بالنسبة لبريان كالبفلايش، يعد الأسمنت أسلوب حياة. يقول الرئيس التنفيذي في نيوجيرسي، “ولدت وترعرعت في مجال صناعة الخرسانة الجاهزة”، موضحا أن والده عمل في هذا القطاع لمدة 40 عاما. يقول، “كنت من هذا النوع من الأطفال الذين يمكنهم تشغيل الآلات الثقيلة، قبل أن أتمكن من القيادة”.
الآن يفعل كالبفلايش شيئا لم يتخيله أبدا – تطوير نوع جديد من الخرسانة يمكنه تخزين ثاني أكسيد الكربون للمساعدة على مكافحة تغير المناخ.
شركة “سوليديا تيكنولوجيز” الناشئة التي يديرها جزء من عدد متزايد من الشركات التي تحاول حل واحدة من أصعب المشكلات في الصناعة الثقيلة، كيفية صنع الخرسانة دون إنتاج كثير من انبعاثات غازات الدفيئة.
الخرسانة واحدة من أكثر السلع استخداما في العالم، تأتي في المرتبة الثانية بعد الماء، ومن بين أكثر السلع تلويثا. تمثل الصناعة نحو 2.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، أو نحو 6 في المائة من الانبعاثات العالمية. إذا كانت بلد، فستكون رابع أكبر مصدر للانبعاثات، خلف الهند مباشرة، متقدمة على روسيا واليابان.
تجتذب الشركات الناشئة التي تحاول إنتاج أسمنت منخفض الكربون بعضا من أبرز المستثمرين في مجال التكنولوجيا، مثل مؤسسة “بريك ثرو إينرجي” لبيل جيتس، وصندوق “كلايمت بليدج” لـ”أمازون”، وكذلك صاحب رأس المال الاستثماري جون دوير، من شركة “كلينر بيركنز”. أكثر من 100 مليون دولار من تمويل المشاريع ذهبت لشركات الأسمنت الناشئة في الأشهر الـ12 الماضية.
كذلك تعمل شركات صناعة الأسمنت الكبيرة، بما في ذلك “هولسيم” السويسرية و”هايدلبرج سيمينت” في ألمانيا، على حل هذه المشكلة.
“هذه المنطقة مثيرة للاهتمام بالنسبة لنا لأنها مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل”، حسبما يقول جوناه جولدمان، المدير في “بريك ثرو إينرجي”، التي استثمرت أخيرا في ثلاث شركات أسمنت ناشئة، “سوليديا” و”كاربون كيور” و”إيكوسيم”.
لماذا يصعب إزالة الكربون من الأسمنت؟
الكيمياء الأساسية للأسمنت تجعل من الصعب جدا إزالة الكربون، المكون الرئيسي هو “الكلنكر”، المصنوع من الحجر الجيري المسخن في قمين. عندما يسخن الحجر الجيري يطلق كثيرا من ثاني أكسيد الكربون ويغير هيكله الجزيئي.
يمثل هذا التفاعل الكيميائي ما يصل إلى 70 في المائة من الانبعاثات الناتجة عن صناعة الأسمنت، وتأتي الـ30 في المائة المتبقية من الطاقة لتسخين القمين. مقابل إنتاج كل عشرة أطنان من الأسمنت، ستة أطنان من ثاني أكسيد الكربون في النهاية تكون في الغلاف الجوي.
عندما يتم أخذ كل خطوة في سلسلة التوريد الخرسانية في الحسبان، فإن البصمة الكربونية للصناعة من بين الأسوأ.
“هناك طرق مختلفة للتعامل معها، لأنها تبدو مشكلة مستعصية الحل. إنه بطبيعته منتج ينبعث منه غازات الدفيئة “، حسبما يشرح. ويضيف، “مجرد العملية الطبيعية لتكوينه تطلق الكربون في الغلاف الجوي”.
يوضح إيان رايلي، الرئيس التنفيذي لاتحاد الأسمنت العالمي، أن الصناعة قد خفضت الانبعاثات أكثر من الخمس خلال العقدين الماضيين، بالوسائل التقليدية، مثل استخدام قمين أكثر كفاءة، ومصادر طاقة أنظف للتسخين، وصنع الأسمنت بكلنكر أقل.
ويقدر أن الصناعة يمكن أن تخفض الانبعاثات 30 في المائة أخرى باستخدام هذه الأساليب، ولكن ليس حتى الصفر. يقول رايلي، “لقد قطفت كثير من الثمار الدانية. ولا يزال هذا يترك 70 في المائة من الانبعاثات التي لم نعالجها – وبالنسبة لهذه الـ70 في المائة نحتاج إلى بعض الأساليب الجديدة”.
كل من يجد الحل الرابح سيستفيد بشكل كبير من صناعة تبلغ قيمتها 300 مليار دولار سنويا.
طورت “كاربون كيور” شركة ناشئة في كندا، آلة إضافية تقوم بحقن ثاني أكسيد الكربون عند مرحلة خلط الأسمنت بالماء والرمل لصنع الخرسانة. هذا يخزن بشكل دائم ثاني أكسيد الكربون ويجعل الخرسانة أقوى.
يوضح روب نيفن، المؤسس والرئيس التنفيذي، أن هدفه تخزين 500 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا. تستخدم معداتها في أكثر من 400 موقع لخلط الخرسانة، وتحظى بدعم المستثمرين بما في ذلك “ميتسوبيشي”
و”مايكروسوفت” و “أمازون”.
تحصل “كاربون كيور” على إيرادات من رسوم الترخيص من شركات البناء التي تستخدم تقنياتها، وكذلك من بيع أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها لثاني أكسيد الكربون الذي تم احتجازه.
يقول نيفن، “تتمثل مهمتنا في إيجاد قيمة من جزيئات ثاني أكسيد الكربون وتخزينها بعيدا بشكل دائم، بحيث لا تذهب أبدا إلى الغلاف الجوي وتسهم في تغير المناخ”.
في “سوليديا”، يتبع كالبفلايش نهجا مختلفا، أسلوب ينتج رصف خرسانية، مثل تلك المستخدمة في تنسيق المواقع الطبيعية، عن طريق معالجة المادة في حجرة من ثاني أكسيد الكربون.
يبين كالبفلايش قائلا، “يتفاعل أسمنت سوليديا مع ثاني أكسيد الكربون، وتستخدم القليل جدا من الماء في عملية الخرسانة مسبقة الصب، مقارنة بالخرسانة التقليدية”. ويضيف، “نحو 3 إلى 5 في المائة من وزن المنتج النهائي عبارة عن كربون صلب”.
شركة ناشئة أخرى “كاربون بيلت”، لها روابط مع جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، تعمل على تطوير طوب خرسانية تستخدم مواد خام أقل كثافة من حيث الكربون، ويتم تقويتها باستخدام ثاني أكسيد الكربون الناتج عن غاز المداخن.
يقول راهول شندور، الرئيس التنفيذي، إن العملية تتطلب استثمارا رأسماليا أوليا يبلغ نحو مليون دولار لكل خط إنتاج طوب، مع فكرة أن الشركات توفر المال بمرور الوقت باستخدام مواد خام أرخص. يضيف، “بمجرد إدخال نفقات رأس المال، يكون الصنع أرخص من الخرسانة التقليدية”.
يتمثل أحد التحديات التي تواجه جميع شركات الأسمنت “الخضراء” الناشئة في أنه في الوقت الحالي، تمتلك شركات الأسمنت الكبيرة القليل من الحوافز المالية لتقليل انبعاثاتها.
أوروبا استثناء، حيث يتعين على شركات الأسمنت شراء تراخيص لتغطية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الخاصة بها ويمكنها توفير المال إذا كانت تنتج أقل. ولكن في كثير من البلدان الأخرى، مثل الولايات المتحدة، لا توجد سياسات قائمة بعد لتشجيع صانعي الأسمنت على الدفع مقابل بدائل أكثر مراعاة للبيئة.
يقول رايلي، “ليس هناك كثير من اللوائح اليوم (التي تتطلب خفض الانبعاثات). في مرحلة ما فقط، سيعتمد الترخيص الاجتماعي للعمل على فعل (المنتجين) لشيء من هذا القبيل”.
يتسابق كثير من أكبر صانعي الأسمنت في العالم لفك التركيبة تحسبا لقواعد أكثر صرامة يمكن فرضها عليهم.
في “هولسيم”، الهدف هو خفض انبعاثات المواد الشبيهة بالأسمنت من 561 كيلوجراما من ثاني أكسيد الكربون للطن في عام 2019، إلى 550 كيلوجراما بحلول عام 2022، إلى 475 كيلوجراما بحلول عام 2030.
يقول ماجالي أندرسون، كبير مسؤولي الاستدامة فيها، إن “هولسيم” تعمل بمواد مختلفة، مثل الطين المكلس، لتصنيع الأسمنت بانبعاثات أقل، إضافة إلى أساليب أخرى. تتشارك “هولسيم” أيضا مع “سوليديا” لإنتاج الخرسانة في الولايات المتحدة.
في حين أن هذه التغييرات ستساعد على الوصول إلى أهدافها للانبعاثات على المدى القريب، يقول أندرسون إن استخدام حلول احتجاز الكربون سيكون ضروريا على المدى الطويل. “هولسيم” لديها أكثر من 20 مشروعا تجريبيا قيد التنفيذ لاختبار طرق مختلفة لاحتجاز الكربون من عملية الأسمنت.
حتى مع تحسن هذه التقنيات، سيظل إنتاج أسمنت خال من الكربون مكلفا. إلى جانب قطاعات مثل الطيران والشحن، من المرجح أن يظل الأسمنت ببساطة واحدة من أصعب الصناعات لإزالة الكربون، حسبما يوضح اللورد أدير تيرنر، رئيس لجنة تحولات الطاقة.
يقول، “بالنسبة للأسمنت، كانت حساباتنا أن الوصول (إلى صافي الصفر) يمكن أن يضاعف تكلفة الأسمنت، ما يؤدي إلى زيادة 30 في المائة في تكلفة الخرسانة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة البناء 3 في المائة. لذا فهي صغيرة ولكنها ليست بسيطة”.
ويضيف تيرنر، “لذلك فهي تثير تساؤلات حول من سيدفع مقابل ذلك، ومن سيكون على استعداد لدفع مزيد مقابل مبنى مصنوع من أسمنت خال من الكربون. إنه يمثل تحديا أكبر مما هو عليه الحال بالنسبة للسيارات والصلب”.