الذهب يلامس مستويات تاريخية جديدة عالميًا ومحليًا وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية وتنامي رهانات خفض الفائدة الأمريكية
ارتفعت أسعار الذهب في الأسواق المحلية خلال تعاملات الأسبوع الماضي بنسبة 2.1%، مدفوعة بصعود الأوقية في البورصة العالمية بنسبة 2%، وذلك في ظل تزايد الطلب العالمي على الملاذات الآمنة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتنامي توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية، وفقًا لتقرير صادر عن منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.
وقال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، إن جرام الذهب عيار 21، وهو الأكثر تداولًا في السوق المصري، سجل ارتفاعًا قدره 105 جنيهات خلال الأسبوع، حيث افتتح التعاملات عند مستوى 4970 جنيهًا، ولامس مستوى تاريخيًا غير مسبوق بلغ 5100 جنيه، قبل أن يُغلق عند 5075 جنيهًا بنهاية الأسبوع.
أما على الصعيد العالمي، فقد قفزت الأوقية بمقدار 75 دولارًا، حيث بدأت التعاملات عند 3685 دولارًا، وصعدت إلى أعلى مستوى تاريخي عند 3791 دولارًا في 23 سبتمبر، لتُغلق عند 3760 دولارًا للأوقية.
وأشار إمبابي إلى أن جرام الذهب عيار 24 سجل نحو 5800 جنيه، وعيار 18 بلغ 4350 جنيهًا، بينما وصل عيار 14 إلى 3384 جنيهًا، واستقر سعر الجنيه الذهب عند 40600 جنيه
ويقترب الذهب بالأسواق المحلية من ختام تعاملات شهر سبتمبر على ارتفاع قد تتجاوز 385 جنيهًا وبنسب تقترب من 11 %، في حين قد تتجوز مكاسب الأوقية بالبورصة العالمية بنحو 313 دولارًا، وبنسبة 9 %.
صعود تاريخي للمعادن النفيسة عالميًا
تشهد الأسواق العالمية موجة صعود قوية للمعادن النفيسة تمتد منذ ثلاث سنوات، يتصدرها الذهب الذي ارتفع بنسبة 43% منذ بداية العام، تليه الفضة بنسبة 55%، ثم البلاتين بنسبة 71%، لتسجل جميعها اختراقات تاريخية لمستويات سعرية غير مسبوقة.
فمنذ مطلع يناير، قفز السعر الفوري للذهب بنحو 43% إلى 3760 دولارًا للأونصة، متفوقًا على معظم فئات الأصول، في أقوى أداء سنوي منذ عام 1979 حين قفز بنسبة 126% على خلفية الثورة الإيرانية وصدمة أسعار النفط.
ووفق بيانات بنك أوف أمريكا، شهدت صناديق الذهب تدفقات ضخمة بقيمة 5.6 مليارات دولار خلال أسبوع واحد، وبلغت 17.6 مليار دولار خلال أربعة أسابيع فقط، في رقم قياسي جديد.
ورغم تحذير البنك من تشبّع شرائي على المدى القصير، فإنه يؤكد أن الذهب لا يزال «منخفض الحيازة» على المدى الطويل، حيث يمثل فقط 0.4% من أصول العملاء الأفراد، ما يدعم استمرار الاتجاه الصاعد، ويُبقي البنك على توصيته بالاحتفاظ بعمليات شراء مفتوحة.
ويرى محللون أن هذه الارتفاعات ليست عرضية، بل تعكس مزيجًا من العوامل الكلية، تشمل تفاقم الديون السيادية عالميًا، وضعفًا متوقعًا في الدولار الأمريكي، مع اتجاه البنوك المركزية نحو خفض أسعار الفائدة، إلى جانب تزايد الطلب الرسمي على الذهب من قبل البنوك المركزية، واستمرار التوترات الجيوسياسية التي تدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة.
وقد تعززت مكاسب الذهب مع ارتفاع التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية، في ظل مؤشرات تُظهر تباطؤ سوق العمل وتراجع ثقة المستهلك، مما يعزز رهانات المستثمرين على تمديد سياسة التيسير النقدي.
بيانات اقتصادية داعمة
أظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، وهو المقياس المفضل للفيدرالي لمتابعة التضخم، ظل دون مستوى 3%، حيث سجل المؤشر الأساسي لشهر أغسطس 2.9% على أساس سنوي، في حين ارتفع المؤشر العام إلى 2.7% مقابل 2.6% في يوليو، ما يعزز فرص خفض الفائدة خلال ما تبقى من العام.
ورغم استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة، إلا أن تراجع وتيرة التضخم يشجع الأسواق على التسعير المسبق لخفض الفائدة.
وفي المقابل، أظهر مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيجان تراجعًا إلى 55.1 نقطة في سبتمبر مقابل توقعات بلغت 55.4 نقطة، بينما تراجعت توقعات التضخم لعام واحد إلى 4.7%، ولخمس سنوات إلى 3.7%.
تصريحات مسؤولي الفيدرالي
عبّر عدد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي عن قلقهم إزاء هشاشة سوق العمل، إذ قالت ميشيل بومان، عضو مجلس المحافظين، إن البيانات الأخيرة تُظهر ضعفًا في النمو الوظيفي، وإن التضخم باستثناء تأثيرات الرسوم الجمركية بات قريبًا من الهدف المحدد.
بدوره، أوضح توماس باركين، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، أن إنفاق المستهلكين لا يزال قويًا نسبيًا، لكنه دعا إلى الحذر في ظل فرض الرسوم الجديدة التي أقرها الرئيس دونالد ترامب على واردات الأدوية والأثاث.
عوائد السندات وتوقعات الأسواق
سجلت عوائد سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعًا طفيفًا، إذ بلغ العائد على السندات لأجل 10 سنوات نحو 4.187%، بينما وصلت العوائد الحقيقية بعد خصم التضخم إلى 1.807%.
وتُظهر أداة CME FedWatch أن الأسواق تُسعّر احتمالًا نسبته 88% لخفض الفائدة في أكتوبر، و65% لاحتمال خفض إضافي في ديسمبر.
مخاوف الإغلاق الحكومي والديون الأمريكية
يتزايد الإقبال على الذهب أيضًا وسط مخاوف من إغلاق حكومي أمريكي جديد نتيجة تعثر مفاوضات الكونجرس لتمرير تشريع التمويل قبل 30 سبتمبر، وحتى في حال التوصل لاتفاق مؤقت، فإن استمرار ارتفاع الدين العام الأمريكي يُضعف الثقة في الدولار، ويعزز مكانة الذهب كبديل نقدي آمن.
صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب
سجّل صندوق SPDR Gold Shares (NYSE: GLD)، أكبر صندوق مؤشرات مدعوم بالذهب في العالم، أكبر تدفق يومي في تاريخه بأكثر من 18 طنًا الأسبوع الماضي، في إشارة واضحة إلى عودة قوية للطلب الاستثماري، رغم أن إجمالي الحيازات العالمية ما زال أدنى من ذروته في عام 2020.
ويؤكد المحللون أن السوق رغم ارتفاعه، لا يزال بعيدًا عن حالة المبالغة في التقييم، بفضل استمرار الطلب القوي من البنوك المركزية، وعلى رأسها بنك الشعب الصيني الذي يُقدّر أنه يشتري نحو 33 طنًا شهريًا منذ 2022، بوتيرة قد تستمر لسنوات لتحقيق توازن مع احتياطات الدول المتقدمة.
صعود الفضة والبلاتين
لم يكن الذهب وحده المستفيد من موجة الصعود، إذ ارتفعت الفضة إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا متجاوزة 46 دولارًا للأوقية، بزيادة تفوق 7% خلال الأسبوع.
ويتوقع محللو سبروت أن يؤدي تزايد الطلب الصناعي ونقص المعروض إلى استمرار موجة الصعود، على غرار ما حدث مع البلاديوم الذي ارتفع بأكثر من 500% بين عامي 2016 و2021.
كما واصل البلاتين مكاسبه مدعومًا بارتفاع الطلب الصناعي وتراجع الإمدادات من جنوب إفريقيا، ليسجل قفزات بلغت 71% منذ بداية العام.ينتظر المستثمرون الأسبوع المقبل مجموعة من البيانات الأمريكية المهمة، تشمل، سلسلة من تصريحات أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ومؤشر ADP للتغير في التوظيف الوطني الأمريكي، ومؤشر مديري المشتريات التصنيعي ISM، وطلبات البطالة الأولية، والوظائف غير الزراعية لشهر سبتمبر.
وستكون هذه المؤشرات حاسمة في تحديد مسار السياسة النقدية الأمريكية خلال الربع الأخير من العام، وبالتالي رسم الاتجاه القادم لأسعار الذهب والمعادن النفيسة.