يمكن النظر إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات باعتبارها ثورة حقيقية إيجابية، ليس عالم المال والأعمال فحسب، وإنما كذلك على الصعيد الاجتماعي. إن تبني هذه الأسس والمبادئ التي تنطوي عليها هذه النظرية، حديثة العهد بعض الشيء، يمكن، من خلالها، إحداث نقلة نوعية على صعيد المجتمع والمؤسسات، على حد سواء.
هذه الفكرة التي نحاول الإشارة إليها وإيضاحها هنا ليست غائبة عن المدراء التنفيذيين في كبرى الشركات العالمية؛ فمثلاً، يذهب جيفري سوارتز؛ الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «تيمبر لاند» بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن الشركات التي تؤمن بقيم ومعايير المسؤولية الاجتماعية هي وحدها التي تمتلك القدرة على إحداث تغيير إيجابي ودائم في العالم، ليس هذا فقط، بل هي، أيضًا، مسؤولة عن ذلك.
الاقتصاد مسؤولية إنسانية:
يظهر من هذا الطرح، سالف الذكر، أن الاقتصاد ليس غليظ القلب، ولا الهدف منه مراكمة الأرباح والثروات فحسب، إنما هناك وجه آخر غير معلوم ولا معروف لهذا الاقتصاد، وهو الجانب أو البعد الإنساني الذي ينطوي عليه.
لكن هذه الإنسانية الاقتصادية أو “أنسنة الاقتصاد” ليس من الممكن معرفتها، ولا الاطلاع عليها إلا عن طريق تفعيل مبادئ ومعايير المسؤولية الاجتماعية للشركات.
يعني هذا، أيضًا، أن منح الاقتصاد جانبًا أو طابعًا إنسانيًا لن يكون إلا في تلك الشركات التي تؤمن بأن لها دورًا اجتماعيًا ما، وأنها مسؤولة، في الوقت ذاته، عن إحداث نقلة نوعية على جميع الأصعدة الاجتماعية، والاقتصادية.
مسؤولية متعددة الأبعاد:
ليست ثمة مسؤولية أحادية البُعد تقع على عاتق الشركات والمؤسسات التجارية، وإنما هي، في الحقيقة، مسؤولية متعددة الأبعاد؛ فمن ناحية، تعمل هذه الشركات على الدفع بالمجتمع الذي تعمل فيه والمجتمعات المحيطة قُدمًا، وتحسين شروط عيش أفراد هذه المجتمعات.
ومن ناحية أخرى، وفي السياق ذاته، تُسهم هذه الشركات في تقديم صورة مختلفة عن الاقتصاد، وهي تلك النسخة التي تحتفي بالإنسان، وتضعه على رأس أولوياتها، ومن ثم يمكن القول إن الشركات الملتزمة اجتماعيًا هي تلك المؤسسات التي تقدم صورة مؤنسنة للاقتصاد.
وفقًا لهذا الطرح، فإن المسؤولية الواقعة هنا على كاهل الشركات والمنظمات التجارية المختلفة ليست مقتصرة فقط على جلب الأرباح أو مراكمة الثروات، بل هي مسؤولة اجتماعيًا، وبيئيًا.. إلخ.
ثورة إيجابية
لم يكن اشتهار ولا نشوء تلك الثقافة والنظرية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات مجرد نظرية اقتصادية أو حتى اجتماعية فحسب، وإنما هي، واعتمادًا على آثارها وما يمكن أن ينتج عنها، بمثابة ثورة حقيقية، تأخذ بيد العالم نحو الأفضل، نحو مستقبل أقل إضرارًا بالإنسان، وأكثر احترامًا له، ولآدميته.
لم تعد مدرسة ميلتون فريدمان (عالم الاقتصاد الشهير)، التي كانت تسعى، دائمًا، إلى تسييد رأس المال، بل الإعلاء من شأن الربح لدرجة العبادة، ذات جدوى، ولم يعد هناك من يؤمن بها حتى اليوم، خاصة بعد تلك الآثار السلبية التي أصابت الإنسان والمجتمع على حد سواء.
اقرأ أيضًا: