تعكف سلطنة عُمان حالياً على إعداد العُدَّة لرفع كفاءة بيئتها الحاضنة لمشاريع ريادة الأعمال. وعلى الرغم من أن هذه الدولة الخليجية لم تشتهر فيما مضى بوفرة برامج الشركات الناشئة بها، فإن رؤية عمان 2040 التي وُضِعت حديثاً تساعد على تسريع وتيرة تنفيذ الخطط الرامية إلى جعل السلطنة مركزاً عالمياً للشركات التكنولوجية والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وتتطلع مسودة الخطة – لتي صدرت خلال المؤتمر الوطني لرؤية عمان المستقبلية 2040 الذي عُقد في كانون الثاني/يناير من هذا العام– إلى تطوير اقتصاد قائم على القطاع الخاص وقادر على المنافسة على المستوى العالمي. وتركز سلطنة عُمان في رؤيتها الطموحة الطويلة المدى تركيزاً خاصاً على الشركات الصغيرة والمتوسطة وقطاع المواد غير الهيدروكربونية. وتخطط عُمان لتغيير نسبة ناتجها المحلي الإجمالي النفطي إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 40/60 في المائة إلى 15/85 في المائة، حسب الأرقام الرسمية، بحلول عام 2040. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه حتى عام 2040 الذي يُتوقع أن تمثل فيه الهيدروكربونات سبعة في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان.
بيئة حاضنة بالغة الأهمية
إن أربعين في المائة من سكان سلطنة عُمان البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة دون سن الخامسة والعشرين، ونصف شباب السلطنة تقريباً عاطلون عن العمل، حسب تقارير البنك الدولي.
يقول ويس شوالجي، مدير العمليات في شركة تحسين للاستشارات بدبي، إن وجود “بيئة حاضنة لمشاريع ريادة الأعمال تتسم بالقوة والاكتفاء الذاتي” أمر بالغ الأهمية لتوفير فرص عمل للشباب في سلطنة عُمان. ويقول إن “البيئة الحاضنة المكتملة الأركان سوف توفر للشباب مزيداً من الوظائف ذات المهارات الرفيعة والأجور المرتفعة في الصناعات القائمة على المعرفة”. ويضيف شوالجي أن وجود بيئة حاضنة فعالة أمرٌ لا غنى عنه لتعزيز الشركات السريعة النمو القادرة على المنافسة عالمياً في المجالات الاقتصادية ذات الأولوية التي تُحدِث تنويعاً اقتصادياً وتجذب الاستثمارات الخاصة في الشركات الناشئة.
ويقول سالم المعمري، وهو رائد أعمال يقيم في مدينة مسقط وصاحب أحد مقاهي الطلب بالسيارة وبصدد إنشاء مركز رعاية صحية: “إن عدد الشباب العاطلين عن العمل كبير للغاية، والحكومة تحاول حثّ العاطلين عن العمل على الذهاب إلى السوق وإنشاء أعمالهم التجارية الخاصة. ويتعذر على سوق العمل استيعاب جميع الخريجين، وهذا هو المحرك الرئيسي للشركات الناشئة”.
وتسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة حالياً بنحو 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العماني، وتتوقع الهيئة العامة لتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة (ريادة) أن تتضاعف هذه النسبة في العقد المقبل كلما أُتِيحَت فرص جديدة. ولكن هذه النسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 50 في المائة تقريباً.
فرصة للنمو
ولذلك فإن البيئة الحاضنة لمشاريع ريادة الأعمال في عُمان قد تخلّفت كثيراً عن نظيرتها في البلدان المجاورة، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكن يبدو أن السلطنة تعمل حالياً على إقامة الأسس المؤسسية اللازمة ومعالجة فجوات تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويشير شوالجي إلى أن “زيادة المنافسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحسين البيئات الحاضنة لمشاريع ريادة الأعمال والشركات الناشئة تدفع عُمان دفعاً نحو نهج «المسارعة إلى اللحاق بالركب»”. ويتوقع شوالجي أن تتعلم عُمان بسرعة من جيرانها لتصبح إحدى المراكز العديدة للشركات التكنولوجية الناشئة في المنطقة، فيقول: “لا يرضى أي بلد بأن يظل متعثراً في بداية الطريق المؤدي إلى وضع سياسات الاقتصاد الرقمي التأسيسية وتعزيز بيئته التجارية في حين أن بعض جيرانه يمضون في تنفيذ سياسات جريئة ليصبحوا قادة عالميين في مجالات الذكاء الاصطناعي، والمركبات الذاتية القيادة، وسلاسل السجلات المغلقة، والمواد المتطورة، بل واستكشاف الفضاء”.
وفي خطوة جريئة نحو سد الفجوة المالية، استخدمت سلطنة عمان 200 مليون دولار من صندوق الثروة السيادية لإنشاء الصندوق العماني للتكنولوجيا في عام 2016. ويستثمر هذا الصندوق في الشركات الناشئة في سلطنة عمان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال مرحلتها التأسيسية وما قبلها، ويستثمر أيضاً في صناديق رؤوس أموال المجازفة، ويسعى إلى جذب شركات ناشئة عالمية لفتح متاجر محلية لها من خلال شراكات مع قادة عالميين، مثل شركة “500 ستارت أبس” وشركة “هامبرو بيركس” التي تتخذ من لندن مقراً لها.
ويُقال أيضاً إن السلطنة تُجري محادثات للاستثمار في “صندوق رؤية سوفت بنك الياباني” الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات. وإن دل ذلك فإنما يدل على أن عُمان تطمح أن تصبح مركزاً عالمياً للشركات الناشئة، فضلاً عن أن تصبح قوةً إقليميةً. ويقول شوالجي: “يتجلى أيضاً طموح عُمان العالمي في محاولاتها الأخيرة لإقامة علاقات أوثق مع دول العالم التي أصبحت مؤخراً رائدة في المجال التكنولوجي، مثل الصين والهند، وإقامة روابط متنامية مع المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية”.
دعم الشركات الناشئة
كثَّفت عُمان في السنوات الأخيرة جهودها الرامية إلى دعم مجتمع الشركات الناشئة بها من خلال طائفة متنوعة من المبادرات الحكومية. وتقدم “هيئة ريادة لتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة” حلولاً متكاملة لإقامة الشركات، فضلاً عن الدعم المالي وبرامج التدريب المُحسَّنة والأراضي والمباني ذات الأسعار المُخفَّضة. ويمكن لرواد الأعمال الشباب الحصول على تمويل متخصص، ودعم، ومشورة بشأن خطة الأعمال من خلال صندوق «شراكة» لتنمية مشروعات الشباب. كما أن المركز الوطني للأعمال في عُمان، وهو مبادرة أُطلِقت في واحة المعرفة مسقط في عام 2012، يوفر لرواد الأعمال العمانيين مكاناً للمضي قدماً بأفكارهم التجارية وتطويرها لتصبح مشاريع كبيرة.
وقد أصدرت عمان مؤخراً قانوناً جديداً بشأن الاستثمار الأجنبي وقانوناً للشركات، مما يدل على عزمها على المضي في هذا الطريق. ويجري أيضاً إعداد قانون جديد بشأن الحماية من الإفلاس، ولكن يوجد نقص في شركات رؤوس أموال المجازفة في عُمان، ولا يزال كثير من الخريجين الشباب يأملون الحصول على وظيفة في القطاع العام بدلاً من المخاطرة بإقامة أعمالهم التجارية الخاصة.
الحافز الرقمي
أحرزت عُمان بالفعل قَصَبَ السَّبْق، في بعض الجوانب، بسياستها الرقمية من خلال إستراتيجية عمان الرقمية 2030. فقد كانت سلطنة عُمان، كما يوضح مدير عمليات شركة تحسين للاستشارات، أول دولة من دول مجلس التعاون الخليجي “تدرك أهمية تطوير نظام تعليمي تقني ومهني قوي، وأهمية دمج المهارات التكنولوجية في المناهج التعليمية الوطنية”.
ويشير شوالجي إلى أن الشباب العماني أبلوا بلاءً حسناً في مسابقة “كأس التخيل” العالمية التي نظمتها شركة مايكروسوفت على مدار الأعوام الماضية. ويقول إن “ذلك يدل على أن عُمان تبلي بلاءً حسناً في تكوين جيل شاب من المفكرين المبدعين المهرة في المجال التكنولوجي الذين يمكنهم إدراك الثغرات الموجودة في الأسواق واغتنام الفرص لسد تلك الثغرات”.
وأما من الناحية الديموغرافية، فإن عُمان، إلى جانب جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي، موطنٌ لملايين المستهلكين الشباب المترابطين بالوسائل الرقمية، ومعدلات انتشار الهواتف المحمولة بها من أعلى المعدلات في العالم، مما يُعدّ بشارة خير تُنبئ بتنمية الاقتصاد الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي وفي شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
عقبات على الطريق
يشير سوراب فيرما، رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحول الرقمي في شركة فروست آند سوليفان العالمية للاستشارات الإدارية، إلى أن التركيبة السكانية لسلطنة عمان، وعدد السكان الكبير، والفرص الفريدة المتاحة فيها تبشر بمستقبل واعد. ويقول فيرما: “هناك فرص كبيرة متاحة للشركات الناشئة لتقديم منتجات وخدمات لمجموعة كبيرة من السكان داخل سلطنة عُمان، فضلاً عن توسيع نطاق تلك المنتجات والخدمات لتشمل دولاً أخرى في المنطقة. إلا أن نشاط الشركات التكنولوجية الناشئة في عُمان لا يزال حتى الآن بطيئاً نسبياً”.
ويقول المدير التنفيذي لشركة فروست آند سوليفان إن السنوات الثلاث الماضية شهدت إلى حد ما نشاطاً للشركات الناشئة العمانية في قطاعات التكنولوجيا المالية والتعليم والتجارة الإلكترونية والإعلام والغذاء، ولكن لا يزال الطريق طويلاً. وفي هذا العام حتى الآن، تمكنت شركة واحدة فقط في عُمان من الحصول على تمويل برأس مال المجازفة، في حين أن الصندوق العماني للتكنولوجيا قد استثمر في شركات ناشئة في باكستان أكثر من استثماره في شركات عمانية.
ويقول المعمري: “عُمان أرض خصبة، ويمكنك أن تدخل البيئة الحاضنة للشركات الناشئة بأي نوع من الأنشطة. ويتمثل التحدي الذي نواجهه في مدى سهولة إجراءات إنشاء الشركات، فهناك الكثير من الأعمال الورقية ولا يوجد تنسيق بين شتى الهيئات. ويوجد كثير من الأنظمة القديمة التي يجب إصلاحها لجعل إنشاء الشركة الناشئة تجربةً سلسلةً”.
وعلى الرغم من زيادة الدعم المُقدَّم من الحكومة، على حسب قول المعمري، والتحسُّن الطفيف في إمكانية الحصول إلى التمويل، فإن البلد لا يزال يحتاج إلى تغييرات تنظيمية جذرية لتبسيط إجراءات إنشاء الشركات الناشئة من أجل الحصول على التراخيص الصحيحة من دون إجراءات روتينية مُعقَّدة.
يقول فيرما: “تتمتع سلطنة عُمان بالمقومات التي تؤهلها لتكون مركزاً للشركات التكنولوجية الناشئة، إلا أن السلطنة تحتاج إلى التركيز أكثر على تطوير بيئتها الحاضنة للشركات الناشئة. فالفرص السوقية متاحة، ولكن لا تزال توجد حاجة إلى مزيد من الحاضنات والمُسرِّعات، وإلى جماعة نشطة من أصحاب رؤوس أموال المجازفة، وإلى المزيد من السياسات التحفيزية الحكومية”.