شهدت دبي اختتام فعاليات المنتدى العالمي للاستثمار في المطاعم 2025، الذي جمع نخبةً من أبرز روّاد قطاع المطاعم والمستثمرين والمطوّرين والمشغّلين من مختلف أنحاء العالم على مدار ثلاثة أيام حافلة بالحوار البنّاء والرؤى الاستراتيجية والنقاشات الملهمة حول مستقبل قطاع المأكولات والمشروبات. وأقيم المنتدى في دبي خلال الفترة من 6إلى 8 أكتوبر، وسط إقبال واسع من المشاركين، مما رسّخ مكانته بصفته المنصة الإقليمية الرائدة لأعمال المطاعم والاستثمار في قطاع المأكولات والمشروبات في المنطقة.
واستضافت شركة 7 مانجمنت فعاليات المنتدى في مطعم أنتيكا ضمن الوجهة الجديدة 25 جمب ستريت، بدعم من فندق 25 أورز دبي وان سنترال ودائرة الاقتصاد والسياحة في دبي. وانطلقت فعاليات المنتدى بسلسلة من الحوارات المميزة مع ربيع فخرالدين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة 7 مانجمنت، وجيمس هاكون، الشريك الإداري في ثينك هوسبيتاليتي، وغوستافو دي هوستوس، الشريك الإداري لشركة فورسايت كرييتف، إلى جانب عدد من الخبراء وقادة القطاع، لتضع هذه الجلسات الافتتاحية اللبنة الأساسية لثلاثة أيام من النقاشات التفاعلية والتعاون البنّاء.
وشهد برنامج المنتدى سلسلة من الجولات الميدانية وموائد الغداء المنسّقة والاستقبالات المسائية التي منحت الحضور فرصة استثنائية لاكتشاف مشهد النكهات النابض بالحياة في دبي عن قرب. واستهلّت الفعاليات بغداءٍ افتتاحي أنيق استضافته شركة روزي هوسبيتاليتي في مطعم غيرل آند ذا غوس، أعقبه عدد من الجولات التعريفية بقيادة نخبة من أصحاب المشاريع في أبرز الوجهات الجديدة، مثل تاتو، وجيتانو، وجيجي ريجوليتو، ونينيڤ بيتش، وإينا، وسيرين باي جايا، إلى جانب مرسى العرب ومنتجع ماريوت نخلة جميرا. كما ضمّت جولة مفاهيم المشاريع المحلية في السركال أفينيو نخبة من أبرز العلامات الصاعدة، من بينها نالا، وبايهاوس، وجروهاوس، وليلا مولينو، ونايتجار، في تجربة غنية جمعت بين الإلهام والإبداع وعبّرت عن روح دبي المتجددة في عالم المأكولات والمشروبات.
واستضافت شركتا ريكساس وديلانو دبي، إلى جانب جوي غزال مؤسس مجموعة ذا مين غروب في ذا مين لاند براسيري، عدداً من الاستقبالات المميزة التي احتفت بازدهار مشهد المأكولات والمشروبات في دبي، في حين اختتم المنتدى بغداء مميز في فندق كمبينسكي ذا بوليفارد استضافته جاسترونوت هوسبيتاليتي، حيث تم استعراض مفاهيم جديدة مثل مامابيلا ورام آند رول وووهـو. وقد أضفت هذه التجارب الحيوية بعداً حيوياً على أجندة المنتدى، منحت المشاركين فرصة للتواصل وتبادل الأفكار واختبار تطور مشهد المأكولات والمشروبات في دبي عن كثب.
سلّطت نسخة هذا العام الضوء على المشهد المتنامي لقطاع المأكولات والمشروبات في دولة الإمارات وخارجها، حيث تناولت أبرز التوجهات العالمية والتحولات المؤثرة في مشهد الضيافة الدولي، إلى جانب فرص الاستثمار والنمو التي تشكّل ملامح المستقبل. وتواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في سوق المأكولات والمشروبات العالمي، مع تركّز 53% من العمليات في منطقة الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يتجاوز حجم القطاع 300 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الثماني المقبلة، مما يشير إلى نمو سنوي قوي ومتسارع.
وأظهرت دراسة حديثة أن 65% من المشغّلين يتوقعون نمواً معتدلاً، فيما يرى 13% منهم زيادة كبيرة في الاستثمارات، لا سيّما في السوق الإماراتي. ووفقاً لتقرير توجّه القطاع لعام 2025 الصادر عن فود بيبولوبروجيكتبيبول، برزت كل من المملكة العربية السعودية 26.6%والإمارات العربية المتحدة 24.1%والولايات المتحدة الأمريكية 13.8%كأهم ثلاث وجهات رئيسية للتوسع المستقبلي. كما أشار المشاركون إلى أن تجارب الطعام المتمحورة حول التجربة والصحة واللياقة تمثل أبرز العوامل المحفزة لسلوك المستهلكين في المرحلة القادمة.
شكلت مطاعم الأحياء المحلية كمحاور ثقافية أحد أبرز النقاشات في المنتدى، حيث استعرض روّاد القطاع دور هذه المطاعم في تعزيز الروابط المجتمعية وإثراء الثقافة المحلية. وشارك في النقاش كل من فاي إكونوميديس، المديرة التنفيذية الإدارية في إم مانجمنت، وجوي غزال، المؤسس والشريك الإداري في ذا مين غروب، وزياد كامل، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس في روزي هوسبيتاليتي، والدكتور نعيم مدد، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة جيتس هوسبيتاليتي، مؤكدين جميعاً أن مفاهيم الأحياء المحلية تمثل امتداداً حيوياً وعضواً لمجتمعاتهم، وتساهم في تشكيل هوية المدن وإضفاء طابعها الفريد.
وتعليقاً على أهمية المطاعم المحلية، قال جوي غزال:”مطاعم الأحياء جزء من النسيج الاجتماعي. فهي ترسم ملامح هوية أصيلة، وتجمع الناس معاً، وتضفي طابعاً مميزاً على المدن”. مشدداً بذلك على القيمة طويلة الأمد لدمج الضيافة ضمن المجتمعات المحلية.
كما شدّدت أسماء خان، مؤسسة مطعم دارجيلينغ إكسبرس وجلوبال تشينج ميكر، على هذا المعنى خلال حديثها الرئيسي، مؤكدة المسؤولية الثقافية الأوسع للقطاع بقولها:” يمكن للمطاعم أن تكون أدوات للتغيير، فعندما تتيح مساحة لمن هم خلف الكواليس وحين تحمي تراث الطهي، فأنت لا تقدم الطعام فحسب، بل تشكّل الثقافة”. وختمت خان بدعوة قوية لأصحاب النفوذ: “كونوا التغيير واتركوا إرثاً صالحاً”.
وشكّل الذكاء الاصطناعي محوراً رئيسياً آخر للنقاش، إذ يستمر في إعادة تشكيل الاستراتيجيات الإبداعية والتشغيلية في قطاع المأكولات والمشروبات. واستكشفت جلسات النقاش كيف تمكّن التحليلات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي العلامات التجارية من تحليل كميات ضخمة من البيانات الرقمية، واكتشاف الاتجاهات الصغيرة والقصيرة الأمد داخل السوق، واتخاذ قرارات أكثر ذكاءً بشأن المواقع والمفاهيم المستقبلية.
وأشار الشيف ريف عثمان، الشيف ومالك هوتارو القابضة، إلى استخدامه للذكاء الاصطناعي بصفته منطلقاً للإبداع وليس كبديل للحدس البشري، موضحاً ذلك بقوله:” الذكاء الاصطناعي أداة تساعد على الإلهام، لكنه لن يستطيع أبداً استنساخ حدس الشيف أو روح الطبق”. وأضاف أحمد أويتون جاكير، المالك والشريك الإداري في جاسترونوت للضيافة، أن الذكاء الاصطناعي يساعد بالفعل المشغّلين على تحسين قوائم الطعام والتنبؤ بالطلب بدقة أكبر، ما يقلل الهدر ويسرّع دورات تطوير المنتجات.
وفي الوقت نفسه، سلّطت تجربة “ايه آي شيف من وووهـو”الضوء على كيفية استخدام أنظمة متعددة الوكلاء لإدارة عمليات المطبخ بالكامل، وحفز هذا العرض نقاشات معمّقة حول الطريقة المثلى لتكامل التكنولوجيا والحرفية في صناعة الطهي.
وبرز قطاع العافية والرفاهية كأحد المجالات الواعدة للفرص المستقبلية. ففي جلستها مع كريس ميلر، مؤسس وايت رابيت بروجكتس، سلطت كاثرين مور، مؤسسة سبا كونيكتورز، الضوء على نمو القطاع ليصل إلى 6.3 مليون دولار بمعدل سنوي يبلغ 7%، مشيرة إلى أن قطاع السفر المرتبط بالعافية كان أول القطاعات التي تعافت بعد جائحة كوفيد-19.
وناقش المتحدثون كيف يتحول مفهوم العافية من الخدمات التقليدية في المنتجعات الصحية إلى مقترحات شاملة لنمط الحياة تشمل التغذية، والحركة، والفحوصات التشخيصية. وأوضح أحد المشاركين:”الضيوف أصبحوا يبحثون بشكل متزايد عن أماكن تهتم بالجسد والعقل معاً. لم يعد مفهوم العافية مقتصراً على الاسترخاء، بل أصبح جزءاً من الحياة اليومية، يتعلق بأسلوب حياتهم، وعملهم، وتناولهم للطعام”.
وكانت شركات مثل ريكاس وذا مين غروب ويولك براندز قد دخلت أسواقاً مثل المملكة المتحدة والهند، مع التركيز على توطين قوائم الطعام والتكيّف مع التفضيلات الثقافية لضمان نجاحها. وأفادت ريكاس بتحقيق زيادة بنسبة 25% في رضا العملاء من خلال اعتماد مصادر مستدامة وتكييف قوائم الطعام محلياً، فيما شاركت يولك رؤى حول توسعها في المملكة المتحدة مع تعديل عروضها لتتناسب مع الأذواق المحلية.
وقال أنطونيو غونزاليس، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة صن سيت للضيافة:” تركيزنا ينصب على المدن، وليس على الدول”. مسلطاً الضوء على استراتيجيتهم في التوسع، حيث أصبحت صن سيت أكبر مشغل في ميلانو. وأضاف عمر صيدة، مؤسس أورانج هوسبيتاليتي”: دبي هي عاصمة الطعام في العالم؛ لدينا هنا 200 جنسية”، مؤكداً على تنوع مشهد النكهات في المدينة وفرصها المزدهرة في قطاع المطاعم الفاخرة.
كان موضوع الاستدامة محوراً متكرراً خلال فعاليات المنتدى العالمي للاستثمار في المطاعم 2025، حيث قدمت كل من ريكاس ويولك نماذج رائدة للممارسات المستدامة في مشهد الطعام الإماراتي. فقد اعتمدت ريكاس سياسة صفر مخلفات في عدة من مواقعها، مما أسهم في خفض هدر الطعام بنسبة 40% خلال العام الماضي، فيما تعهدت يولك باستخدام المأكولات البحرية المستدامة بالكامل بحلول عام 2026. وأشار المشاركون إلى أن الخبرة العملية في الإمارات أصبحت أولوية قصوى في التوظيف، حيث أصبحت المعرفة المحلية عنصراً حاسماً للنجاح في بيئة تنافسية متسارعة التطور.
وعند التطلع نحو المستقبل، يعكس آفاق الاستثمار في قطاع المطاعم والضيافة لعام 2026 قطاعاً يسعى للتوازن بين النمو والضغوط التشغيلية المتزايدة. ووفقاً لما ورد في تقرير المنتدى العالمي للاستثمار في المطاعم 2025بالتعاون مع فود بيبول وبروجيكت بيبول، تواجه الشركات في جميع الفئات ارتفاع تكاليف العمالة والإيجارات وسلاسل الإمداد، بينما يبقى الحفاظ على المواهب، والامتثال التنظيمي، وتوقعات الاستدامة من أبرز التحديات.
ويستمر التوسع الدولي كأولوية واضحة، لا سيّما في أسواق أفريقيا، والهند، والمملكة العربية السعودية، وآسيا الأوسع، في حين يركز آخرون على تعزيز التوسع المحلي ضمن دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن يرتفع الإقبال على الاستثمار بشكل معتدل، مع توجيه رأس المال نحو المفاهيم الجديدة، وتوسيع العلامات التجارية، والتوسع عبر الامتيازات، والتكنولوجيا، والاستدامة، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالنماذج الخفيفة الأصول. كما أصبح المستثمرون يقيمون قدرة الشركات على الصمود، وثقافتها، وتفوقها التشغيلي كمؤشرات على القيمة طويلة الأمد.
وشهد الحدث أيضاً إطلاق بيان “المستقبل الطبيعي”، الذي أشرف عليه هنري كوتينيو-ميسون المؤسس والمؤلف، في ذا فيوتشر نورمال، وتمت صياغته بمشاركة مباشرة لأكثر من 100 من قادة القطاع والمشغّلين. واستكشفت هذه الوثيقة الجماعية الفرص المستقبلية لمطاعم الغد، بدءًا من التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي، ووصولاً إلى العمليات الخالية من الهدر وتجارب الضيافة تحت مظلة المجتمع المحلي.
وقالت جينيفر بيتينجر هينز، مهندسة مفهوم المنتدى العالمي للاستثمار في المطاعم:” أنا ممتنة للغاية للدعم الرائع من مجتمع المنتدى مع عودتنا إلى دبي. خلال الأيام الثلاثة الماضية، فتح قادة الضيافة أبوابهم، وشاركوا رؤاهم، وذكّرونا بما يجعل هذه الصناعة مميزة للغاية. لقد كان من الملهم رؤية الناس من مختلف أنحاء العالم يجتمعون للتواصل، والتعاون، والاستمتاع في الوقت نفسه”.
وحملت النقاشات في المنتدى العالمي للاستثمار في المطاعم 2025 رسالة واضحة مفادها أنّ مستقبل الضيافة سيكون على يد أولئك الذين يجمعون ببراعة بين الرؤية والدقة، والهدف والأداء، والتواصل والابتكار.