تشهد صناعة التأمين العالمية تزايداً في حجم المخاطر الطبيعية، مثل الأعاصير، الزلازل، والفيضانات، نتيجة لتغير المناخ والنمو السكاني وتوسع العمران في مناطق معرضة للمخاطر. وفي ظل هذه التحديات، ظهرت أدوات مالية مبتكرة لزيادة القدرة الاستيعابية لشركات التأمين وإعادة التأمين، ومن أبرزها سندات الكوارث (Catastrophe Bonds – Cat Bonds)، التي تمثل جسراً بين أسواق التأمين وأسواق رأس المال.
تعريف سندات الكوارث
سندات الكوارث هي أدوات دين ذات عائد مرتفع تصدرها شركات التأمين أو إعادة التأمين أو الحكومات. بهدف جمع الأموال التي يمكن استخدامها لتغطية الخسائر المالية الكبيرة الناتجة عن وقوع كوارث طبيعية محددة مسبقاً. وفي حال عدم وقوع الكارثة خلال فترة السند، يحصل المستثمرون على عوائد مجزية. أما في حال وقوع الكارثة وتجاوز الخسائر مستوى معين متفق عليه، فإن المستثمرين قد يخسرون جزءاً من رأس مالهم أو كله، ويتم استخدام هذا المبلغ لتعويض شركات التأمين عن الخسائر.
الغرض من سندات الكوارث
تعتبر سندات الكوارث أداة حيوية لشركات التأمين وإعادة التأمين لإدارة مخاطرها وتوزيعها. فبدلاً من تحمل كامل العبء المالي للكوارث الكبرى، يمكن لهذه الشركات نقل جزء من هذا العبء إلى المستثمرين في أسواق رأس المال. مما يساعد على:
- تخفيف المخاطر: تقليل تعرض شركات التأمين لخسائر كارثية قد تهدد استقرارها المالي.
- توفير السيولة: ضمان توفر الأموال اللازمة لدفع التعويضات بعد وقوع كارثة كبيرة.
- تنويع مصادر التمويل: توفير بديل لأسواق إعادة التأمين التقليدية.
كيفية عمل سندات الكوارث
عند إصدار سندات الكوارث، يقوم المستثمرون بشراء هذه السندات وتقديم رأس المال لشركة التأمين. يتم الاحتفاظ برأس المال في حساب ضمان أو في شركة ذات غرض خاص (Special Purpose Vehicle – SPV). و يتم تحديد شروط السند بوضوح، بما في ذلك نوع الكارثة المغطاة، والمنطقة الجغرافية، والحد الأدنى للخسارة (Trigger Event) التي تؤدي إلى تفعيل السند. فإذا لم تحدث الكارثة المتفق عليها خلال فترة السند، يتم إعادة رأس المال للمستثمرين بالإضافة إلى الفوائد. أما إذا حدثت الكارثة وتجاوزت الخسائر العتبة المحددة، يتم استخدام رأس المال المستثمر لدفع التعويضات، وقد يخسر المستثمرون جزءاً أو كل استثمارهم.
المزايا والعيوب
المزايا:
- عوائد جذابة للمستثمرين: تقدم سندات الكوارث عوائد أعلى مقارنة بالاستثمارات التقليدية، خاصة وأنها غير مرتبطة بأسواق المال التقليدية.
- تنويع المحافظ الاستثمارية: توفر للمستثمرين فرصة لتنويع محافظهم، حيث أن أداء هذه السندات لا يرتبط بشكل مباشر بأداء الأسواق المالية.
- إدارة المخاطر لشركات التأمين: تساعد شركات التأمين على إدارة مخاطرها بشكل فعال وتقليل تعرضها للخسائر الكبيرة.
- تسعير المخاطر بشكل أكثر دقة بفضل الاعتماد على نماذج علمية.
- تعزيز الاستقرار المالي للقطاع التأميني في مواجهة أحداث شديدة.
العيوب:
- مخاطر فقدان رأس المال: يواجه المستثمرون خطر فقدان جزء أو كل رأس مالهم في حال وقوع الكارثة المتفق عليها.
- التعقيد: تعتبر سندات الكوارث أدوات مالية معقدة تتطلب فهماً عميقاً للمخاطر المرتبطة بها.
- السيولة المحدودة: قد تكون سيولة هذه السندات أقل مقارنة بالأوراق المالية الأخرى.
سوق سندات الكوارث
شهد سوق سندات الكوارث نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بزيادة وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية، وحاجة شركات التأمين إلى أدوات أكثر فعالية لإدارة المخاطر. وأصبحت هذه السندات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات إدارة المخاطر للعديد من شركات التأمين وإعادة التأمين حول العالم.
بدأ السوق نموه الحقيقي في منتصف التسعينيات، بعد “إعصار أندرو” وقد شكل هذا الإعصار صدمة حقيقية لقطاع التأمين، الذي شرع في البحث عن سبل جديدة لتخفيف عبء المخاطر التي يتحملها من خلال اقتراح خدمة تأمين مبتكرة ضد الكوارث الطبيعية.، ثم كان زلزال نورثريدج حدثًا كبيرًا آخر هز سوق إعادة التأمين العالمية، وعلى مر السنين، استطاع واقع تغير المناخ أن يفرض نفسه. ثم بدأ الاهتمام بـ”سندات الكوارث” يتزايد خاصة خلال الأزمة المالية للعام 2008، كما شهد إصدار هذا النوع من المنتجات المالية تسارعا منذ جائحة كوفيد-19″،ومنذ ذلك الحين، استمر سوق سندات الكوارث في النمو.
و ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” أن شركات التأمين أصدرت سندات الكوارث بمعدل غير مسبوق هذا العام 2025، سعياً منها لنقل المخاطر المتزايدة جراء التغير المناخي إلى المستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة.
و وفقاً لتقرير صادر عن Artemis بلغت إجمالي إصدارات هذه السندات 18.1 مليار دولار منذ بداية عام 2025، متجاوزة بذلك الرقم القياسي للعام الماضي بالكامل والبالغ 17.7 مليار دولار.
تأتي هذه الإصدارات في وقت يشهد العالم ظواهر جوية متطرفة متكررة، تشمل فيضانات مدمرة في كل من تكساس والصين، وموجات حر متتالية في أوروبا أدّت إلى حرائق وإغلاق مصالح تجارية.
نماذج دولية لتطبيق سندات الكوارث
- جامايكا:
أصدرت سندًا لمواجهة الأعاصير عام 2024 بهدف:
- تقليل العبء المالي على الحكومة.
- تمويل استجابة سريعة.
- دعم مشاريع تنموية.
- تركيا (TCIP):
- أطلقت برنامج التأمين ضد الزلازل بدعم من البنك الدولي.
- إصدار سندين عامي 2013 و2015 بقيمة 500 مليون دولار.
- استخدمت آليات معيارية لتوفير تمويل سريع وفعّال.
- الولايات المتحدة:
أصدرت ولاية فلوريدا من خلال صندوق فلوريدا لإعانات الكوارث عدة سندات لمواجهة مخاطر الأعاصير. و تعتبر الولايات المتحدة من أكبر الأسواق في العالم لسندات الكوارث
- اليابان:
استخدمت سندات الكوارث لمواجهة مخاطر الزلازل.و ذلك بالتعاون بين شركات إعادة التأمين و الحكومة
- المكسيك
أصدرت الحكومة سندات كوارث عبر البنك الدولي لتغطية مخاطر الزلازل والأعاصير.
دور سندات الكوارث في صناعة التأمين
تلعب سندات الكوارث دوراً محورياً في صناعة التأمين وإعادة التأمين، حيث توفر آلية مبتكرة لنقل المخاطر الكبيرة المرتبطة بالكوارث الطبيعية من الميزانيات العمومية لشركات التأمين إلى أسواق رأس المال العالمية. هذا الدور يتجلى في عدة جوانب:
- نقل المخاطر وتوزيعها
تعتبر سندات الكوارث أداة فعالة لنقل المخاطر (Risk Transfer) من شركات التأمين وإعادة التأمين إلى المستثمرين. فبدلاً من أن تتحمل شركات التأمين وحدها الخسائر الهائلة التي قد تنتج عن كارثة كبرى، تقوم هذه السندات بتوزيع جزء من هذه المخاطر على قاعدة أوسع من المستثمرين، بما في ذلك صناديق التحوط، وصناديق التقاعد، ومديري الأصول. هذا يقلل من تركيز المخاطر في قطاع التأمين ويساهم في استقرار السوق.
- تعزيز القدرة الاستيعابية لشركات التأمين
من خلال نقل المخاطر إلى أسواق رأس المال، تمكن سندات الكوارث شركات التأمين من زيادة قدرتها الاستيعابية هذا يعني أن الشركات يمكنها تغطية مخاطر أكبر أو عدد أكبر من الوثائق دون أن تعرض نفسها لمخاطر إفلاس في حال وقوع كارثة ضخمة. هذا يعود بالنفع على المؤمن عليهم، حيث يضمن توفر التغطية التأمينية اللازمة حتى في مواجهة الأحداث الكارثية.
- بديل لإعادة التأمين التقليدية
تاريخياً، كانت شركات التأمين تعتمد بشكل كبير على شركات إعادة التأمين التقليدية لنقل جزء من مخاطرها. ومع ذلك، فإن سوق إعادة التأمين قد يواجه قيوداً في القدرة الاستيعابية أو قد ترتفع تكاليفه بشكل كبير بعد سلسلة من الكوارث الكبرى. توفر سندات الكوارث بديلاً مهماً ومكملاً لإعادة التأمين التقليدية، مما يمنح شركات التأمين مرونة أكبر في إدارة محافظ مخاطرها والوصول إلى مصادر تمويل متنوعة.
- إدارة رأس المال
تساعد سندات الكوارث شركات التأمين على إدارة رأس مالها بشكل أكثر كفاءة. فمن خلال تقليل الحاجة إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من رأس المال لتغطية المخاطر الكارثية، يمكن للشركات تحرير جزء من هذا رأس المال لاستثماره في مجالات أخرى أو لتحسين عوائد المساهمين. كما أنها تساعد الشركات على الامتثال للمتطلبات التنظيمية المتعلقة بكفاية رأس المال.
- الاستجابة لتغير المناخ
مع تزايد وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية نتيجة لتغير المناخ، أصبحت سندات الكوارث أداة أكثر أهمية. فهي توفر آلية لتمويل الخسائر المتزايدة الناجمة عن هذه الأحداث، وتساعد على سد الفجوة بين الخسائر الاقتصادية والخسائر المؤمن عليها. كما أنها تشجع على تطوير نماذج أفضل لتقييم المخاطر والتسعير في قطاع التأمين.
- التأثير على تسعير التأمين
يمكن أن تؤثر سندات الكوارث على تسعير وثائق التأمين. فمن خلال توفير آلية فعالة لنقل المخاطر، يمكن لشركات التأمين تقليل تكلفة رأس المال المرتبطة بالمخاطر الكارثية، مما قد ينعكس إيجاباً على أقساط التأمين للمستهلكين في بعض الحالات. كما أنها تزيد من الشفافية في تسعير المخاطر الكارثية من خلال ربطها بأسواق رأس المال.
إحصائيات وحجم سوق سندات الكوارث
شهد سوق سندات الكوارث نمواً قياسياً في السنوات الأخيرة، مما يعكس تزايد الاهتمام بهذه الأداة المالية كحل لإدارة المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية. و يقترب حجم السوق من حاجز الـ 50 مليار دولار أمريكي.
نمو السوق
تجاوزت إصدارات سندات الكوارث مستويات قياسية في عامي 2023 و 2024. ففي عام 2023، وصلت الإصدارات إلى 16.4 مليار دولار، مما رفع القيمة الإجمالية للسوق. وفي عام 2024، بلغ إصدار سندات الكوارث مستوى قياسياً آخر، مما قرب السوق الإجمالية من 50 مليار دولار. وتشير التوقعات إلى استمرار هذا النمو في عام 2025، حيث بلغت إصدارات السندات 18.1 مليار دولار أمريكي حتى منتصف العام.
عوائد المستثمرين
تقدم سندات الكوارث عوائد جذابة للمستثمرين، حيث وصلت عوائد المستثمرين في عام 2024 إلى 16%، وهي نسبة أعلى بكثير من العديد من الأصول ذات الدخل الثابت. هذه العوائد المرتفعة تجذب عدداً متزايداً من المستثمرين، بما في ذلك صناديق التحوط ومديري الأصول، الذين يبحثون عن فرص استثمارية غير مرتبطة بالأسواق المالية التقليدية.
الخسائر الاقتصادية للكوارث
سببت الكوارث الطبيعية خسائر اقتصادية في العالم بقيمة 135 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، مقابل 123 مليارا في الفترة نفسها من العام الماضي.
وجاءت البيانات بحسب تقديرات أولية أصدرتها شركة “سويس ري” التي ذكرت أن الأضرار التي تفاقمت بسبب حرائق الغابات في لوس أنجلوس والعواصف الشديدة في الولايات المتحدة، رفعت فواتير شركات التأمين للكوارث الطبيعية إلى 80 مليار دولار، مقابل 62 مليارا في النصف الأول من 2024. هذا التزايد في الخسائر يؤكد الحاجة الملحة لأدوات مثل سندات الكوارث للمساعدة في تمويل التعافي وإعادة الإعمار بعد الكوارث.
التحديات التي تواجه سوق سندات الكوارث
على الرغم من النمو الكبير الذي يشهده سوق سندات الكوارث وفوائدها المتعددة، إلا أنها لا تخلو من التحديات التي تواجه كلاً من المصدرين والمستثمرين:
- التعقيد والشفافية
تعتبر سندات الكوارث أدوات مالية معقدة، حيث تتطلب فهماً عميقاً للمخاطر الأساسية، ونماذج التقييم، والهياكل القانونية المعقدة. هذا التعقيد قد يحد من قاعدة المستثمرين المحتملين ويجعل من الصعب على المستثمرين الأفراد فهمها. كما أن الشفافية في بعض الأحيان قد تكون تحدياً، خاصة فيما يتعلق بالبيانات التفصيلية لتقييم المخاطر وتحديد عتبات التفعيل.
- مخاطر النموذج (Model Risk)
تعتمد سندات الكوارث بشكل كبير على نماذج معقدة لتقييم احتمالية وقوع الكوارث وحجم الخسائر المتوقعة. هذه النماذج، وعلى الرغم من تطورها، لا تخلو من الأخطاء أو الافتراضات التي قد لا تعكس الواقع بدقة. و بمكن أن يؤدي أي قصور في هذه النماذج إلى تسعير غير دقيق للسندات أو تقييم خاطئ للمخاطر، مما يعرض المستثمرين لخسائر غير متوقعة.
- مخاطر التفعيل (Trigger Risk)
تعتمد سندات الكوارث على “عتبات تفعيل” محددة مسبقاً، والتي تحدد متى يتم تفعيل السند وتكبد المستثمرين للخسائر. هذه العتبات يمكن أن تكون قائمة على الخسائر الفعلية، أو على معايير بارامترية (مثل شدة الزلزال أو سرعة الرياح)، أو على مؤشرات صناعية. و قد تنشأ مخاطر إذا لم تتطابق الخسائر الفعلية مع عتبة التفعيل، مما قد يؤدي إلى عدم تفعيل السند على الرغم من وقوع خسائر كبيرة لشركة التأمين، أو العكس.
- مخاطر السيولة
على الرغم من نمو السوق، إلا أن سندات الكوارث لا تزال تعتبر سوقاً متخصصة نسبياً مقارنة بأسواق السندات التقليدية. هذا قد يؤثر على سيولة هذه السندات، مما يجعل من الصعب على المستثمرين بيعها بسرعة دون التأثير على سعرها، خاصة في أوقات الاضطراب في السوق أو بعد وقوع كارثة كبيرة.
- الإدراك العام والمخاوف الأخلاقية
قد يواجه سوق سندات الكوارث تحديات تتعلق بالإدراك العام، حيث قد يرى البعض أن الاستثمار في سندات الكوارث يثير مخاوف أخلاقية. على الرغم من أن الهدف الأساسي هو إدارة المخاطر وتوفير التمويل للتعافي، إلا أن هناك حاجة إلى توضيح دور هذه السندات وأهميتها للمجتمع لتبديد أي مفاهيم خاطئة.
الآفاق المستقبلية لسندات الكوارث
يبدو مستقبل سوق سندات الكوارث واعداً، مدفوعاً بعدة عوامل رئيسية من شأنها أن تزيد من أهميتها ودورها في إدارة المخاطر العالمية:
- تزايد مخاطر الكوارث الطبيعية
مع استمرار تغير المناخ، من المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية، مما سيؤدي إلى ارتفاع حجم الخسائر الاقتصادية والمؤمن عليها. هذا الواقع سيجعل الحاجة إلى أدوات فعالة لنقل المخاطر، مثل سندات الكوارث، أكثر إلحاحاً. ستسعى شركات التأمين وإعادة التأمين بشكل متزايد إلى استخدام هذه السندات لتخفيف تعرضها للمخاطر وتأمين قدرتها على دفع التعويضات.
- التطور التكنولوجي ونماذج المخاطر
سيساهم التقدم في التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، في تحسين نماذج تقييم المخاطر وتطوير عتبات تفعيل أكثر دقة وشفافية. هذا التطور سيقلل من مخاطر النموذج ومخاطر التفعيل، مما سيزيد من ثقة المستثمرين في هذه الأدوات ويجذب المزيد من رأس المال إلى السوق.
ج. تنويع أنواع المخاطر المغطاة
بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية التقليدية، من المتوقع أن تتوسع سندات الكوارث لتشمل أنواعاً جديدة من المخاطر، مثل مخاطر الأوبئة، ومخاطر الأمن السيبراني، والمخاطر المتعلقة بسلاسل الإمداد. هذا التوسع سيوفر فرصاً جديدة للمستثمرين وشركات التأمين لإدارة مجموعة أوسع من المخاطر الناشئة.
د. زيادة اهتمام المستثمرين
مع استمرار البحث عن عوائد جذابة وغير مرتبطة بالأسواق التقليدية، من المتوقع أن يزداد اهتمام المستثمرين بسندات الكوارث. كما أن تزايد الوعي بالاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI)[1] قد يدفع المزيد من المستثمرين نحو هذه السندات، حيث أنها تساهم في تمويل التعافي من الكوارث ودعم المجتمعات المتضررة.
ه. دور الحكومات والمنظمات الدولية
من المرجح أن تلعب الحكومات والمنظمات الدولية دوراً أكبر في تعزيز استخدام سندات الكوارث كجزء من استراتيجيات إدارة مخاطر الكوارث الوطنية والإقليمية. ويمكن أن يشمل ذلك إصدار سندات الكوارث السيادية، أو تقديم حوافز لشركات التأمين لاستخدام هذه الأدوات، أو تطوير أطر تنظيمية موحدة لتسهيل نمو السوق.
و. الابتكار في هيكلة السندات
سيستمر الابتكار في هيكلة سندات الكوارث لتلبية احتياجات السوق المتغيرة. قد يشمل ذلك تطوير سندات ذات فترات استحقاق أقصر، أو سندات ذات عتبات تفعيل أكثر مرونة، أو سندات مدمجة مع منتجات تأمينية أخرى. هذا الابتكار سيجعل سندات الكوارث أكثر جاذبية ومرونة لمجموعة أوسع من المشاركين في السوق.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية
تمثل سندات الكوارث نقلة نوعية في الأدوات المالية التي تعزز مرونة شركات التأمين وإعادة التأمين في مواجهة التحديات الكبرى الناجمة عن الكوارث الطبيعية والأخطار النظامية. فهي لا تقتصر على كونها وسيلة مبتكرة لنقل المخاطر إلى أسواق رأس المال، بل تُعد أيضًا ركيزة أساسية لضمان استقرار السوق والحفاظ على قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها حتى في أصعب الأزمات.
ومن هنا، فإن الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في إصدار وتداول سندات الكوارث تصبح خطوة ملحة وضرورية لفتح آفاق جديدة أمام السوق المصرية، مع مراعاة الجوانب الفنية والتشريعية والاقتصادية. وفي هذا الإطار، بادر الاتحاد من خلال لجنة إعادة التأمين، وبالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية، إلى إعداد دراسة شاملة حول سندات الكوارث الطبيعية، تضمنت آليات عملها وفرص الاستثمار بها، وما يمكن أن تحققه من قيمة مضافة لقطاع التأمين المصري، مع استشراف التحديات التي ينبغي الاستعداد لتجاوزها.
إن التعرف على مثل هذه الأدوات المالية المتطورة والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة هو خطوة هامة نحو بناء سوق تأمينية أكثر قوة واستدامة، قادرة على حماية الاقتصاد والمجتمع في مواجهة أخطار المستقبل.