أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم إحدى أهم القوى التحويلية في صناعة التأمين العالمية. فمن الاكتتاب وإدارة المطالبات، إلى كشف الاحتيال وخدمة العملاء، تسهم الخوارزميات والتطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة نوعية عبر تحسين الكفاءة والدقة وقدرات الابتكار.
ومع ذلك، يرافق هذا التوسع المتسارع عدد من المخاوف الأخلاقية المتعلقة بالعدالة، الشفافية، المساءلة، الخصوصية واحتمالات اتساع الفجوة الاجتماعية والاقتصادية.
ويُعد قطاع التأمين من أكثر القطاعات حساسية لهذه التحديات نظراً لاعتماده المكثف على البيانات في تقييم المخاطر واتخاذ القرارات، وهي قرارات تؤثر مباشرة في الاستقرار المالي للأفراد وحقهم في الحصول على الحماية التأمينية. وعلى عكس قطاعات أخرى قد تتسبب فيها أخطاء الذكاء الاصطناعي في إزعاج محدود، فإن الخطأ في التأمين قد يؤدي إلى تسعير غير عادل، أو رفض مطالبة مُستحقة، أو حرمان فئات من التغطية الأساسية.
من هنا، تصبح الحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي ضرورة استراتيجية لبناء الثقة بين شركات التأمين وحاملي الوثائق.
تستعرض هذه النشرة الأبعاد الأخلاقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التأمين، وتناقش المخاطر والتحديات، وتطرح مجموعة من المبادئ والتوصيات لضمان تبنٍّ مسؤول ومستدام لهذه التقنيات.
الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في قطاع التأمين
يشهد قطاع التأمين توسعًا كبيرًا في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف مراحل سلسلة القيمة، بدافع الحاجة إلى الأتمتة وتقليل التكاليف وتحسين تجربة العملاء.
أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التأمين:
1. الاكتتاب الآلي
تحليل البيانات الضخمة لبناء نماذج تسعير أكثر دقة واتساقًا، وتقليل التدخل البشري.
2. تقييم وتسوية المطالبات
تسريع عمليات المعالجة عبر التعرّف على الصور والتحليلات التنبؤية واتخاذ القرار التلقائي.
3. كشف الاحتيال
رصد الأنماط المشبوهة وتوقع السلوكيات الاحتيالية باستخدام خوارزميات ذكية.
4. إدارة علاقات العملاء
تقديم تفاعل متواصل وشخصي عبر روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين.
5. النمذجة التنبؤية ومنع المخاطر
التنبؤ بالحوادث والأمراض وأضرار الممتلكات، وتقديم استشارات وقائية بناءً على بيانات دقيقة.
ورغم الفوائد الكبيرة لهذه التطبيقات، فإنها تفتح الباب أمام تحديات أخلاقية تتطلب إطارًا واضحًا للحوكمة.
التحديات الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين
أ. التحيّز الخوارزمي والتمييز
قد تعيد أنظمة الذكاء الاصطناعي إنتاج التحيّزات التاريخية في البيانات، مما يؤدي إلى:
- فرض أقساط أعلى على مجموعات سكانية معينة
- رفض التغطية بناءً على نماذج متحيّزة
- تفضيل العملاء ذوي البيانات الأكثر توافراً
وهو ما يتعارض مع مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على الخدمات التأمينية.
ب. الشفافية وقابلية التفسير
تُعد الخوارزميات المعقدة بمنزلة “صناديق سوداء”، مما يثير تساؤلات حول:
- كيفية تفسير أسعار الأقساط الناتجة عن نماذج آلية
- قدرة العميل على الطعن في قرار صادر عن خوارزمية غير مفهومة
ضعف الشفافية يؤدي إلى اهتزاز الثقة وقد يتعارض مع المتطلبات التنظيمية.
ج. الخصوصية والموافقة وحوكمة البيانات
يعتمد الذكاء الاصطناعي على بيانات شخصية حساسة، وقد تظهر إشكاليات عند:
- جمع بيانات دون موافقة صريحة
- عدم وضوح كيفية استخدامها
- مشاركة معلومات حساسة مع أطراف خارجية
ويزداد التعقيد مع استخدام مصادر بيانات غير تقليدية مثل الأجهزة القابلة للارتداء أو بيانات السوشيال ميديا.
د. التشغيل الآلي مقابل الإشراف البشري
قد يحدّ الاعتماد الكامل على الآلة من:
- الحس الإنساني المطلوب في بعض القرارات
- القدرة على التدخل لتصحيح الأخطاء
- تحديد المسؤولية عند وقوع خلل أو قرار غير عادل
هـ. الأمن السيبراني ونقاط الضعف التقنية
تعرض البيانات أو النماذج للاختراق أو التلاعب قد يقوض الثقة ويعرّض العملاء لمخاطر كبيرة.
و. الاستخدام الأخلاقي للتحليلات التنبؤية
يثير التنبؤ بالسلوك المستقبلي قضايا أخلاقية مثل:
- تسعير الوثائق بناءً على افتراضات مستقبلية
- إخراج فئات من السوق بسبب ارتفاع المخاطر المتوقع
وهو ما يستدعي موازنة دقيقة بين إدارة المخاطر والعدالة المجتمعية.
المبادئ التوجيهية للذكاء الاصطناعي الموثوق – منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)
قدمت المنظمة سبعة مبادئ أساسية لضمان ثقة المستخدمين بأنظمة الذكاء الاصطناعي:
- الوكالة البشرية والإشراف
- المتانة التقنية والسلامة
- الخصوصية وحوكمة البيانات
- الشفافية وإمكانية التفسير
- التنوع وعدم التمييز والعدالة
- الرفاه المجتمعي والبيئي
- المساءلة وآليات الإنصاف
تمثل هذه المبادئ إطارًا عالميًا يُستند إليه لتطوير سياسات وأنظمة ذكاء اصطناعي مسؤولة.
فوائد تبنّي الذكاء الاصطناعي الأخلاقي لشركات التأمين
اعتماد مبادئ الأخلاقيات لا يُعد التزامًا تنظيميًا فحسب، بل يشكل ميزة تنافسية عبر:
- تعزيز ثقة العملاء
- دعم سمعة الشركة
- الحد من المخاطر التنظيمية
- تحسين جودة النماذج
- بناء سوق أكثر شمولًا واستدامة
كما يسهم في تشجيع الابتكار ضمن حدود واضحة وآمنة.
رؤية الاتحاد
يؤكد الاتحاد أن تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي يمثل خطوة استراتيجية لدعم تطور السوق التأميني وتعزيز تنافسيته وكفاءة عملياته. وفي الوقت ذاته، يشدد على ضرورة الالتزام بأعلى معايير الأخلاقيات والحوكمة لضمان حماية العملاء واستقرار السوق.
رؤية الاتحاد تتضمن النقاط التالية:
- الالتزام بالمعايير الأخلاقية في دورة حياة النماذج
- مكافحة التحيّز والتمييز
- حماية البيانات وخصوصية العملاء
- تعزيز الشفافية وقابلية الشرح
- دعم التحول الرقمي المسؤول
- تنمية القدرات البشرية والتطوير المستمر
- تعزيز التعاون بين شركات التأمين والجهات الرقابية
- الابتكار مع الحفاظ على ثقة المجتمع







