غالباً ما ينظر إلى السرعة والاتساق وخفض التكلفة كفوائد أساسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، إلا أن القدرة على التخصيص هي إحدى الفوائد الهامة التي غالبًا ما يتم تجاهلها، فتخصيص خدمات الرعاية الصحية وفقًا للاحتياجات والتفضيلات الفردية للمرضى يعد عاملاً أساسياً لتقديم خدمات صحية شاملة ومتكاملة وعالية الجودة، وتمتاز تقنيات الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تعزيز هذا العامل والارتقاء به بشكل كبير.
وعادةً ما يستخدم الخبراء الإحصاءات لتوضيح تأثير الذكاء الاصطناعي على نظام الرعاية الصحية الذي يواجه العديد من التحديات المعقدة. من المتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي في إيجاد الحلول لهذه التحديات من خلال مجموعة من التقنيات الثورية الجديدة التي تجعل حل المشكلات أسرع وأكثر اتساقًا وفعالية من حيث التكلفة لجميع العاملين في قطاع الرعاية الصحية بداية من مطوري الأدوية إلى الشركات المزودة لخدمات الرعاية الصحية.
وبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي لن يكون علاجًا سحريًا لجميع الآلام والمعاناة البشرية في العالم بين عشية وضحاها، إلا أنه يتمتع بالقدرة الكبيرة على مساعدتنا في فهم قضايا علوم الحياة المعقدة جداً، والتي كانت في السابق تستغرق شهورًا وسنوات وأحيانًا حتى عقودًا لفهمها والتغلب عليها.
وبفضل الشراكات والجهود المشتركة التي يشهدها قطاع الرعاية الصحية مؤخراً، باتت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أول جامعة تركز على بحوث الذكاء الاصطناعي في العالم، تستقطب اهتماماً كبيراً لرسالتها الفريدة المتمثلة بإجراء الأبحاث الهامة والرئيسية لتطوير أفضل الحلول المخصّصة والدقيقة والتي تسهم في النهوض بالمجتمع وتنميته.
وعقدت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مؤخراً اتفاقية بحثية تمتد لخمسة أعوام مع شركة “آي بي تي” (إنفنت برين تكنولوجي) المتخصصة في تكنولوجيا العلوم العصبية، حيث سيعمل الجانبان بموجبها على إنشاء مختبر بحثي مشترك من أجل تطوير علاجات مخصصة لصحة دماغ الإنسان عبر تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وسيسهم هذا التعاون بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وشركة “آي بي تي” في الجمع بين قدرات الشركة المتخصصة في تطوير العلاجات الرقمية وتسويقها من جهة، وخبرة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي من جهة أخرى، بهدف الوصول إلى علاجات أكثر فعالية مخصصة للمرضى الذين يعانون من مشكلات في الدماغ واضطرابات عقلية. ويعد هذا النهج الشخصي في علاج الصحة العقلية من الأهداف الطموحة جداً، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من واحد من كل ثمانية أشخاص على مستوى العالم، أي ما يصل إلى المليار شخص، يعاني من نوع من الأمراض العقلية، بداية من الاكتئاب والقلق ووصولاً إلى أمراض انفصام الشخصية، وذلك وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية عن الصحة النفسية: الارتقاء بالصحة النفسية للجميع.
وفي شهر مارس الماضي، وقعت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مذكرة تفاهم استراتيجية مع “بيوماب”، المنصة الرائدة لعلوم الحياة في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف تأسيس أول مختبر من نوعه في الشرق الأوسط لأبحاث الابتكار في مجال الحوسبة لتلبية الاحتياجات العاجلة والملحّة لعلوم الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة.
وسيركز الطرفان بموجب هذه المذكرة على تعزيز الابتكارات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم البروتينات بما يتماشى مع الاحتياجات الملحّة لقطاعات العلوم الحيوية في منطقة الشرق الأوسط مثل القطاع الصحي والقطاع الطبي، وقطاع تطوير الأدوية، والطاقة، وحماية البيئة. وسيسخّر الطرفان قدراتهما التقنية والعلمية المشتركة لاستكشاف تقنيات جديدة تسهم في تعزيز آليات توليد البروتين، والتنبؤ ببنية البروتين وبوظيفة الخلية، وغيرها من التحديات الأساسية لعلوم الحياة في المنطقة.
وتشمل هذه التحديات عدد من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، إذ تشير البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد سكان العالم الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً فما فوق سيتضاعف بحلول عام 2050 ليبلغ 2.1 مليار نسمة، ليشهد العالم زيادة كبيرة في الأمراض المرتبطة بالشيخوخة. وسيتعاون الطرفان لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق والتدريب المسبق المتعدد لتسريع عملية اكتشاف العقاقير الجديدة للأمراض المرتبطة بالشيخوخة، وإتاحة القدرة على تطوير علاجات جديدة ومتخصصة.
وفي يناير من عام 2023، وقعت الجامعة اتفاقية تعاون مع شركة “كيورس إيه آي” لتطوير مركز عالمي للذكاء الاصطناعي الحيوي سيكون مقّره في أبوظبي. وستدعم المنشأة الحديثة تطوير الأدوية المخصّصة والمصممة لتناسب التنوع السكاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتعمل شركة شركة “كيورس إيه آي”، وهي أول منصة متخصصة بالتنبؤ الإكلينيكي للذكاء الاصطناعي الحيوي في العالم، على ضمان سلامة وفعالية الأدوية الجديدة من خلال إحداث ثورة في عملية تطوير الأدوية، وريادة التجارب السريرية على الشرائح، من خلال اختبار آلاف الأدوية المرشحة الجديدة على المئات من تجارب “المرضى على شريحة”.
ويقول مسؤولو شركة “كيورس إيه آي” أن حوالي 90% من التجارب السريرية للأدوية الجديدة تنتهي بالفشل، في حين أن تقنية “مريض على شريحة”، التي تمتلك حقوقها “كيورس إيه آي”، تعد بخفض نسبة الفشل من خلال التنبؤ بالعقاقير التي من المرجح أن تعمل على البشر. ويقوم نظام “كيورس إيه آي” بإجراء تفاعلات الاختبار بسرعة من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التنبؤية التي تحاكي مرضى متنوعين وراثيًا، مما يلغي الحاجة إلى إجراء التجارب على الحيوانات وتجنب المخاطر والتكلفة المرتبطة بالتجارب السريرية الفاشلة.
وأصبحت حلول الرعاية الصحية العالمية المخصصة ممكنة من خلال المشاريع البحثية لتقنية الذكاء الاصطناعي الرائدة التي يتم إجراؤها اليوم في إمارة أبوظبي، والتي يتم التعاون مع بعض الشركات الأكثر ابتكارًا على مستوى العالم والتي توظف نخبة من ألمع العقول والخبراء المتخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي.