في إطار فعاليات اليوم الثاني من النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية (PHDC’25) الذي يُعقد تحت رعاية فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وافتتحه دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أول أمس الأربعاء،وبحضور د. خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء لشئون التنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، نظمت وزارة العمل مساء أمس الخميس جلسة خاصة بعنوان “تعزيز العمل اللائق في مصر”، وذلك ضمن أعمال المؤتمر الذي ينعقد بالعاصمة الإدارية الجديدة خلال الفترة من 12 إلى 15 نوفمبر 2025 تحت شعار “تمكين الأفراد.. تعزيز التقدم.. إتاحة الفرص”. ويُعد المؤتمر منصة عالمية تجمع نخبة من القادة والخبراء وصناع السياسات ورواد الابتكار، لبحث قضايا الصحة الشاملة والديناميكيات السكانية والهجرة وتمكين الشباب والتحول الرقمي واقتصاد الرعاية الصحية، بما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030 وأجندة التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وتهدف الجلسة التي نظمتها وزارة العمل وقدمها الاعلامي تامر أمين، إلى فتح حوار بناء ومثمر بين أطراف العمل الثلاثة: الحكومة والعمال وأصحاب الأعمال، حول التحديات والفرص المتعلقة بالعمل اللائق في مصر، واستعراض الإنجازات الوطنية في هذا المجال، وخاصة ما تحقق من خلال قانون العمل الجديد، ومشروعات التعاون مع منظمة العمل الدولية، إلى جانب استعراض النماذج التطبيقية للشراكات الناجحة، وفي مقدمتها مشروع Better Work، وتجربة التعاون بين وزارة العمل ومعهد دون بوسكو الإيطالي في مجال تدريب وتأهيل الشباب وفقاً لاحتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
تحدث في الجلسة كل من معالي الوزير محمد جبران وزير العمل، والمهندس هاني محمود عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية ممثلاً لأصحاب الأعمال، والسيد / عبد المنعم الجمل رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ممثلاً للعمال، والسيد / إيرك أوشلان مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة، ورولاند سارتون خبير التشغيل بمنظمة العمل الدولية، والسيد/ علاء الصيفي مدير مشروع Better Work، والمهندس مينا نصر منسق التدريب بمعهد دون بوسكو الإيطالي.
وتناول النقاش عدداً من المحاور الرئيسية، كان أبرزها قانون العمل الجديد وأثره على تعزيز بيئة العمل اللائقة، وآليات ضمان التوازن بين حقوق العمال ومرونة سوق العمل، ودور الحوار الاجتماعي في تسوية النزاعات العمالية وتعزيز السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل. كما تم استعراض الشراكة بين وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية في تعزيز معايير العمل اللائق، ومناقشة ملامح الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ومستقبل العمل في ظل التحول الرقمي والتغيرات المتسارعة في المهارات المطلوبة. وتطرقت الجلسة كذلك إلى عرض نموذج تطبيقي من خلال مشروع Better Work الذي يعكس العلاقة بين تحسين ظروف العمل وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز القدرات التنافسية للصناعات الوطنية، إلى جانب استعراض تجربة الشراكة مع معهد الساليزيان “دون بوسكو” في مجال تدريب وتأهيل الشباب المصري.
وفي كلمته خلال الجلسة، أكد وزير العمل محمد جبران أن مفهوم العمل اللائق يمثل أحد الركائز الأساسية للتنمية البشرية المستدامة، فهو العمل المنتج الذي يضمن دخلاً عادلاً وأماناً في مكان العمل وحماية اجتماعية للعامل وأسرته، إضافة إلى فرص متكافئة للمشاركة والمعاملة العادلة وحرية التنظيم والتعبير. وأوضح أن العناصر الرئيسية للعمل اللائق التي تعتمدها منظمة العمل الدولية تتمثل في حماية الحقوق الأساسية في العمل، وتوفير فرص عمل منتجة للشباب، وضمان الحماية الاجتماعية، وتعزيز الحوار الاجتماعي الحقيقي بين أطراف الإنتاج.
وأشار الوزير إلى أن قانون العمل الجديد يُعد نموذجاً معبراً عن حوار اجتماعي حقيقي، شاركت فيه جميع الأطراف دون استثناء، موضحاً أن عملية إعداد القانون والمراحل التي مر بها تمثل في حد ذاتها صورة إيجابية تعكس ممارسة العمل اللائق في مصر قبل صدور التشريع ذاته. وأوضح أن القانون نظم الحوار الاجتماعي في باب مستقل، تضمن إنشاء المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي كآلية مؤسسية دائمة تجمع ممثلي الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال، وهو ما يعكس حرص الدولة على بناء منظومة تشاركية مستدامة.
وأضاف الوزير أن المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي الذي أعيد تشكيله بقرار من رئيس مجلس الوزراء عام 2025 يضم في عضويته النقابات العمالية الأكثر تمثيلاً والمنظمات النقابية الجديدة وممثلي منظمات أصحاب الأعمال، إلى جانب ممثلين عن المجالس القومية المتخصصة مثل المجلس القومي للمرأة وحقوق الإنسان والأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكداً أن المجلس عقد ثلاث جلسات في أكتوبر الماضي لمناقشة أحكام القانون الجديد قبل إحالته إلى مجلس الوزراء تنفيذًا لتوجيهات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة عرض القانون على الحوار الاجتماعي.
وأوضح جبران أن القانون الجديد تضمن العديد من الإصلاحات الجوهرية التي تستهدف تعزيز الحماية الاجتماعية للعاملين، وفي مقدمتها مد مظلة الحماية للعمالة غير المنتظمة من خلال إنشاء صندوق لإعانات الطوارئ والخدمات الاجتماعية والصحية، وتقديم الدعم المالي والفني لهذه الفئات في الأزمات والمناسبات، فضلاً عن تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية للعمالة المنتظمة بالمنشآت من خلال صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية …
كما أكد وزير العمل أن القانون عزز مبدأ المساواة وعدم التمييز وتمكين المرأة العاملة، حيث نص صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة في الأجر وفرص التشغيل والتدريب، وألغى القيود على عمل النساء ليلاً أو في بعض المهن، ومنح المرأة العاملة إجازة وضع مدتها أربعة أشهر ثلاث مرات خلال فترة خدمتها، إضافة إلى إجازة لرعاية الأسرة وفترات راحة للرضاعة، وحظر إنهاء علاقة العمل بسبب الحصول على أي من الإجازات القانونية.
وفيما يتعلق بحماية الطفولة، أوضح جبران أن القانون التزم بالمعايير الدولية في تحديد سن العمل والتدريب، وحظر تشغيل الأطفال دون الخامسة عشرة أو تدريبهم قبل سن الرابعة عشرة، وحدد الأعمال التي لا يجوز تشغيل الأطفال فيها دون سن الثامنة عشرة حفاظاً على صحتهم ومواصلة تعليمهم.
وأشار الوزير إلى أن القانون الجديد أرسى قواعد واضحة لضمان بيئة عمل آمنة من خلال تطوير منظومة التفتيش باستخدام التقنيات الحديثة مثل نظام “التابلت” وقوائم المراجعة الموحدة، وإنشاء مكاتب الامتثال لمساعدة المنشآت في تحقيق الالتزام الكامل بأحكام القانون، إلى جانب استحداث محاكم عمالية متخصصة ومكاتب للمساعدة القانونية لتسريع الفصل في النزاعات العمالية وتنفيذ الأحكام القضائية.
وأكد جبران أن قانون العمل الجديد حرص على دعم سياسات التشغيل والتدريب المهني وربطها باحتياجات سوق العمل، من خلال إنشاء اللجنة العليا لتخطيط القوى العاملة بمشاركة ممثلين عن منظمات أصحاب الأعمال والعمال والوزارات المختصة، موضحاً أن القانون فتح المجال أمام مشاركة القطاع الخاص في التشغيل ومنح التراخيص لمزاولة النشاط، بما يعزز من مرونة سوق العمل ويوفر فرصاً منتجة للشباب.
واختتم وزير العمل كلمته بالتأكيد على أن صدور قانون العمل الجديد ودخوله حيز النفاذ في الأول من سبتمبر 2025 يمثل خطوة تاريخية نحو تعزيز العدالة الاجتماعية وبناء سوق عمل منظم وعادل، يرسخ لبيئة عمل منتجة تضمن الكرامة الإنسانية وتحفز على الاستثمار، في ظل رؤية القيادة السياسية لبناء الجمهورية الجديدة التي تضع الإنسان المصري في قلب أولويات التنمية.







