يأمل الأطباء والباحثون في توسيع نطاق العلاجات الجديدة التي أثبتت فعاليتها ليستفيد منها عدد أكبر من المرضى ولتشمل أنواع أخرى فرعية من مرض سرطان الدم بناءً على النجاحات التي تحققت في علاج الأطفال
أكد اختصاصي طبي من مستشفى كليفلاند كلينك، نظام الرعاية الصحية العالمي، على أن نتائج علاج مرض سرطان الدم تحسنت على نحو ملحوظ خلال العقد الماضي، ولا سيّما في حالة علاج مرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد، وخاصة بين الأطفال. وبناءً على النجاحات التي تحققت، يأمل الباحثون والأطباء بتوسيع نطاق العلاجات الجديدة لتشمل جميع الفئات العمرية وجميع الأنواع الفرعية لمرض سرطان الدم الفرعية.
ويشير مصطلح “اللوكيميا” إلى مجموعة من الأورام الخبيثة التي تتسم بالنمو السريع وغير المنضبط لخلايا الدم غير الطبيعية التي تسمى خلايا سرطان الدم، ووفقاً للصندوق العالمي لأبحاث السرطان يمكن أن يصيب هذا المرض الأطفال والبالغين كما أنه يحتل المرتبة 13 بين أكثر أنواع مرض السرطان شيوعاً على مستوى العالم.
وقبيل اليوم العالمي لمرض سرطان الدم (اللوكيميا)، أشار الدكتور جون سي مولينا، اختصاصي أمراض الدم والأورام لدى الأطفال في مستشفى كليفلاند كلينك، إلى أن عمر المريض يؤثر بدرجة كبيرة في النتائج النهائية والمنهجيات المتبعة في علاج مرض سرطان الدم. وفي السنوات الأخيرة، لوحظت أعلى معدلات نجاح علاج مرض سرطان الدم بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام واحد وتسعة أعوام والذين يعانون من مرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد (ALL)، إذ سُجل شفاء تسعة من بين كل 10 أطفال ممن شخّصت إصابتهم بمرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد منخفض المخاطر والذي يُعد أكثر استجابة للعلاج الكيميائي.
وأضاف الدكتور مولينا: “تميل أنواع سرطان الدم لدى الأطفال إلى أن تكون ذات طبيعة بيولوجية منخفضة المخاطر ويتم تشخيص الأطفال في الغالب بنوع فرعي أقل خطورة من مرض سرطان الدم. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى تحمل الأطفال للعلاج الكيميائي، وحقيقة أن العديد من الأطفال مسجلون في الدراسات السريرية، يُعدان من العوامل المساهمة في تحقيق نتائج أفضل”.
وأوضح الدكتور مولينا إلى أنه يتم حالياً، وعلى نحو متزايد، تطبيق برامج علاجية أكثر كثافة مستوحاة من علاجات الأطفال مع تحقيق نتائج أفضل للمرضى الأكبر سناً. وفي الوقت الحالي، يشمل ذلك المرضى الذين تصل أعمارهم إلى 40 عاماً، ولكن من المرجح أن يتم توسيع نطاق هذه العلاجات لتشمل المزيد من الفئات العمرية نتيجة التحسينات المستمرة في الرعاية الداعمة والتي يمكن أن تساعد المرضى الأكبر سناً على تحمل العلاج بشكل أفضل.
ووفقاً للدكتور مولينا، تشمل العوامل الأخرى المتعلقة بالعمر والتي يتم أخذها بعين الاعتبار عند وضع الخطط والبرامج العلاجية الاحتياجات النفسية والاجتماعية والصحية الفريدة لمراحل حياة المرضى، على سبيل المثال، الحاجة إلى الحفاظ على الخصوبة وتوافر شبكة الدعم.
العلاجات الجديدة واحتمالية الشفاء
ونوّه الدكتور مولينا إلى أن نتائج علاج مرض سرطان الدم تعتمد على أي من الأنواع الفرعية الأربعة الرئيسية التي يتم تشخيص الإصابة بها. ويتم تصنيف مرض سرطان الدم على أنه “حاد” أو “مزمن” بناءً على مدى نضج خلايا سرطان الدم، وعلى أنه “نخاعي/ نقوي” أو “ليمفاوي” اعتماداً على سلالة الخلية التي تنشأ منها خلايا سرطان الدم في نخاع العظم.
وتابع الدكتور مولينا: “بشكل عام يمكن للأشخاص الذين يتم تشخيص إصابتهم بمرض سرطان الدم النخاعي أو النقوي المزمن (CML) وسرطان الدم الليمفاوي المزمن (CLL) أن يعيشوا حياة طبيعية وتكون التوقعات باحتمالية الشفاء من المرض إيجابية مع العلاجات المتاحة حالياً. ومن ناحية أخرى، يُعد سرطان الدم النخاعي الحاد (AML) وسرطان الدم الليمفاوي الحاد (ALL) من الأنواع الفرعية الأكثر عدوانية والتي تتطور بسرعة أكبر، ولكن خيارات العلاج تتقدم بسرعة وتشهد احتمالية الشفاء من هذين النوعين من المرض تحسناً في الآونة الأخيرة”.
ولفت الدكتور مولينا إلى أنه من بين نوعي سرطان الدم الحاد، يُعد سرطان الدم الليمفاوي الحاد الأكثر شيوعاً بين الأطفال والشباب، في حين أن الأشخاص الأكبر سناً هم أكثر عرضة للإصابة بمرض سرطان الدم النخاعي الحاد. ولا يعني ذلك أن مرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد هو مرض يصيب الأطفال فقط، أو أن سرطان الدم النخاعي الحاد لا يصيب الأطفال، إذ يمكن أن يصيب مرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد الأشخاص من مختلف الفئات العمرية، ولكنه أكثر شيوعاً في مرحلة الطفولة المبكرة وكذلك في سن الخمسينات تقريباً، وتحدث حوالي نصف حالات الإصابة بالمرض لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 20 عاماً. وبالمثل، ورغم ندرته، يمكن كذلك تشخيص إصابة الأطفال بسرطان الدم النخاعي الحاد.
وفي ما يتعلق بالتطورات التي تشهدها العلاجات الجديدة، أشار الدكتور مولينا إلى أن التقدم في علاج نوع فرعي أو مرضى من فئة عمرية معينة يمكن أن يفيد في كثير من الأحيان في علاج الأنواع الفرعية أو المرضى من الفئات العمرية الأخرى. ومثال على ذلك، العلاج بالخلايا التائية ذات مستقبلات المستضدات الوهمية CAR T-cell، والذي وافقت عليه هيئة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخراً لعلاج مرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد. ويُعد العلاج بالخلايا التائية ذات مستقبلات المستضدات الوهمية علاجاً متخصصاً يقوم على استخدام الخلايا التائية من المريض نفسه، لافتاً إلى أن الخلايا التائية هي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تشكل جزءاً من جهاز المناعة ويتم خلال برنامج العلاج استخراج الخلايا التائية وتعديلها وراثياً قبل أن يتم تحفيزها للنمو والتكاثر ليُعاد ضخها في مجرى الدم حتى تتمكن من التعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها.
وأوضح الدكتور مولينا إلى أن العلاج بالخلايا التائية ذات مستقبلات المستضدات الوهمية بدأ تطبيقه أولاً في مجال علاج الأطفال ويتم استخدامه حالياً لعلاج البالغين المصابين بسرطان الدم الليمفاوي الحاد. بالإضافة إلى ذلك، تستكشف مؤسسات مثل كليفلاند كلينك سُبُل استثمار نجاحها في علاج سرطان الدم الليمفاوي الحاد لابتكار علاجات جديدة لمرض سرطان الدم النخاعي الحاد، الذي يحتوي على طبيعة بيولوجية مختلفة وخلايا سرطانية غير متجانسة بصورة أكبر.
وشدّد الدكتور مولينا على أن تطوير العلاجات المناعية مثل العلاج بالخلايا التائية ذات مستقبلات المستضدات الوهمية يشكل أمراً بالغ الأهمية لأن هذه العلاجات يمكن أن تساهم في تحسين النتائج مع إمكانية تقليل أو حتى استبدال التعرض للعلاج الكيميائي وتأثيراته على المرضى على المدى الطويل. منوهاً إلى أن التجارب القادمة في مستشفى كليفلاند كلينيك والمؤسسات الأخرى ستركز على كيفية دمج هذه العلاجات في خطط العلاج في وقت مبكر، وما إذا كان بإمكانها في نهاية المطاف أن تحل محل العلاج الكيميائي وزراعة نخاع العظم كجزء من المنهجيات العلاجية”.
واختتم الدكتور مولينا بالتأكيد على أن مجال علاج سرطان الدم يشهد العديد من التطورات اللافتة، ونحن متفائلون بحذر بشأن التجارب التي يجري العمل عليها حالياً، والتي نهدف إلى جعلها متاحة وشاملة لجميع المرضى قدر الإمكان.