اهتمام متزايد بالعملات الرقمية لمدفوعات التجزئة لدى الدول العربية
أهمية مراجعة النصوص التشريعية القائمة، حيث يمثل تعريف عملات البنوك المركزية الرقمية وتحديد العملة القانونية في النصوص كعملة تسوية نهائية، أهم التحديات القانونية
58 في المائة من المصارف المركزية العربية المُستجيبة للإستبيان تأخذ في الاعتبار تقنيات السجلات الموزعة وسلسلة الكتل لتفعيل عملات البنوك المركزية الرقمية، و88 في المائة منها تنظر أيضاً في بدائل أخرى من خلال تحديث منظومة المدفوعات مثل المدفوعات الفورية وواجهات برمجة التطبيقات
تفاوت الدول العربية في التحضير لتقييم فرص تبني وتفعيل العملة الرقمية، بعضها أنشأ لجان مُخصصة، وهناك من بدأ بدراسة حالات الاستخدام، كما هناك مصارف مركزية انتقلت لمرحلة التجارب
الحاجة لتعزيز وتسريع فرص وصول المستخدم النهائي إلى الخدمات المالية الرقمية وتقديم المزيد من الحلول المبتكرة وبأسعار تنافسية للحد من مخاطر الاستبعاد المالي وتحسين كفاءة المعاملات
يُمكّن التصميم ثنائي المستوى لعملات البنوك المركزية الرقمية لمدفوعات التجزئة من تخفيف المخاطر، إذا لم يتم تضمين البنوك التجارية في نظام العملة الرقمية للبنوك المركزية
تفعيل الهوية الرقمية، والموازنة بين خصوصية البيانات ومكافحة الأنشطة المالية غير المشروعة، ووضع قيود على الأرصدة ومبالغ المعاملات لضبط حجم العملات الرقمية المتداولة، تمثل أهم السياسات المُقترحة
أصدر صندوق النقد العربي اليوم الأثنين 21 فبراير(شباط) 2022 “دليل عملي للمصارف المركزية العربية حول إصدار العملات الرقمية”، المعد في إطار أعمال مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة. يأتي إصدار الدليل في إطار مساعي الصندوق المتواصلة لدعم جهود المصارف المركزية العربية في توجههم نحو تقييم إمكانية إصدار عملات البنوك المركزية الرقمية، بما يتناسب مع أهداف البنك المركزي والموارد المُتاحة والآثار المُستهدفة، أخذاً في الإعتبار الظروف الخاصة بكل دولة، والبنية التحتية، وكذلك الأطر القانونية والتنظيمية ذات الصلة.
يسترشد الدليل بأحدث التطورات في الدول العربية من واقع إجابات 17 مصرف مركزي عربي على الاستبيان الذي أعده الصندوق، حيث أظهرت النتائج اهتماماً متزايداً على مستوى المنطقة العربية بتقييم عملية إصدار البنوك المركزية لعملات رقمية، وإنما لا يزال النقاش في مرحلة الاستكشاف والدراسة. حيث لم يقرر بعد 11 مصرف مركزي عربي، من ضمن المصارف المركزية العربية المُستجيبة للإستبيان، نوع العملة الرقمية التي يستهدف المصرف المركزي إصدارها، في حين أشارت البنوك المركزية الستة الأخرى إلى العملات الرقمية لمدفوعات الجملة ومُختلف أنواع العملات الرقمية لمدفوعات التجزئة، تحديداً العملات الرقمية المُختلطة للبنوك المركزية (Hybrid)، والتجزئة المباشرة، والعملات الرقمية المُركبة (Synthetic). تعكس هذه الردود الإهتمام بالعملات الرقمية لمدفوعات التجزئة في إطار مساعي تعزيز الشمول المالي.
في هذا السياق، تشير الدوافع الرئيسة التي تحفز المصارف المركزية العربية على التفاكر حول مشروع العملة الرقمية إلى أهمية (1) تعزيز الاقتصاد غير النقدي والانتقال للخدمات المالية الرقمية، (2) رفع كفاءة تتبع المعاملات، (3) تعزيز تحويلات العاملين، (4) تسريع وتيرة الشمول المالي.
يشير الدليل لعدد من التحديات القانونية التي تدركها المصارف المركزية العربية في سبيل الإعداد لإصدار العملات الرقمية، أهمها على التوالي: تعريف عملات البنوك المركزية الرقمية في القانون، وتحديد العملة القانونية بشكل واضح، وتعيين العملة الرقمية للبنك المركزي كعملة تسوية نهائية، وإجراء بعض التعديلات على النصوص التشريعية الحالية، إضافة لقضايا اليقين القانوني في نقل القيمة، والتوزيع الواضح للأدوار والمسؤوليات والتكاليف والتزامات مختلف الأطراف.
علاوة على ذلك، تُظهر النتائج أن 58 في المائة من المصارف المركزية العربية المستجيبة للإستبيان تعتبر تقنية السجلات الموزعة وسلسلة الكُتل المصرح بها (Permissioned)، كتقنية لتفعيل عملات البنوك المركزية الرقمية. بينما يرى 11 في المائة إستخدام السجلات الموزعة العامة (Public) العامة، في حين أشار 31 في المائة من البنوك المركزية إلى تحديث نُظم الدفع باستخدام قاعدة البيانات التقليدية.
يوضح الدليل أن المصارف المركزية العربية اتخذت مبادرات مختلفة بهدف تقييم عملية إصدار العملات الرقمية، على سبيل المثال: (1) إنشاء لجان مُخصصة لتقييم إطلاق مرتقب للعملات الرقمية، (2) دراسة حالات الاستخدام وتقييم الأساليب المختلفة لتبني وتشغيل العملات الرقمية، (3) إضافة إلى ترتيبات تجربة مشروع العملة الرقمية.
يشرح الدليل من جانب آخر، بدائل أخرى قد تحد من الحاجة لإصدار عملات رقمية، عبر تحديث نظم المدفوعات الأخرى، على سبيل المثال لا الحصر، تحسين بروتوكولات المراسلات، وتوافق أنظمة الدفع في الوقت الفعلي (RTP) بهدف التشغيل البيني، إضافة إلى ترميز الأصول (سواءً منها القابلة للاستبدال، وغير القابلة للاستبدال). حيث أظهرت الردود على الاستبيان أن 88 في المائة من المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية تعمل على دراسة مشاريع لبدائل أخرى للعملات الرقمية من التركيز على تحديث منظومة الدفع المحلية، مثل واجهات برمجة التطبيقات (APIs) أو المدفوعات الفورية.
يُسلط الدليل الضوء من جانب آخر، على مفهوم شبكة الإلتزامات المُنظمة (RLN)، التي تتجاوز مفهوم عملات البنوك المركزية الرقمية، إلى إطار أوسع، بما في ذلك أموال البنك المركزي على شكل رموز (tokenized)، وأموال البنوك التجارية، والأموال الإلكترونية، ذلك باستخدام تقنية السجلات الموزعة وجعلها قابلة للاستبدال على الشبكات المالية.
كذلك يعرض الدليل مُختلف مشاريع عملات البنوك المركزية الرقمية لعدة دول حول العالم، التي تم إنجازها مؤخراً والدروس المستفادة منها، بهدف تسليط الضوء على التصاميم المختلفة لتلك العملات، ومُختلف الخيارات التقنية، والمبادرات المتنوعة لتخفيف المخاطر، والسياسات والقرارات الرئيسة في كل حالة.
إضافة إلى ما سبق، يُسلط الدليل الضوء على مجموعة من السياسات التي يمكن صياغتها عند تصميم العملة الرقمية وفقًا للظروف الخاصة بكل دولة، كما يلي: (أ) تبني التصميم ثنائي المستوى(two-tier) للعملات الرقمية الخاصة بمدفوعات التجزئة، للتخفيف من مخاطر عدم الوساطة المالية، إذا لم يتم تضمين البنوك التجارية في نظام العملة الرقمية للبنوك المركزية، إستناداً للتجارب الحالية الخاصة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية، (ب) إدخال قيود على الأرصدة ومبالغ المعاملات للتحويل إلى الحسابات/ المحافظ، بموجب عدة فرضيات، ومبالغ المعاملات، للسيطرة على حجم العملات الرقمية المتداولة، (ج) تفعيل الهوية الرقمية وتكاملها مع أنظمة الدفع، ( د) الموازنة بين الحفاظ على خصوصية البيانات الشخصية ومكافحة الأنشطة المالية غير المشروعة، حتى في حالة عملات البنوك المركزية الرقمية مجهولة الهوية، وهي العملات الرقمية القائمة على آليات الترميز، (ه) توسيع قاعدة المؤسسات المسموح لها بإلحاق العملاء وضمان تدابير “اعرف عميلك” الخاصة بهم، (و) التخفيف من مخاطر الإقصاء المالي، من خلال تسريع معدل وصول المُستخدم النهائي إلى الخدمات المالية وتوفير حلول مالية متنوعة للمُستخدم النهائي، لا سيما الشرائح الهشة من أفراد المجتمع، وكذلك (ز) تعزيز إطار أمن الفضاء الإلكتروني باعتباره حجر الزاوية في نظام العملات الرقمية للمصارف المركزية.
إضافة إلى ماتقدم، يوضح الدليل مفهوم إجراء التجارب كوسيلة فعّالة، ليس فقط للوصول إلى إختيار مناسب للتصميم، والسمات التقنية، وخيارات التقنيات لهيكل العملة الرقمية، فضلاً عن تقييم المخاطر المرتبطة بها والتخفيف من حدتها، بل أيضاً لتحديد التعديلات القانونية والتنظيمية اللازمة المتعلقة بإصدار عملات البنوك المركزية الرقمية، وأفضل طريقة لتفعيلها مع الحفاظ على التكلفة والوقت.
أخيراً، ينتهي الدليل بشجرة قرارات تهدف إلى دعم المصارف المركزية العربية في عملية صنع القرار، أثناء مراحل عملية تقييم إصدار عملات رقمية، بدءًا من تحديد الدوافع لإطلاق عملة رقمية، ووصولاً إلى اختيار التصميم الأنسب للعملة الرقمية التي تتوافق مع أهداف وموارد البنوك المركزية.
تجدر الإشارة إلى أن الدليل تم إعداده من قبل مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة في الدول العربية، بمشاركة عدد من المصارف المركزية العربية الأعضاء في المجموعة. كما تم عرضه ومراجعته من قبل المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.
بمناسبة إصدار دليل العملات الرقمية للمصارف المركزية العربية، أشاد معالي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، بمبادرات مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة في الدول العربية في إصدار مبادئ إرشادية وأوراق سياسات لتقديم المشورة في مجالات التقنيات المالية الحديثة والخدمات المالية الرقمية، بهدف المساهمة في تعزيز الخدمات المالية الرقمية ودعم الابتكارات والوصول إلى الخدمات المالية الرسمية. كما أعرب معاليه عن أمله أن يُساهم الدليل في التعريف بمتطلبات وتحديات مشاريع إصدار عملات رقمية للمصارف المركزية. كما شدد على أهمية التعاون المستمر بين مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة في الدول العربية وجميع الأطراف ذات العلاقة.
يمكن الاطلاع على الدليل بالضغط على الرابط التالي: