لا تُعَدّ جنيف مجرّد مدينة، بل القلب النابض لصناعة الساعات في العالم، حيث تمتزج الدقّة بروح الابتكار والفخامة. تأخذ جنيف زوّارها في رحلة آسرة إلى عالم صناعة الساعات الراقية، ليكتشفوا أسرار الحرفيّة المتقنة والتقاليد العريقة التي ما زالت تتوارثها الأجيال بشغفٍ متجدّد في العصر الحديث.
مهد صناعة الساعات الفاخرة
أبصرت صناعة الساعات في جنيف النور في منتصف القرن السادس عشر، حين لجأ عدد كبير من الأوروبيّين البروتستانت إلى المدينة هرباً من الاضطهاد الديني، حيث استقبلهم جان كالفان.
ويُروى أنّ كالفان فرض حظراً على ارتداء المجوهرات خلال فترة التقشّف، ما دفع صاغة الذهب في جنيف إلى البحث عن وسيلة جديدة لاستعراض مهارتهم وذوقهم الرفيع. فحوّلوا تركيزهم إلى صناعة الساعات، فزيّنوا ساعات الحائط والمعصم بالأحجار الكريمة والمواد الفاخرة. ومن تلك اللحظة، وُلدت صناعة الساعات الفاخرة وبدأت مسيرة ابتكارها من قلب جنيف.
منصّة رائدة للمبتكرين والحرفيّين
تحتضن جنيف نخبةً من أرقى الأسماء في عالم صناعة الساعات، مثل باتيك فيليب وروليكس وفاشرون كونستانتين، وتواصل هذه العلامات التاريخية، إلى جانب العديد من دور الساعات المستقلّة، تجاوز حدود الإبداع في التصميم والدقّة الميكانيكية. يجسّد قطاع الساعات في جنيف مزيجاً فريداً من الحرفيّة المتقنة والتكنولوجيا المتقدّمة، حيث تتناغم التقنيات التقليدية مع الابتكارات الحديثة — من استخدام عناصر السيليكون إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد.
اكتشف فنّ صناعة الساعات
تَعِد جنيف زوّارها الشغوفين بعالم صناعة الساعات بتجارب فريدة لا مثيل لها. ففي متحف باتيك فيليب، يعيش الزائر رحلة عبر الزمن تتجلّى فيها قرون من الفنّ والإبداع والدقّة السويسرية. بينما يفتح مصنع إينيتيوم أبوابه لعشّاق الميكانيكا الدقيقة، ليدعوهم إلى التعمّق في عالم الساعات الميكانيكية واكتشاف أسرارها من الداخل، حيث تتحوّل كل قطعة إلى تحفة نابضة بالحياة. وفي هذا الإطار، سيقدّم صانع ساعات ماهر دروساً نظرية وتطبيقية لمساعدة الزوّار على كشف أسرار الحركة الميكانيكية للساعات. وسيُطلب من المشاركين استخدام المفكّ والملقط لتطبيق المعارف التي اكتسبوها خلال ورشة العمل، واختبار متعة تفكيك الساعات الميكانيكية السويسرية وإعادة تركيبها بأنفسهم. يمنح إينيتيوم زوّاره فرصة فريدة للابتعاد عن روتين الحياة اليومية والانغماس في تجربة مدهشة تمتدّ لنصف يوم، يكتشفون خلالها أسرار فنّ صناعة الساعات.
الفعاليات والمعارض
علاوةً على ذلك، تستضيف جنيف معرض واتشز أند وندرز، الذي يُعَدّ واحداً من أرقى المعارض التجارية في قطاع صناعة الساعات. تجمع هذه الفعالية نخبةً من الصحافيين والخبراء من مختلف أنحاء العالم تحت سقفٍ واحدٍ، ليشهدوا معاً ولادة مجموعة جديدة من النماذج المبتكرة والتقنيات الحديثة وصيحاتٍ تتقدّم زمنها في عالم التصميم. ولا تُعدّ هذه الفعالية مجرّد معرض، بل احتفاءً حقيقياً بروح الإبداع والتميّز التي تُجسّد جوهر صناعة الساعات الراقية.
وبانتظار عشّاق صناعة الساعات حدثٌ بارز آخر هو جائزة جنيف الكبرى لصناعة الساعات، التي تُعدّ أرقى وأشهر الجوائز في عالم الساعات الفاخرة. ففي كل عام، تُرشَّح 84 ساعة استثنائية لتقوم بجولة عالمية تشمل أبرز المدن قبل أن تعود إلى جنيف للمشاركة في حفل توزيع الجوائز الكبرى المقرّر إقامته في 13 نوفمبر 2025. فمنذ عام 2011، يجوب هذا المعرض المتنقّل القارات الخمس، مستقطباً جماهير واسعة من نيويورك إلى شنغهاي مروراً بسيدني وميلانو.
قوة ثقافية واقتصادية
لا يُعَدّ فنّ صناعة الساعات في جنيف مجرّد صناعة، بل هو تراثٌ ثقافيّ حيّ يجسّد هوية المدينة ويغذّي اقتصادها. يدعم هذا القطاع آلاف الوظائف، من الحرفيّين والمهندسين إلى التجّار والمسوّقين، مؤكّداً دوره الحيوي في الاقتصادين المحلي والوطني.
يسرد قطاع صناعة الساعات في جنيف قصصاً لا تنتهي عن التقاليد والابتكار والفخامة، آخذاً الزائر في رحلةٍ إلى عالمٍ مدهشٍ حيث تصنع كل ثانيةٍ فرقاً، وتحمل كل ساعةٍ في طيّاتها حكايةً فريدة عن الإبداع الإنساني والسعي المتواصل نحو الكمال.
هل تعرف قصّة ختم جنيف (Poinçon de Genève)؟
يُعَدّ ختم جنيف شهادة جودة حصرية تُمنح للساعات المصنوعة في جنيف، أُطلق عام 1886 من قبل جمهورية وكانتون جنيف ليكون معياراً أساسياً للتميّز ورمزاً للحرفيّة الرفيعة في عالم الساعات الفاخرة. ومنذ ذلك
