نجح أطباء في مستشفى كليفلاند كلينيك، منظومة الرعاية الصحية العالمية، في إجراء أول عملية زراعة أعضاء متعددة كاملة على مستوى العالم لمريض مصاب بنوع نادر من سرطان الزائدة الدودية يسمى الورم المخاطي الصفاقي الكاذب (PMP). وبلغ عدد الأعضاء التي تم زرعها في الجهاز الهضي للمريض خمسة أعضاء وهي: الكبد والمعدة والبنكرياس والاثني عشر والأمعاء الدقيقة.
وقاد الدكتور أنيل فايديا، المدير المشارك لبرنامج زراعة الأمعاء في مستشفى كليفلاند كلينيك فريق الجراحين المكون من سبعة أطباء والذين نجحوا في إجراء العملية النادرة لرجل يبلغ من العمر 32 عاماً وذلك في شهر سبتمبر من العام المنصرم 2021.
وقال الدكتور فايديا: “كان المريض يعاني من واحدة من أكثر الحالات المتقدمة لمرض الورم المخاطي الصفاقي الكاذب التي صادفتها في حياتي. وفي حين أنه يمكن علاج حوالي 80٪ من المرضى الذين يعانون من هذه الحالة بالعلاجات التقليدية، ولكن كيف يمكن التعامل مع الـ 20٪ من المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج التقليدي؟ في بعض الحالات، قد تكون الإجابة هي زراعة أعضاء متعددة”.
وأزال الفريق الجراحي في كليفلاند كلينك خلال العملية الدقيقة والمعقدة التي استغرقت حوالي 17 ساعة الأعضاء المتضررة في جسم المريض، ومن ثم قاموا بزراعة الأعضاء الجديدة من المتبرع المتوفى في الوقت نفسه: وهي الكبد والمعدة والبنكرياس والاثني عشر والطحال والأمعاء الدقيقة والقولون الأيمن. وقام الأطباء في البداية بزراعة طحال المتبرع في جسم المريض لتعزيز الحماية المناعية للأعضاء المزروعة حديثاً وتحسين تدفق الدم إلى البنكرياس حتى الانتهاء من زرعه. وتمت زراعة القولون الأيمن من المتبرع في البداية للمساعدة في حماية الأمعاء الجديدة من العدوى وتحسين قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية. وقبل الانتهاء من زراعة الأعضاء الأخرى تمت إزالة الطحال والقولون الأيمن اللذين زُرعا بدايةً في جسم المريض وذلك بعد نجاحهما في حماية الأعضاء الأخرى أثناء العملية.
وقال الدكتور فايديا: “وفقاً لما نعرفه حتى الآن، تعتبر هذه هي المرة الأولى في العالم التي يتم فيها إجراء عملية زراعة أعضاء متعددة كاملة، بما في ذلك الكبد وأربعة أعضاء أخرى في الجهاز الهضمي للمريض لعلاج حالة إصابة بمرض الورم المخاطي الصفاقي الكاذب”.
وقبل انضمامه إلى مستشفى كليفلاند كلينك في عام 2020، أجرى الدكتور فايديا في إنجلترا أول عملية زراعة أعضاء متعددة معدلة في العالم (باستثناء الكبد) لعلاج مريض مصاب بمرض الورم المخاطي الصفاقي الكاذب وذلك بعد استنفاد جميع الخيارات العلاجية الأخرى.
ويُعد الورم المخاطي الصفاقي الكاذب أحد أنواع أمراض السرطان النادر والتي تنشأ عادةً على شكل ورم في الزائدة الدودية. وعندما يتمزق الورم بطيء النمو، ينتشر محتواه الشبيه بالهلام إلى أعضاء الجهاز الهضمي الأخرى، مع تطور أورام إضافية تؤثر على وظائف الجهاز الهضمي، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة المريض بسوء تغذية ومضاعفات أخرى تهدد حياته.
وكان المريض الذي أُجريت له العملية، قد بدأ رحلته العلاجية بعد تشخيص أصابته بهذا المرض النادر في عام 2019، حيث كان واحداً من بين 20٪ من المرضى الذين يعانون من مرض الورم المخاطي الصفاقي الكاذب والذين لم يستفيدوا من العلاجات التقليدية. وفي كثير من الأحيان، لا تتوفر لهذه المجموعة من المرضى سوى خيارات علاج قليلة أو معدومة.
وتمت إحالة المريض إلى مستشفى كليفلاند كلينك في عام 2021 في المرحلة النهائية من مرضه، حيث كان يتلقّى رعاية منزلية مكثّفة في ذلك الوقت. وتوقف المريض عن العمل ولم يُعد بإمكانه تناول الأطعمة الصلبة، وإنما كان يتلقى المغذيات عن طريق الوريد من خلال ما يُعرف بالتغذية الوريدية الكاملة (TPN).
وأوضح الدكتور فايديا أن الفريق الطبي المسؤول في المستشفى أجرى تقييماً شاملاً لحالة المريض لتحديد ما إذا كانت عملية زراعة الأعضاء مناسبة وآمنة لحالته ويمكن أن توفر فوائد طويلة الأجل. وبعد الانتهاء من التقييم ودراسته، حصل الفريق على موافقة لجنة اختيار زرع الأمعاء في مستشفى كليفلاند كلينك للمضي قدماً في الإجراءات، وتم وضع المريض على قائمة الانتظار الوطنية لزراعة الأعضاء في شهر يوليو من العام 2021.
وأشار الدكتور فايديا إلى أن حالة المريض بدأت بالتدهور بسرعة كبيرة، حيث كان بحاجة ماسة إلى كبد وأربعة أعضاء أخرى في الجهاز الهضمي. وكان من الضروري تسريع إجراء عملية الزراعة. في سبتمبر 2021، تم العثور على متبرع، وبعد أقل من 24 ساعة، تم إخضاع المريض للعملية الجراحية، حيث كانت الساعات الثلاث الأولى تحضيرية، تم خلالها إزالة الأعضاء المتضررة من البطن، وقام الفريق بعد ذلك بزراعة أعضاء المتبرع في تجويف بطن المريض وإجراء جميع الوصلات الوعائية الضرورية وإنشاء فغر اللفائفي على الجانب الأيسر للتعامل مع الفضلات الجسدية والسماح للجسم بالتعافي من الجراحة.
وأضاف الدكتور فايديا: “لقد تم التخطيط بشكل جيد للعملية وأجريت على نحو دقيق للغاية. وكان أعضاء الفريق يعرفون بالضبط ما عليهم فعله، كما أن توقيت العملية كان مثالياً حقاً، لذا سارت الأمور بشكل جيد”.
“تعافٍ مذهل”
بعد إجراء عملية زراعة الأعضاء المتعددة، بقي المريض في المستشفى لمدة 51 يوماً. وبعد فترة وجيزة من خروجه، عاد إلى المستشفى لأنه كان يعاني مما يُعرف بـ “حالة الطعم حيال المضيف”، وهي حالة شائعة بعد عمليات زراعة الأمعاء أو النخاع العظمي حيث تُعامل الخلايا المناعية الموجودة في أعضاء المتبرع أنسجة المتلقي على أنها غريبة وتقوم بمهاجمتها.
وخضع المريض حينها لعملية متقنة أجرتها الدكتورة إيمي لايتنر، أخصائية جراحة القولون والمستقيم ومديرة مركز كليفلاند كلينيك للطب التجديدي والجراحة، والتي قامت بإعطاء المريض ثلاث جرعات من الخلايا الجذعية الوسيطة (MSC)، وهو أول علاج على الإطلاق يتم استخدامه في زراعة الأعضاء الصلبة – وهو الأول من نوعه أيضاً لمريض خضع لعملية زراعة أعضاء متعددة كاملة لعلاج الورم المخاطي الصفاقي الكاذب.
ولفت الدكتور فايديا إلى أن رحلة تعافي المريض كانت رائعة للغاية، حيث خفت الأعراض التي كان يعاني منها في غضون ساعتين من تلقيه الجرعة الأولى من الخلايا الجذعية الوسيطة. وبعد تسعة أشهر من عملية زراعة، بات بإمكان المريض البالغ من العمر 33 عاماً تناول الأطعمة الصلبة وهضمها مرة أخرى، فضلاً عن عودته لممارسة الأنشطة اليومية التي يحبها بما في ذلك المشي وركوب الدراجات في الهواء الطلق. والأمر الجيد حالياً أن لا يوجد أي إشارة على تكرار إصابته بالسرطان”.