قال خبراء طاقة أوروبيون إن احتدام الحرب الروسية الأوكرانية يدفع القادة الأوروبيين للتحول بشكل أسرع إلى مصادر الطاقة المتجددة، كجزء من استراتيجية تهدف لإنهاء الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، وتعزيز الانتقال إلى الطاقة الشمسية ومضاعفة قدرة الطاقة النظيفة 3 مرات بحلول عام 2030، وفقا لما نشرته سكاي نيوز.
وفي ورقة بحثية لجامعة ييل الأميركية، قال خبراء الطاقة إن الاتحاد الأوروبي يخطط لمضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030، فيما دعا بعضهم ألمانيا لتعليق خطتها لإغلاق مفاعلاتها النووية الثلاثة المتبقية بحلول نهاية هذا العام، وهو احتمال لم يكن متصورا قبل الحرب.
وأضاف الخبراء أن استراتيجية خفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين هذا العام وإنهاء الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي قبل 2030 بوقت طويل، تشمل النشر السريع للطاقة الشمسية والهيدروجين المتجدد، والتنفيذ السريع لأبعد الحدود، مع الوصول إلى تدابير كفاءة الطاقة، وإنتاج 35 مليار متر مكعب من الغاز الحيوي سنويًا بحلول 2030.
وأطلقت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، شرارة تجديد سياسة الطاقة في أوروبا بهدف التخلص من سطوة الغاز الروسي بأسرع ما يمكن وبصورة شاملة، مع تسريع انتقال الطاقة الخضراء في أوروبا.
وصاغ قادة أوروبا مجموعة من استراتيجيات الأزمات ليس فقط للتركيز على موردي الغاز الطبيعي الآخرين، لكن للتحول من الغاز إلى الكهرباء حيثما أمكن، وتقليص استهلاك الغاز عبر القطاعات الرئيسية.
وقبل أسابيع، أعلن الاتحاد الأوروبي خطة جديدة للطاقة من شأنها، “توسيع نطاق الطاقة المتجددة في أوروبا من خلال حشد استثمارات إضافية، وإزالة الحواجز أمام طرح مصادر الطاقة المتجددة، وتمكين المستهلكين من لعب دور نشط في سوق الطاقة”.
وعلى الصعيد الشعبي، يشير الخبراء إلى دور هام للمواطنين الأوربيين في هذه الخطط، إذ سيُطلب منهم خفض الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية، مما سيؤدي إلى خفض 7 بالمئة من استهلاك الغاز في أوروبا.
ويقول رئيس السياسة المناخية في الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانز: “دعونا ندخل إلى مصادر الطاقة المتجددة بسرعة البرق، كلما تحركنا بشكل أسرع، قللنا الاعتماد على الآخرين بشكل أسرع”.
ويعلق خبير الطاقة الألماني ومؤلف كتاب “أمن الطاقة”، ساشا مولر-كرينر: “هذه لعبة كرة جديدة.. لا يمكن لأوروبا أن تعتمد بشدة هكذا على غاز روسيا في بداية الشتاء المقبل. اليوم سياسة المناخ وأمن الطاقة واحدة، ولدى أوروبا فرصة كبيرة لتنجح في تحقيق أهدافها المناخية”.
وتزود روسيا أوروبا بـ35 بالمئة من احتياجاتها من النفط الخام و40 بالمئة من الفحم، ورغم أن الاتحاد الأوروبي خطط لخفض استهلاك الغاز بأكثر من 25 بالمئة بحلول 2030، كان من المتوقع أن يشكل الغاز حصة كبيرة من مزيج الطاقة في أوروبا خلال العقد المقبل على الأقل، وفي ألمانيا لفترة أطول.
ويتوقع ماتياس باك، الباحث من مركز الأبحاث الألماني “Agora Energiewende”، أن يزيد الاتحاد الأوروبي من سرعة طرح مصادر الطاقة المتجددة 3 أضعاف: “التكنولوجيا، خاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، موجودة بالفعل وأرخص من الوقود الأحفوري. علينا الآن أن نطرحه على أوسع نطاق”.
ويرى الباحث البارز في برنامج الغاز في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن، أن الدول الأوروبية التي تعتمد على الغاز الروسي لن تكون قادرة على تخزين ما يكفي منه للصمود خلال الشتاء المقبل، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن كبار موردي الغاز مثل النرويج وقطر وغيرهما يصدرون أكبر قدر ممكن من الغاز يمكنهم إنتاجه”.
ويضيف ستيرن: “لم يعد هناك غاز طبيعي يمكن الحصول عليه ولا أتوقع أن ينهي الروس أو الاتحاد الأوروبي عقود الغاز في أي وقت قريب بسبب العقوبات المالية التي قد يفرضها”.
أما الباحث في معهد “Ecologic” ببرلين، أندرياس كريمر، فيقول: “يمكننا تحقيق الأهداف المناخية وتعزيز الأمن القومي. وحكومة ألمانيا الجديدة تدعم التحول إلى الطاقة النظيفة”.
سيستغرق الأمر سنوات
لكن كيف ستسرع ألمانيا، وكل أوروبا المعتمدة على الغاز، من تحولاتها نحو الطاقة الخضراء؟ يقول كريمر: “يتعين على أوروبا استخدام الغاز بطريقة جديدة: بشكل أكثر اقتصادا وفعالية وفقط في القطاعات ذات الأولوية. الغاز الروسي هو غاز الملاذ الأخير، ويجب استخدامه فقط في حالة عدم وجود بديل أو حيث ينتج أعلى قيمة، مثل تدفئة المنازل في فترات البرد وفي الصناعات الأساسية”.
ويتابع أنه “في حالة حدوث ضغط، ووقف تدفق الغاز الروسي، فقد يضطر قطاعا المواد الكيماوية والبلاستيكية كثيفة الاستخدام للغاز إلى الإغلاق لبعض الوقت، مما يثمل ضربة مؤقتة للاقتصاد الألماني، لكنها ليست كارثة، كما يجب تقديم حوافز مالية للمشغلين الصناعيين لحجب الإنتاج في أوقات ارتفاع الطلب على الطاقة”.
ويعلق الخبير في معهد فراونهوفر لأبحاث النظم والابتكار، هايك بروجر، قائلاً: “الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون جادًا، وسيستلزم ذلك مزيدا من القروض منخفضة الفائدة والحوافز المالية لعمليات التجديد الموفرة للطاقة، فضلاً عن التقييم الدقيق للحوافز الحالية، التي لا تزال تدعم الاستثمارات في البنية التحتية للغاز”.
ويضيف كريمر: “إلا أن الأمر سيستغرق سنوات لأنظمة التدفئة في أوروبا للتخلص تمامًا من الغاز الطبيعي”.
أما ستيرن، من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فينصح قائلاً: “التحول من الغاز الروسي ممكن، لكن سيكون مكلفًا، خاصة إذا أرادت الشركات إنهاء عقودها الحالية طويلة الأجل، في الماضي، كان هناك أكثر من تعهدات، لكن لم يكن أحد مستعدًا لدفع ثمن التحول الكبير بعيدًا عن الغاز الروسي”.