فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات..سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري، رفعت إسماعيل بو عساف، الصادر، اخيراً، عن دار ميتافيرس بريس للنشر، إذ يعرض المؤلِف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات المعمورة في الإمارات، موضحاً أهم المقومات التي أهلتها لتكون نموذجاً دولياً يقتدى في الصدد، وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، رفعة مناقب قادة الإمارات وتمسكهم بالقيم الإنسانية، سماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، المشروعات والمبادرات النوعية الكافلة ترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل : وثيقة الأخوة الإنسانية وبيت العائلة الإبراهيمية ووزارة التسامح والمعهد الدولي للتسامح والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).
يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، أربعة أبواب رئيسة، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب عديدة شاملة يُجمل فيها بو عساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهل إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذي الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية.. وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب والمبدعين والمفكرين، في عالمنا، حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مسؤولون أمريكيون، نجم الكرة الارجنتين الراحل دييغو مارادونا، الروائي البرازيلي باولو كويلو، نجم بوليوود شاروخان، عالم النفس والباحث الكندي البروفيسور إدوارد دينر. كما يفرد الكتاب محطات موسعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، والتي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطال أصقاع الأرض قاطبة ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.
ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم “حوارات وسيمفونية”، بحوارات وأحاديث شائقة، مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف عديدة، بشأن التسامح في هذي الأرض الطيبة وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة المحاورين هؤلاء: أحمد الحَدَّاد- مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، بول هيندر-أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، راجو شروف -رئيس معبد سندي غورو دربار الهندوسي، حمّود الحناوي- شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، سوريندر سينغ كاندهاري- رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، عشيش بروا- مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، إيان فيرسرفيس- الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، زليخة داود- أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، بيتر هارادين- الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، راميش شوكلا- أحد أقدم المصورين في الإمارات.
وفي محطة الختام، يقدم رفعت بو عساف، جملة مقترحات تخص موضوعة البحث، بينها: إنشاء مراكز ثقافية إماراتية في دول العالم بمجملها تعكس غنى الإمارات بقيم التسامح وثرائها الثقافي والجمالي، تنظيم مهرجان سنوي بعنوان (التنوع الثقافي في الإمارات)، تعزيز صيغ الاندماج الثقافي بين طلبة الجامعات، إطلاق قناة تلفزيونية متخصصة بالتعايش والتنوع الثقافي.