ويؤكد :
كف الأذى عن الناس صدقة وقد يكون فرض كفاية أو واجبًا عينيًّا
ويؤكد أيضًا :
الإسلام رسخ لحق الجوار الدولي
فحرمة الدول لا تقل عن حرمة البيوت
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي ، ومحاربة الأفكار المتطرفة ، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة ، ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة 21/ 5/ 2021م خطبة الجمعة بمسجد “أبو شقة” بالشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة ، بحضور السيد اللواء/ أحمد راشد محافظ الجيزة ، ومعالي الدكتور/ محمد شاكر وزير الكهرباء ، ومعالي المهندس/ طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، وسيادة المستشار/ بهاء الدين أبو شقة وكيل أول مجلس الشيوخ ورئيس حزب الوفد ، والمستشار/ أحمد سعد وكيل أول مجلس النواب ، والأستاذ/ محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب ، والدكتور/ السيد مسعد السيد مدير مديرية أوقاف الجيزة ، وعدد من السادة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بمحافظة الجيزة ، وعدد من القيادات الأمنية والشعبية بالمحافظة ، وبمراعاة الضوابط الاحترازية والإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي.
وفي بداية خطبته أكد معاليه على أن كف الأذى عن الناس صدقة حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ” ، وكف الأذى عن الناس شعبة من شعب الإيمان : ” الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَولُ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحَياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان” ، وكذلك كف الأذى عن طرقات الناس صدقة يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” بينَما رجُلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذه فشكَر اللهُ له فغفَر له” ، ولما ذكروا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) شأن المرأة الصوَّامة القوَّامة – بصيغة المبالغة – يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: “هيَ في النَّارِ”، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: “هيَ في الجنَّةِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَومِ الآخرِ ، فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ” ، ليس ذلك فحسب ، بل قال (صلى الله عليه وسلم) : “واللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ! ” قِيلَ : مَنْ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : “الَّذِي لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ” ، أي الذي لا يأمن جاره شره ، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى الدول ، فكما رسخ الإسلام حق الجوار في المنزل والعمل ، رسخ لحق الجوار الدولي ، كما يحترم حق الجوار بين الناس ، فحرمة الدول لا تقل عن حرمة البيوت ، فكما لا يجوز أن تدخل بيت أحد إلا بإذنه ، كذلك لا يجوز أن تدخل دولة من الدول إلا من خلال الإذن المعتبر قانونًا لأهلها ، وكما لا يجوز للحر الشريف أن يُؤذي جيرانه ، أو أن يسمح أن يُؤذى جيرانه من قبله ، كذلك الدول العظيمة لا تسمح أن يُؤذى جيرانها من قبلها ، بل ذهب الإسلام إلى أبعد من هذا ، فقد كانَ بينَ سيدنا معاويةَ (رضي الله عنه) وبينَ الرُّومِ عَهْدٌ ، وَكانَ يسيرُ نحوَ بلادِهِم حتَّى إذا انقَضى العَهْدُ غَزاهم ، فجاءَ رجلٌ على فرسٍ أو بِرذونٍ وَهوَ يقولُ : اللَّهُ أَكْبرُ ، اللَّهُ أَكْبرُ ، وفاءٌ لا غدرَ ، فنظَروا فإذا هو عمرُو بنُ عَبسةَ (رضي الله عنه) ، فأرسلَ إليهِ معاويةُ (رضي الله عنه) فسألَهُ ، فقالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ) يقولُ : من كانَ بينَهُ وبينَ قومٍ عَهْدٌ فلا يَشدُّ عقدةً ولا يَحلُّها حتَّى ينقضيَ أمدُها ، أو ينبِذَ إليهم على سواءٍ فرجعَ معاويةُ (رضي الله عنه) ، فالإنسان المسلم كما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه” ، لأن المسلم لا يكون مسلمًا ، ولا يكون لعبادته أثر إلا إذا قومت سلوكه .
كما أوضح معاليه أن بعض الناس ربما يفهم أن مفهوم كف الأذى عن الناس صدقة ، أنه شيء إن فعلته أخذت ثوابًا ، وإذا لم تفعله فلا شيء عليك ، إلا أن كف الأذى يمكن أن يكون صدقة عندما يكون تطوعًا ، كالذي تطوع وأزال غصن الشوك من طريق الناس ، وقد يكون واجبًا عينيًّا على كل أحد منا بألا يؤذي جيرانه ولا زملاءه ، ولا أحدًا من الخلق ، وقد يكون واجبًا كفائيًّا على الجندي أو الشرطي المكلف بالحفاظ على الأمن ، لكف أذى أهل الشر عن الناس في حدود ما كلف به ، وهذا ما تقوم به قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الوطنية في مواجهة الإرهاب ، وهذا ثوابه عظيم وصدقة عظيمة ، فإذا كان من نحى غصن الشوك فشكر الله له فدخل الجنة ، فكيف بمن يضحي بحياته لكف الأذى ودفع الشر عن الناس.
كما أشاد معاليه بدور الدولة المصرية والقيادة المصرية والمبادرة العظيمة التي أطلقها سيادة الرئيس لإعادة إعمار غزة ، بتخصيص 500 مليون دولار ، في وقت يعاني العالم كله من ظروف اقتصادية نتيجة الظروف التي يمر بها العالم ، وبجهود الدولة المصرية التي أثمرت وقف العدوان على غزة ، فهذا أيضًا كف الأذى عن الناس ، وشتان بين دول تبني ، وعصابات وجماعات أهل الشر التي تهدم وتدمر، فالدولة المصرية لا تعرف إلا البناء ، وما نحن فيه اليوم نوع من أنواع البناء ، فهذا الصرح الإسلامي العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون ، مصر لا تبني في مجال واحد ، ففي مجال بناء المساجد وفي أقل من تسعة أشهر يعد هذا المسجد وهذا الصرح العظيم هو رقم (1315) ، من المساجد التي بُنيت على هذا النحو ، وهو رقم لم تقم به أي دولة لا في القديم ولا في الحديث ، ولم يقف بناء الدولة المصرية على بناء دور العبادة فحسب ، إنما تبني المدن والجامعات والمدارس ، والمستشفيات ، وفي بناء الإنسان أيضًا ، فلنعمل معًا على مواصلة البناء ، فشتان بين من يكون منهجه البناء والتعمير ، وآخر منهجه قائم على الهدم والتخريب ، ففقه الدول يقوم على البناء ، وفقه الجماعات يقوم على التخريب.
فتحية للدولة المصرية التي تبني وتعمر ، وللمواقف المشرفة تجاه أهل غزة في وقف إطلاق النار وفي مبادرة إعادة إعمار غزة ، وندعو كل الأصدقاء ، وكل الدول الشقيقة لهذه المبادرة العظيمة لإعادة الإعمار ، كما ندعو الجميع لكف الأذى عن الناس ، وبخاصة حقوق الجوار ، سواء أكان الجوار على المستوى الفردي أم على المستوى الدولي ، فحق الجوار الدولي أشد حرمة لأنه يمس عموم الأفراد ، نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حسن الفهم لديننا ، وأن يجعلنا دولة بناء دائمًا ، وأهل بناء لا أهل هدم.