ترويض التضخم المتفاقم، هو الشاغل الأساسي للـبنوك المركزية حول العالم، التي اتخذت خطوات متسارعة بتشديد السياسات النقدية ورفع الفائدة، للحد من زيادات الأسعار التي فاقمتها الأزمة الروسية الأوكرانية واستمرار بعض تداعيات وباء كورونا.
ويبقى السؤال المطروح حاليا، هل تنجح البنوك المركزية وحدها في كبح التضخم، أم أن هناك أطراف أخرى لابد أن تساهم في معركة السيطرة على ارتفاع الأسعار؟!
ذكرت دراسة مقدمة لصناع السياسات في ندوة جاكسون هول بـ الولايات المتحدة أن البنوك المركزية ستفشل في الحد من التضخم وربما تدفع الأسعار للارتفاع ما لم تبدأ الحكومات في لعب دورها بتحسين سياساتها المالية المتعلقة بميزانياتها.
وفتحت الحكومات في جميع أنحاء العالم خزائنها خلال جائحة كوفيد-19 لدعم الاقتصادات، لكن هذه الجهود ساعدت في دفع معدلات التضخم للارتفاع إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من نصف قرن، مما زاد من خطر ترسخ زيادة الأسعار بوتيرة سريعة.
وترفع البنوك المركزية حاليا أسعار الفائدة، لكن الدراسة الجديدة، التي جرى تقديمها أمس السبت في ندوة جاكسون هول الاقتصادية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في مدينة كانساس، رأت أن سمعة البنوك المركزية في مكافحة التضخم ليست حاسمة في مثل هذا السيناريو.
وقال فرانشيسكو بيانكي من جامعة جونز هوبكنز وليوناردو ميلوسي من فرع المركزي الأمريكي في شيكاغو: “إذا لم يكن التشديد النقدي مدعوما بتوقع التعديلات المالية المناسبة، فإن تدهور الاختلالات المالية سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية”.
وذكرت الدراسة أن “نتيجة لذلك، ستنشأ حلقة مفرغة من ارتفاع أسعار الفائدة الاسمية وارتفاع التضخم والركود الاقتصادي وزيادة الديون… في هذا الوضع غير الصحي، من شأن التشديد النقدي في الواقع أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم وإلى حدوث ركود تضخمي ضار بالمالية العامة”.
وقال معدا الدراسة إنه للسيطرة على التضخم، يجب أن تعمل السياسة المالية جنبا إلى جنب مع السياسة النقدية وطمأنة الناس بأنه بدلا من التخلص من الديون، فإن الحكومة ستزيد الضرائب أو تخفض النفقات.
وفي نفس السياق، قال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ، يوم الجمعة، إن الاقتصاد العالمي ربما يدخل في مستنقع الركود التضخمي لبعض الوقت، ما لم تتمكن الاقتصادات الكبرى من زيادة الإنتاج بمعدلات قوية.
وأوضح مالباس، أن تحركات البنوك المركزية بتشديد السياسات النقدية ورفع الفائدة، تسهم في الحد من الطلب، لكن من المهم أيضا أن يجري العمل على جانب العرض، بزيادة الإنتاج، وإتاحة السلع والخدمات بوفرة للمساهمة في الحد من التضخم.