلال ربط الاستثمار بالابتكار والسياسات بالتأثير، يمكننا بناء منظومة صحية أكثر شمولاً ومرونة تخدم المجتمعات في كل مكان.”
من جانبها، أكدت سعادة الدكتورة فاطمة الكعبي، المدير العام لمؤسسة الإمارات للدواء، أن المنتدى شكّل منصة عالمية لترسيخ التزام الإمارات ببناء منظومات دوائية مرنة ومبتكرة، قادرة على الاستجابة الفعالة للاحتياجات الصحية المتغيرة.
وقالت: “تعد استضافتنا للمنتدى العالمي للإنتاج المحلي دليلاً على ما وصلت إليه دولة الإمارات من تطور في قطاع التصنيع الدوائي، ونؤمن أن الاستثمار في القدرات المحلية هو السبيل لضمان الأمن الصحي والعدالة في الوصول إلى العلاج.”
كما صرّحت الدكتورة يوكيوكو ناكاتاني، مساعد المدير العام لشؤون إتاحة الأدوية والمنتجات الصحية في منظمة الصحة العالمية، قائلة: “يأتي هذا المنتدى في توقيت بالغ الأهمية، حيث تواجه أنظمتنا الصحية العالمية تحديات متزايدة في سلاسل التوريد والوصول العادل وفي الوقت المناسب إلى المنتجات الصحية الأساسية. إن تعزيز الإنتاج المحلي يمثل ركيزة أساسية في بناء نظم صحية أكثر مرونة، وتُعد الإمارات نموذجاً يحتذى في هذا المجال.”
شهدت فعاليات المنتدى عقد جلسات ومناقشات ثرية تناولت 8 محاور رئيسة، شملت: تعزيز منظومات الإنتاج المحلي: السياسات والأطر التنظيمية والأسواق ورأس المال البشري، استراتيجيات مبتكرة لتمويل واستثمار منظومات الإنتاج المحلي، تعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا لدعم الإنتاج على امتداد سلسلة القيمة.
كما شملت المحاور تعزيز جاهزية التصنيع والاستجابة للأوبئة من خلال التوسع الإنتاجي والتنبؤ بالطلب وتمويل الطوارئ، استخدام الذكاء الاصطناعي، التحول الرقمي، والتكيف مع تغير المناخ لتحويل التصنيع المحلي، بناء شراكات استراتيجية لدعم ازدهار الإنتاج المحلي وتعزيز التأهب للأوبئة، إلى جانب استعراض نماذج ناجحة للإنتاج المحلي: تبادل خبرات الدول الأعضاء والاستفادة من النجاحات، وأخيراً منتدى الرؤساء التنفيذيين: قيادة صناعة مؤثرة في تعزيز الصحة العامة.
شاركت سعادة الدكتورة فاطمة الكعبي في جلسة حوارية تناولت موضوع “توطين الابتكار الدوائي”، بحضور مجموعة شركات فارماج التي تضم 29 شركة أدوية عالمية متخصصة في البحث والتطوير، إلى جانب رابطة ميكوميد التي تمثل نحو 70 شركة في قطاع الأجهزة والمعدات الطبية. وخلال الجلسة، استعرضت سعادتها رؤية مؤسسة الإمارات للدواء الهادفة إلى ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للابتكار الدوائي، من خلال جذب المواهب والتقنيات والاستثمارات، وتعزيز هذا القطاع الحيوي الذي يتجاوز دوره كمحرك للنمو والتنوع الاقتصادي والتحول نحو اقتصاد المعرفة، ليصبح دعامة أساسية لضمان كفاءة ومرونة النظام الصحي في مواجهة التحديات المستقبلية.
كما تحدث كل من الدكتور أشرف ملاك والدكتور ديدرك كوه عن دور رابطة فارماج، التي تحتفل هذا العام بمرور عشرين عامًا على تأسيسها في دولة الإمارات، في دعم توفير علاجات حديثة ومبتكرة تسهم في تطوير منظومة الرعاية الصحية. وأشادا بالدور الفاعل الذي تؤديه مؤسسة الإمارات للدواء في بناء قطاع صيدلاني رائد، ووضع أطر تنظيمية تسهم في تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
في جلسة حوارية شهدها المنتدى ناقش قادة الصحة العالميون مستقبل الوصول العادل إلى الأدوية، والإنتاج الإقليمي، والابتكار، والاستعداد للأوبئة، وتم إدارة الجلسة من قبل الدكتورة يوكيوكو ناكاتاني، حيث أشار الدكتور لويس بيزارو، المدير التنفيذي لمبادرة الأدوية للأمراض المهملة (DNDi) إلى أهمية العدالة الصحية والواجب الأخلاقي للتركيز على الفئات السكانية والأمراض المهملةـ
وتطرق إلى دور المبادرة في بناء منصات البحث والتطوير التعاونية وتعزيز الوصول إلى العلاجات المنقذة للحياة بأسعار مخفضة، مضيفاً: إنه من المهم تعزيز القدرات المحلية لتحقيق الإنتاج المحلي، مشدداً على أهمية عدم الاقتصار على مناقشة نقل التكنولوجيا، بل التأكد من أن الدول تمتلك المعرفة التقنية اللازمة لتنفيذها واستدامتها، إلى جانب ضرورة الاستثمار في رأس المال البشري وتطوير الخبرات والمهارات المحلية لدفع الابتكار والإنتاج، داعياً إلى تصميم حلول صحية تلبي احتياجات السكان المحليين، وتحديد خصائص المنتجات المستهدفة التي تتناسب مع السياقات الإقليمية واحتياجات الصحة العامة.
من جانبها استعرضت الدكتورة أسماء إبراهيم المناعي المديرة التنفيذية لمركز الأبحاث والابتكار في دائرة الصحة – أبوظبي، رؤية أبوظبي الاستراتيجية للابتكار الصحي، مشيرة إلى التزام الإمارة بتعزيز ريادتها في البحث والتطوير، والتجارب السريرية، وتطوير التكنولوجيا الصحية. وقالت: نواصل جهودنا لترسيخ مكانة أبوظبي كمركز رائد للابتكار الصحي في المنطقة، مشيرة إلى مجموعة من المبادرات المستقبلية، بما في ذلك تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحديث الأنظمة التنظيمية، واعتماد الحلول الصحية المعتمدة على البيانات، منوهة إلى الأداء المتميز لدولة الإمارات خلال جائحة كوفيد-19، حيث تم تصنيف أبوظبي كأكثر مدينة مرونة في إدارة الأزمات الوبائية، مشيرة إلى أن الإمارات عملت على تيسير تسليم وإدارة أكثر من 260 مليون جرعة من اللقاحات للدول المحتاجة، مما يظهر تضامنها العالمي، وأكدت على أهمية البحث والتطوير والإنتاج المحلي لضمان الاستدامة طويلة الأمد والاعتماد على الذات في الأنظمة الصحية.

إلى ذلك سلط روبرت ماتيرو، مدير قسم البرامج في “يونيتيد” الضوء على دور “يونيتيد” في تسريع الوصول إلى الحلول الصحية المبتكرة، وأكد على أهمية الاستثمار في الإنتاج الإقليمي، مشيراً إلى أن الابتكار يجب أن يُنظر إليه بشكل شامل، لا باعتباره تقدمًا تكنولوجيًا فحسب، بل أيضًا في التمويل والتنظيم ونماذج التنفيذ، موضحاً ضرورة دفع الابتكار سواء كان في التشخيصات أو العلاجات أو الأدوات الوقائية، وأهمية نماذج مستدامة للإنتاج المحلي وأطر تنظيمية قوية، مشيراً إلى أن شركة “يونيتيد” استثمرت 10 ملايين دولار أمريكي ضمن مبادرة تسريع أدوات كوفيد-19، وقد مكّن هذا التمويل الشراكات مع مصنعي التشخيصات في المملكة المتحدة وكوريا الجنوبية، مما سهل نقل التكنولوجيا ومشاركة المعرفة، وبفضل هذا الدعم، طورت “IPD” قدرة على تصنيع اختبارات كوفيد-19 السريعة بنظام التدفق الجانبي، بما يتوافق مع المعايير التنظيمية والجودة العالمية، وقبل هذه المبادرة، كانت إفريقيا تستورد حوالي 90% من اختباراتها السريعة – أي أكثر من نصف مليار اختبار سنويًا لأمراض مثل الإيدز والملاريا، وساعدت هذه الشراكة في تغيير النموذج: حيث وسعت “IPD” قدرتها الإنتاجية إلى 75 مليون اختبار سريع سنويًا، مما عزز بشكل كبير الاعتماد على الذات في التشخيص.
وسلط راجيندر كومار سوري، الرئيس التنفيذي لشبكة مصنعي اللقاحات في البلدان النامية (DCVMN) الضوء على الدور الضروري الذي تلعبه شركات تصنيع اللقاحات في البلدان النامية في الاستجابة للأوبئة والاستعداد لها. وتحدث عن الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 وكيف تم تقويض العدالة في توزيع اللقاحات بسبب فجوات سلاسل الإمداد العالمية والاعتماد المفرط على عدد قليل من الشركات المصنعة. وقال: “لا يمكننا أن نسمح بتكرار أخطاء الماضي. من الضروري تعزيز مراكز التصنيع الإقليمية، للحصول على الوصول في الوقت المناسب خلال الأوبئة المستقبلية”. ودعا إلى آليات لنقل التكنولوجيا، وتحسين التنسيق التنظيمي، واستراتيجيات التمويل الطويلة الأمد.
من جانبه قدم جيلييرمي سينترا، رئيس السياسة في تحالف الابتكار من أجل الاستعداد للأوبئة (CEPI) رؤية CEPI لدفع تطوير وتوزيع اللقاحات بشكل عادل في مواجهة الطوارئ الصحية المستقبلية، وأكد التزام CEPI ببناء أنظمة بيئية قوية للبحث والتطوير التي تمتد من الابتكار في المراحل الأولى إلى التسليم على نطاق واسع، وأشار إلى أهمية التعاون قائلاً: “مفهوم الاعتماد على الذات هو وهم – نحن بحاجة إلى الاعتماد على بعضنا البعض”. وأكد ضرورة تبني نهج شامل وتعاوني في عمليات الابتكار، مما يضمن أن يتم تشكيل الحلول من قبل المجتمعات التي تخدمها، من جهتها اختتمت يوكيوكو ناكاتاني الجلسة بتأكيد على أهمية الجهود الموحدة في معالجة الفوارق الصحية العالمية. وأكدت على دور منظمة الصحة العالمية في ضمان التغطية الصحية الشاملة.
وضمن جولاتها واجتماعاتها مع للمصانع الطبية المحلية، عقدت سعادة الدكتورة فاطمة الكعبي اجتماعًا مع إدارة مصنع “أدكان”، ناقش الجانبان خلاله سبل التنسيق والتعاون بين المؤسسة والمصنع، بهدف تعزيز استدامة وتطوير التصنيع المحلي ودعم قطاع المصانع الطبية.
وحظيت الدورة الثالثة بدعم كامل من مؤسسة الإمارات للدواء، وبمشاركة منظمة الصحة العالمية وعدد كبير من الشركاء الدوليين. كما شكلت الدورة الثالثة للمنتدى مناسبةً حيوية للقادة والمستثمرين لبحث ومناقشة مستقبل الأمن الصحي العالمي عبر الإنتاج المحلي المستدام.
أهم مخرجات الدورة الثالثة للمنتدى العالمي للإنتاج المحلي في أبوظبي:
• 4077 مشارك من 141 دولة.
• مشاركة 16 وزير
• 229 متحدثًا دوليًا من الجهات الحكومية، والمنظمات الصحية، والقطاع الخاص.
يُعد هذا المنتدى تأكيدًا على التزام دولة الإمارات بالعمل المشترك مع الشركاء الدوليين لتعزيز قدرات الإنتاج المحلي، وتحقيق العدالة في الرعاية الصحية على مستوى العالم. ولعب دوراً بارزاً في تعزيز مكانة دولة الإمارات كوجهة عالمية رائدة في قطاع علوم الحياة والتصنيع الدوائي المتقدم.
وفي ختام فعاليات المنتدى، تم تسليم شعلة الاستضافة رسميًا إلى جمهورية إندونيسيا، التي ستحتضن الدورة الرابعة من المنتدى العالمي للإنتاج المحلي في عام 2026، مواصلةً مسيرة التعاون الدولي نحو تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق العدالة الصحية على مستوى العالم.