تقود “كليفلاند كلينك” التجارب السريرية على العلاج الجيني كعلاج محتمل لمرض فقر الدم المنجلي، بينما تعمل الأدوية الجديدة على تحسين جودة حياة الأشخاص المصابين باضطراب الدم الوراثي
بالتزامن مع اليوم العالمي لمرض فقر الدم المنجلي الذي حددته الأمم المتحدة في 19 يونيو من كل عام، تخطو كليفلاند كلينك، منظومة الرعاية الصحية العالمية، خطوات كبيرة في تجربة سريرية مخصصة لتقييم مدى فعالية استخدام علاج تحرير الجينات كعلاج محتمل للمرض. ووفقاً للباحث الرئيسي المشرف على التجربة السريرية، تشكل هذه التجربة أحد التطورات الحديثة المهمة التي يمكنها مساعدة المرضى الذين يعانون من اضطراب الدم الوراثي.
وأشار الدكتور ربيع حنّا، أخصائي أمراض الدم وأورام الأطفال في مستشفى كليفلاند كلينك للأطفال إلى أن التعامل مع مرض فقر الدم المنجلي يشهد حالياً تطورات لافتة ومثيرة ولا سّيما مع التقدم الذي تم تحقيقه في مجال الأبحاث وتطوير علاجات جديدة من شأنها منح ملايين المرضى حول العالم أملاً حقيقياً بالتعافي. لافتاً إلى أن مرض فقر الدم المنجلي يمكن أن يؤثر بشدة على جودة حياة المرضى ويحد من إمكاناتهم بسبب نوبات الألم الشديدة وتلف الأعضاء الطرفية وانخفاض متوسط العمر المتوقع، حيث يمكن للأدوية تخفيف شدة المرض وعلاج الأعراض التي يسببها، ولكن متوسط عمر المريض يكون عادةً في منتصف الأربعينيات، ولهذا من المهم للغاية الوصول إلى علاج فعّال لهذا المرض.
ويتسبب التغيير الجيني في الحمض النووي لدى الأشخاص المصابين بهذا المرض في حدوث تغير كيميائي في الهيموجلوبين – وهو بروتين أحمر مسؤول عن نقل الأكسجين في الدم – ما يؤدي إلى تحوّل الخلايا إلى ما يشبه شكل “المنجل” بدلاً من شكلها الطبيعي المستدير، الأمر الذي يعيق مرورها بسهولة عبر الأوعية الدموية، كما يمكنها أيضاً أن تسدَّ الأوعية أو تتفكك، ما يؤدي إلى انخفاض عمر خلايا الدم الحمراء وزيادة معدل تخزين الحديد في الكبد والقلب. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إصابة المريض بمضاعفات خطيرة مثل تليف الكبد وفشل الكبد والسكتة الدماغية واعتلال عضلة القلب وفشل القلب هذا بالإضافة إلى الآلام الشديدة.
ولفت الدكتور حنّا إلى أنه وعلى الرغم من أن تاريخ اكتشاف مرض فقر الدم المنجلي يعود إلى العام 1910، إلا أنه لم يكن هناك سوى القليل من الأبحاث أو التقدم في علاجه حتى العقود الأخيرة. وبداية من تسعينيات القرن الماضي، بدأ الأطباء بتقديم خيارات علاجية للمصابين بهذا المرض مثل عمليات زراعة الدم أو النخاع، ولكن في الواقع من الصعب العثور على متبرع متطابق كما أن هناك مخاطر كبيرة مرتبطة بهذا النوع من العلاجات. وفي السنوات العشر الماضية، تم توسيع نطاق مجموعة المتبرعين المحتملين بفضل الإجراءات الجديدة لعمليات زراعة الأعضاء المتطابقة التي ابتكرتها مراكز صحية مثل كليفلاند كلينك، لكن المخاطر الكبيرة المرتبطة بالعمليات لا تزال تمثل مشكلة.
وأوضح الدكتور حنّا هذه المخاطر قائلاً: “أولاً، تتراوح نسبة مخاطر عدم تقبل جسم المريض للخلايا الممنوحة بين 5٪ إلى 10٪. ثانياً، هناك خطر الإصابة بمرض الطعم حيال المضيفgraft-versus-host disease ، والذي يحدث عندما يهاجم نخاع عظم المتبرع أو الخلايا الجذعية المتلقي. ولتفادي مثل هذه الحالة، يتم إعطاء المريض أدوية قوية مثبطة للمناعة، ولكن لا يزال هناك خطر كبير للإصابة بمرض الطعم حيال المضيف”.
وأضاف الدكتور حنّا: “في المقابل يعتمد العلاج الجيني على الخلايا الجذعية الخاصة بالمريض، وبالتالي، يتم التخلص من مخاطر عدم تقبل المريض للخلايا أو احتمالية الإصابة بمرض الطعم حيال المضيف. ومن الفوائد الأخرى للعلاج الجيني أن المرضى لن يحتاجوا إلى أدوية مثبطة للمناعة، لذا سيعمل جهاز المناعة لديهم بشكل طبيعي، وهو أمر مهم بشكل خاص خلال الجائحة. بالإضافة إلى ذلك، بينما يحتاج المرضى إلى العلاج الكيميائي لتعزيز جهوزية الجسم سواءً عند إجراء عمليات زراعة تقليدية أو عمليات العلاج الجيني، فإن العلاج الكيميائي المستخدم في العلاج الجيني يكون أقل قوة”.
وتابع الدكتور حنّا: “يمثل العلاج الجيني تقنية رائدة تعمل عن طريق استبدال أو تعطيل الجينات المسببة للأمراض. ونقوم في تجربتنا السريرية التي نجريها حالياً بإدخال جينات صحية وسليمة في الجسم بهدف تصحيح التشوهات الجينية لخلايا الدم الحمراء. ومن خلال تمكين الخلايا من إنتاج المزيد من الهيموجلوبين الجنيني، فإن هذا العلاج لديه القدرة على علاج مرض فقر الدم المنجلي بطريقة دقيقة”.
ويتم خلال هذه الدراسة جمع الخلايا الجذعية من المرضى لتحرير الجينات في المختبر، ومن ثم يتم علاج المرضى بالعلاج الكيميائي لتدمير ما تبقى من النخاع العظمي وإفساح المجال أمام الخلايا التي تم إصلاحها وضخها مرة أخرى في الجسم. وسيخضع المرضى للعلاج في أوقات مختلفة وستتم مراقبتهم عن كثب بعد ذلك لمدة تصل إلى عامين لمعرفة ما إذا كانت هناك أي آثار جانبية طويلة المدى قبل الإعلان عن النتائج النهائية للتجربة.
وأشار الدكتور حنّا إلى أن المرضى الذين يعانون من مرض فقر الدم المنجلي سيستفيدون في غضون ذلك من الأبحاث الحديثة الأخرى التي ساهمت لأول مرة بعد سنوات عديدة في تطوير أدوية جديدة. ومن الأدوية التي تمت الموافقة عليها من جانب إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) خلال عامي 2019 و2021 على التوالي، دواء crizanlizumab والذي يعمل على تقليل الآلام والمضاعفات الشديدة، ودواء voxelotor الذي يساعد على استعادة الوظائف الطبيعية لخلايا الدم الحمراء وتوصيل الأكسجين إلى الأنسجة والذي يساعد بالتالي على تخفيف الألم.
واختتم الدكتور حنّا بالقول:”بالنسبة للمرضى والمجتمع الطبي، هناك الكثير من النتائج التي تدعو للتفاؤل بالتزامن مع اليوم العالمي لمرض فقر الدم المنجلي هذا العام. فبعد التقدم الطفيف في طرق علاج المرض خلال القرن الماضي، يحظى المرض الآن باهتمام متزايد من جانب مراكز الرعاية الصحية، ومن المقرر أن تساهم المشاريع البحثية الحالية في إحداث فرقٍ حقيقي في حياة المرضى”.
ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 5٪ من سكان العالم يحملون جينات السمات المسببة لاضطرابات الهيموجلوبين، وخاصة مرض فقر الدم المنجلي والثلاسيميا. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن هذا لا يعني أنهم سيصابون بالمرض. وتشير التقديرات إلى أن 300000 طفل يولدون سنوياً مع اضطرابات شديدة في الهيموجلوبين. وتعتبر الهند وبعض بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا من بين تلك التي ينتشر فيها مرض فقر الدم المنجلي.