في مواجهة أخطر التحديات الصحية التي قد يتعرض لها الإنسان، تبرز الوقاية كعنصر أساسي لا يقل أهمية عن العلاج. وتعد الحروق من بين أكثر الإصابات تعقيدًا وخطورة، إذ إن فقدانَ الجلدِ لدوره كحاجز واقٍ يجعل جسم المريض أكثر عرضة للعدوى وما قد يترتب عليها من مضاعفات.ولا يُنظر إلى مستشفى الحروق كمكان لتقديم العلاج فقط، بل كبيئة علاجية متكاملة يجب أن تُبنى على أسس علمية دقيقة، تهدف إلى تقليل المخاطر وتعزيز فرص الشفاء منذ اللحظة الأولى. كما أن تصميم مستشفيات الحروق يتطلب معايير استثنائية تشمل جودة الهواء، واختيار مواد البناء ،وتنظيم حركة الكوادر الطبية، وحتى التفاصيل الدقيقة مثل آلية فتح الأبواب، إذ إن أي خلل بسيط قد يؤدي إلى تهديد حياة المريض. ويُعد
مستشفى “أهل مصر” لعلاج الحروق بالمجان مثالًا رائدًا على تطبيق هذا المفهوم المتكامل، إذ يجمع بين التكنولوجيا الطبية الحديثة والاعتبارات الإنسانية. يتميز المستشفى بغرف فردية مزودة بأنظمة ضغط لمنع انتشار العدوى، إلى جانب أجنحة عزل متطورة للحالات الحرجة، توفر بيئة عالية التعقيم والمراقبة، مما يضمن سلامة المريض ويعزز من جودة الرعاية المقدمة.الهواء داخل المستشفى يُعالج باستخدام مرشحات HEPA عالية الكفاءة، القادرة على تنقية الهواء من الجزيئات الدقيقة والبكتيريا، وذلك ضمن نظام تهوية ذكي يمنع انتقال الهواء بين المناطق المختلفة. كما يُعتمد على غرف ضغط إيجابي في المناطق المعقمة، وضغط سلبي في غرف العزل، بما يتيح تحكمًا دقيقًا في اتجاه حركة الهواء، ويُسهم بشكل مباشر في الحد من انتقال العدوى.ولتقليل التلامس مع الأسطح، تم دمج حلول لا تلامسية في التصميم، مثل الأبواب والإضاءة الأوتوماتيكية، وأحواض المياه والصنابير التي تعمل بالحساس، إلى جانب أجهزة مراقبة رقمية تقلل الحاجة إلى التفاعل اليدوي المباشر. كل هذه التقنيات ليست مجرد إضافات، بل أدوات فعالة لحماية المرضى والطواقم الطبية على حد سواء.
أما المواد المستخدمة في البناء والتشطيب، فقد تم اختيارها بعناية لتكون غير مسامية ومضادة للميكروبات، مما يسهل تنظيفها ويمنع تكوّن الجراثيم. كما جرى تجنّب الزوايا الحادة والشقوق التي قد تتجمع فيها البكتيريا، ما يعزز من كفاءة عمليات التنظيف والتعقيم اليومية.فيما يتعلق بحركة الأفراد والمهمات داخل المستشفى، تم تطبيق نظام يضمن الفصل التام بين المناطق النظيفة والمناطق الملوثة، مع تصميم مسارات آمنة ومخصصة للتخلص من النفايات الطبية بعيدًا عن غرف المرضى. كما تم إنشاء ممرات منفصلة لحركة الفريق الطبي وأخرى للزوار، بما يحقق انسيابية الحركة داخل المستشفى ويحد بشكل كبير من احتمالية انتقال العدوى.ولرفع كفاءة الرعاية وسرعة الاستجابة، جرى إنشاء وحدات تمريض مركزية بمواقع استراتيجية قريبة من غرف المرضى، إلى جانب تخصيص وحدة تمريض داخل كل غرفة لتعزيز المتابعة المباشرة.
كما تم تنظيم مسارات واضحة لحركة الأدوات والمستلزمات الطبية وخدمات الدعم بما يمنع تداخلها مع مسارات المرضى والزوار ويضمن بيئة آمنة.
لم يكن العنصر النفسي غائبًا عن التصميم، بل كان جزءًا أساسيًا منه.فقد تم توفير إضاءة طبيعية واسعة، ونوافذ ذات إطلالات مريحة، مع إمكانية تحكم المريض بدرجة الحرارة والإضاءة داخل غرفته بما يتناسب مع حالته النفسية والجسدية.
كما تم تخصيص مساحات مناسبة لأسر المرضى، تتيح لهم التواجد قرب أحبائهم، مما يعززالدعم النفسي ويساهم في تسريع عملية الشفاء.
وفيما يخص العلاج الطبيعي والتأهيل، تم تخصيص وحدات متخصصة بالقرب من غرف المرضى لتسهيل انتقالهم دون عناء، إضافةً إلى إنشاء قسم متكامل مزوّد بأحدث الأجهزة ،يقدّم برامج علاجية شاملة تساعد على استعادة القدرات الحركية والوظيفية، وتسهم فيتسريع التعافي.
يعتمد المستشفى كذلك على منظومة رقمية متكاملة تشمل السجلات الصحيةالإلكترونية، وأنظمة مراقبة ذكية تتابع حالة المريض لحظة بلحظة، إلى جانب أنظمة تحكم رقمي في الإضاءة والتهوية ودرجة الحرارة. هذه المنظومة ترفع من كفاءة الأداء الطبي وتقلل من فرص الخطأ البشري، مما ينعكس إيجابًا على جودة الرعاية المقدمة. في النهاية، ليس الهدف من هذا التصميم توفير علاج فعال فقط، بل خلق بيئة تُشعر المريض بالأمان خلال فترة علاجه. مستشفى “أهل مصر لعلاج الحروق” يقدم تجربة إنسانية متكاملة، تُقدّر الألم وتستجيب له بعناية واحتراف، ليكون الأمل جزءًا من كل غرفة، والشفاء ممكنًا ليس فقط بالأدوية ،بل بالرحمة أيضًا.