قال مرصد الأزهر في تقرير له أن العالم أجمع تابع الحدث الإجرامي الذي أقدمت عليه مجموعة مؤيدة للمتطرف اليميني “راسموس بالودان” الذي يقود حزب مناهض للهجرة في الدنمارك، بحرق مصحف في العاصمة السويدية استكهولم وبالتحديد أمام مقر السفارة التركية، وتصوير هذا الأمر وبثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أثار هذا الحدث المتطرف ردود أفعال عالمية واسعة تستنكر هذا الحدث الذي أشعل غضب مئات الملايين من المسلمين حول العالم. والأمر اللافت للنظر هنا أن هذا الحدث لم يكن هو الأول من نوعه، إذ تكررت حوادث حرق المصحف الشريف خلال الأعوام الماضية عدة مرات.
فعلى المدى القريب وفي السويد نفسها رصد مرصد الأزهر خبرًا في السياق ذاته بعنوان: “عقب هجوم ضد المسلمين، مسجد بالسويد يدين تدنيس المصحف”، حيث تم تعليق المصحف بسلسلة حديدية بشكل مهين بجوار باب المسجد، بل إن راسموس يقوم بين الحين والآخر بتنفيذ “عمليات حرق المصحف” في السويد والدنمارك. ومع توسيع دائرة البحث، لا يقتصر على السويد، بل هو فعل متكرر عبر السنوات الأخيرة الماضية، بدءًا من 2011م، عندما قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق المصحف الشريف، وتكرر الأمر في بريطانيا في العام نفسه، ثم تكرر في فرنسا والنرويج وهولندا وألمانيا والدنمارك في فترات متباينة.
وبالتالي، فقضية حرق المصحف هي أمر مقصود يكشف لنا، رغبة عدائية واضحة ونية صريحة في استفزاز المسلمين، ذلك أن هذا الأمر لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه اعتراض مقبول على موقف معين قام به شخص أو عدة أشخاص مسلمين، بل هو نية مبيتة للهجوم على كل المسلمين في العالم. ومما يؤكد هذا أن تيري جونز –على سبيل المثال- ذكر ذات مرة في مؤتمر صحفي له أنه لم يقرأ القرآن أبدًا([1])، وبالتالي فهو موقف عدائي مبيّت ضد المسلمين، أشبه ما يكون بالمكايدة الطفولية، أو بالأحرى “البربرية” على حد تعبير الأزهر الشريف في بيانه شديد اللهجة في الرد على الحدث.
وتابع المرصد أن قضية حرق المصحف هي مظهر من مظاهر الاعتداء على المقدس الديني للآخر، والمقدس الديني هو شيء من أخص خصائص الإنسان، بل لا نبالغ إن قلنا: إنه أشد من الاعتداء على النفس والبدن. ولأن المقدس الديني أمر مرتكز في صميم النفس الإنسانية، فقد نهانا القرآن عنه نهيًا صريحًا وهو يقرر: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (الأنعام: 108) إذا لا يعقل أن يكون من بين أهداف الوجود الإنساني التعارف والتواد مع الآخر، ونحن ننتهك مقدسات بعضنا بعضًا.
فالأمر في حقيقته ليس مجرد اعتراض على موقف لبعض المسلمين، بقدر ما هو موقف من الإسلام نفسه، انطلاقًا من ظاهرة الإسلاموفوبيا التي يبدو أنها تتغول لتصل إلى حد غير مقبول، والنظرة العاقلة تدرك أنه لا بد من وضع حدود لمثل هذه التصرفات، إذ ينقل هذا الحدثُ الصراعَ إلى دائرة الصراع الديني الصريح مع جميع المسلمين في أنحاء المعمورة، وهو ما قد ينتج عنه عواقب وخيمة.
ولهذا ذكر الأزهر الشريف في بيانه أنه يطالب “المجتمع الإنساني والمؤسسات الدولية وحكماء العالم، بالوقوف في وجه محاولات العبث بالمقدسات الدينية، وإدانة هذه الأفعال الإجرامية، ووضع حد لفوضى مصطلح “حرية التعبير” واستغلاله في سوق السياسات والانتخابات، وإساءة استخدامه فيما يتعلق باستفزاز المسلمين واحترام مقدساتهم،” معتبرًا أن “هذه الحوادث المتكررة لا تقل في خطرها عن مردود الهجمات الإرهابية”.
كما أكد بيان الأزهر أن “السماح لهؤلاء المجرمين بتكرار هذه الاستفزازات تحت شعار “حرية التعبير” -ولو بالصمت- هو تواطؤ منبوذ يعيق من جهود تعزيز السلام وحوار الأديان والتواصل بين الشرق والغرب.”