تتفوق منطقة الشرق الأوسط على الأسواق العالمية للطاقة وفقاً لأحدث تقرير “الصمود والازدهار” الصادر عن مجلس صناعات الطاقة، حيث أكد التقرير أن 90 بالمئة من شركات الطاقة العاملة في المنطقة سجلت نمواً خلال عام 2024، مع قفزة في الإيرادات بلغت معدل 68 بالمئة، وهي النسبة الأعلى عالمياً مقارنة بجميع الأقاليم التي شملها التقرير.
وفي الوقت الذي تعاني معظم اقتصادات العالم من عدم الاستقرار السياسي وموجات التضخم ونقص الكفاءات، ترسم دول المنطقة العربية مساراً واثقاً يتحدى التقلبات العالمية، وذلك وفقاً للمجلس المتخصص في رصد بيانات المشاريع وتحليلات الأسواق وتمثيل الشركات العاملة في قطاع سلسلة إمدادات صناعة الطاقة. ويؤكد التقرير، الذي يصدر للسنة التاسعة على التوالي، أن هذا الأداء الاستثنائي ليس أمراً مؤقتة، إذ تتوقع الشركات استمرار النمو القوي خلال العام الجاري 2025.
وفي المناطق الأخرى التي غطاها التقرير، سجلت شركات الأمريكتين متوسط نمو 20 بالمئة، بينما حققت الشركات في بريطانيا وأيرلندا 16 بالمئة، وأوروبا القارية 13 بالمئة، بينما جاءت منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المرتبة الأخيرة بنسبة 8 بالمئة فقط.
وصف “ستيوارت برودلي”، الرئيس التنفيذي لمجلس صناعات الطاقة، استراتيجية المنطقة بالقول: “الشرق الأوسط لا ينتقي مصادر الطاقة الرابحة، بل يستثمر بشمولية في جميع التقنيات الطاقية”. وأضاف: “هذا النهج العملي جعل المنطقة كالمغناطيس الجاذب للكفاءات العالمية ورؤوس الأموال على السواء. وهذا هو النموذج الأمثل لتحقيق الأمن الطاقي وتعزيز النمو الصناعي ودفع عجلة التحول الطاقي”.
يعكس منهج دول المنطقة توازناً لافتاً، حيث يواصل أكثر من 90 بالمئة من شركات الطاقة التركيز على قطاعي النفط والغاز التقليديين، بينما تتسارع في الوقت نفسه الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة وتقنيات الهيدروجين والبنى التحتية الرقمية.
تتصدر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المشهد التقاني، عبر خطوات جريئة في مجالات الخدمات اللوجستية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والبنى التحتية الذكية، وتقنيات الطاقة النظيفة. وأشار مسؤول في إحدى الشركات التي شملها الاستطلاع إلى أن “اعتماد تقنيات مثل التتبع الفضائي والأتمتة والذكاء الاصطناعي في المجال اللوجستي يعزز الكفاءة والشفافية والقدرة التنافسية العالمية”، مؤكداً تفوق المنطقة عملياً حتى على دول أوروبا والولايات المتحدة في هذا المجال.
لكن هذا التميز يواجه بعض التحديات، إذ أشار 27 بالمئة من الشركات إلى أن تشتت برامج المحتوى المحلي بين دول مجلس التعاون الخليجي يمثل عقبة كبرى أمام الشركات متعددة الجنسيات. وأكد مسؤول تنفيذي أن “توحيد معايير المحتوى المحلي على مستوى دول المجلس سيحقق قفزة نوعية”. كما برزت تحديات في مجال توطين العمالة، حيث طالبت الشركات بتوجيهات أكثر وضوحاً لدعم القطاع الخاص في استقطاب الكفاءات المحلية والاحتفاظ بها، بينما دعا 18 بالمئة من المدراء التنفيذيين إلى تطوير المناطق اللوجستية الذكية وبناء ممرات شحن متخصصة.
رغم هذه العقبات، يحافظ قطاع الطاقة في المنطقة على تفاؤله، مدعوماً بدعم حكومي مستمر، وتكاليف تشغيل تنافسية، وسياسات تحفيزية للقطاع الخاص. ويلخص “برودلي” فلسفة المستثمرين بالقول: “لا ينتظر المستثمرون وعوداً مستقبلية، بل يتجهون إلى حيث توجد الفرص على الأرض الآن”، مشيراً إلى أن سلاسل التوريد العالمية أصبحت تنتقل بمرونة نحو المناطق التي توفر الاستقرار السياسي وعوائد مجزية.
على الصعيد العالمي، شهد عام 2024 رقماً قياسياً جديداً بين 140 شركة طاقة شملها الاستطلاع، حيث أعلنت 77 بالمئة من الشركات عن نمو في الإيرادات بمتوسط 24 بالمئة. لكن التقرير كشف عن ثغرات مهمة، منها أن 91 بالمئة من الشركات العالمية لا تزال تركز على النفط والغاز، بينما انخفضت إيرادات التحول الطاقي من 9 بالمئة إلى 5 بالمئة، ولم تستكشف سوى 6 بالمئة من الشركات أسواق تصدير جديدة. كما أظهر التقرير أن 60 بالمئة من الشركات، عالمياً، تستخدم الذكاء الاصطناعي، لكن 9 بالمئة فقط منها ربطت هذه التقنية بنمو أعمالها.