تُعدّ مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) واحدة من أكبر المشكلات التي تُهدّد الصحّة العامّة اليوم ؛ إذ يمكن أن تسبّب عدوى خطيرة إلى دخول المستشفى أو الاعتلال الشديد أو حتى الوفاة. نظراً للآليات الدائمة التطوّر التي تُمكِّن الكائنات الحيّة الدقيقة من البقاء على قيد الحياة من خلال التكيُّف مع التهديدات الحاليّة، تزداد مقاومة مضادّات الميكروبات وتتطوّر لأسبابٍ مختلفةٍ، بما في ذلك سوء استخدام المضادات الحيويّة والإفراط في استخدامها، وهو ما يُشار إليه باسم “العامل البشري” .
تأتي المضادات الحيويّة ضمن الموارد الأكثر قيمةً التي توصَّل إليها العالم؛ فقد أحدثت تغييراً كبيراً في الطب الحديث وأطالت متوسط عمر الإنسان بمقدار 23 سنة . واليوم تضاءلت فاعليّتها على نحوٍ يُنذر بالخطر بسبب قدرة مُسبّبات الأمراض على التغيير وإيجاد طرقٍ لمقاومة تأثيراتها، وهكذا تظلّ مُسبّبات الأمراض المقاومة للميكروبات على قيد الحياة وتنمو وتزداد مقاومتها . وتُعدّ مُسبّبات الأمراض المقاومة لمضادات الميكروبات مشكلةً عالميةً كبيرةً تُهدّد الصحّة العامّة نظراً لعدم استجابتها للعديد من الأدوية المضادة للميكروبات.
يلقى 700,000 شخص على الأقل حتفهم كل عامٍ بسبب الإصابة بعدوى مقاومةٍ للأدوية، ومن المتوقع أن تؤدّي هذه العدوى إلى حدوث 10 ملايين حالة وفاة كل عام على مستوى العالم بحلول عام 2050 5. ومن شأن هذه المشكلة التأثير على أيّ شخص في أيّ مرحلة عمريّة وفي أيّ دولة . إذا واصلت مقاومة مضادات الميكروبات زيادتها دون التصدّي لها؛ فقد تُصبح العدوى البسيطة مُهدِّدة للحياة، وقد يستحيل علاج الأمراض الخطيرة، وقد يُصبح تنفيذ العديد من الإجراءات الطبيّة الروتينيّة محفوفاً بالمخاطر .
لقد تجلَّت هذه المشكلة مؤخراً نتيجة لصعوبة الوصول السريع إلى الرعاية الطبيّة المؤهَّلة وانتشار التطبيب الذاتي. تواجه بعض أجزاء منطقة الشرق الأوسط مشكلة تفاقم مقاومة مضادات الميكروبات بسبب نقص الطاقة الاستيعابيّة للمُختبرات، وضعف الإشراف على مضادات الميكروبات (AMS)، ونُدرة البيانات الجيدة . من المهم أن يعي العامّة خطورة مقاومة مضادات الميكروبات، وطُرق مكافحتها لضمان مستقبلٍ صحي للجميع في أنحاء العالم.
نقص تشخيص الأمراض يعد خطراً كبيراً.
من أهم المشكلات التي تواجه المجتمع الطبيّ فيما يتعلّق بمقاومة مضادات الميكروبات هي عدم تشخيص العدوى البكتيريّة والفطريّة الخطيرة أو تشخيصها بشكل خاطئ في أغلب الأحيان . ويُقدّر التشخيص الخاطئ لعدوى بكتيريّة مُحدّدة بما يصل إلى 15% تقريباً، كما يُقدّر مُعدّل الوفيات بسبب تأخر التشخيص بنسبة 49% .
من المهم استخدام طرق تشخيصيّة حديثة لتوفير خيارات علاجيّة صحيحة في الوقت المناسب، وخاصّةً بسبب ضرورة تلقّي العلاج خلال فترة وجيزة من تشخيص الحالات المرضيّة الشديدة. أظهرت الأبحاث الارتباط بين قصر الوقت السابق لإعطاء المضاد الحيوي المناسب لعلاج عدوى بكتيريّة مُحددة وبين انخفاض حالات الوفاة خلال 30 يوماً ومن شأن دمج هذه الأدوات في برامج الإشراف على مضادات الميكروبات المساعدة في تسهيل الاستجابة الصحيّة في الوقت المناسب؛ مما يؤدي إلى تحسين نتائج المرضى وتحقيق أقصى استفادة من مضادات الميكروبات12. يجب اتخاذ إجراءات فورية، مثل استخدام هذه الاختبارات حيثما تكون متاحة اليوم، والعمل معاً لتسهيل إمكانيّة الوصول إليها في الأماكن التي لا تتواجد فيها هذه الاختبارات.
تُعدّ مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات وتوليد البيانات السرّ الحقيقي وراء فهم نطاق المشكلة.
تُمثّل برامج مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات ضرورة مُلحّة لتتبُّع مدى انتشار مُسببّات الأمراض المُقاوِمة للعقاقير، ولوضع التدابير اللازمة لمكافحتها وإطالة مدة فاعلية الأدوية الأساسيّة المضادة للميكروبات. أُطلق واحدٌ من أضخم برامج مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات في العالم، قاعدة بيانات قيادة ومراقبة اختبارات مضادات الميكروبات (ATLAS)، بواسطة شركة “فايزر”، إحدى الشركات العالميّة المتخصّصة في المستحضرات الدوائيّة الحيويّة. يُشارك حاليّاً أكثر من 21 موقعاً في منطقة الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا (MERA) وتركيا في جهود المراقبة وتوليد البيانات. واليوم، يزوّد برنامج قيادة ومراقبة اختبارات مضادات الميكروبات (ATLAS) صُنَّاع القرار وخبراء الرعاية الصحيّة حول العالم بإمكانيّة الوصول الكامل إلى بيانات المراقبة الفعليّة على أساس سنوي لتقييم اتجاهات المقاومة، ومن ثم يُمكِّنهم من تطويع برامج الإشراف ومكافحة العدوى والوقاية13.
جهود التعاون والشراكات خطوة مهمة في تعزيز المعرفة ودعم الوصول إلى المعلومات بشأن مقاومة مضادات الميكروبات.
تُعدّ الشراكات ضرورة مُلحّة لزيادة الوعي بشأن مقاومة مضادات الميكروبات وتوفير إمكانيّة الوصول إلى أحدث الحلول الطبيّة في هذا المجال لتعظيم أثر الممارسات في جميع أنحاء العالم بهدف تحسين رعاية المرضى والممارسات السريريّة واقتصاديّات الرعاية الصحيّة. يجب على الحكومات والصناعات وخبراء الرعاية الصحيّة ومجتمعات الصحّة العامّة التعاون معاً لاتخاذ الإجراء اللازم لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات باستخدام نهجٍ متعدّد القطاعات.
في أوائل هذا العام، انطلقت مبادرة “التعاون على التوجيه عن بُعد والعدالة والمناصرة من أجل الصحّة من خلال الإشراف على مضادات الميكروبات (TEACH AMS)” بهدف توسيع نطاق الوصول إلى أفضل الممارسات في مجال الإشراف على مضادات الميكروبات في البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل. انصبَّ التركيز خلال العام الأول على إطلاق المبادرة في أوغندا وكينيا وغانا ومالاوي، وقد كُلِّل هذا الجهد بالنجاح من خلال جهود التعاون والدعم المالي من شركة “فايزر”14.
علاوةً على ذلك، عقدت شركة “فايزر” شراكة مع “صندوق ويلكم Wellcome Trust” عام 2020، لإطلاق مشروع “الشراكة في المراقبة لتحسين البيانات من أجل اتخاذ الإجراء اللازم بشأن مقاومة مضادات الميكروبات (SPIDAAR)”15، وهو مشروع بحثي فريد نُفِّذ في أربع دول أفريقيّة جنوب الصحراء الكبرى. ويهدف هذا التعاون المستمر إلى توفير المعلومات الأساسيّة للتصدّي لمقاومة مضادات الميكروبات؛ مما يُقدّم تدريباً متطوّراً على الممارسات المُختبرية لتحسين قدرة الرعاية الصحيّة.
تُمثّل جهود التعاون بين الحكومات وشركات المستحضرات الدوائيّة ومزوّدي خدمات الرعاية الصحيّة ومعاهد الأبحاث أهميّةً كبيرةً في دعم الابتكار وتعزيز الاستخدام المسؤول للمضادات الحيوية والمضي قدماً نحو تطوير علاجات حديثة. من خلال جمع الخبرات والموارد في بوتقة واحدة، من شأن هذه التحالفات تحسين آليات المراقبة وتبسيط الأُطُر التنظيميّة، وتعظيم جهود التوعية العامّة. تتطلب الطبيعة المتداخلة لأنظمة الرعاية الصحية التزاماً جماعياًّ لمواجهة التحديات الدائمة التغيُّر التي تفرضها مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات. ومن خلال المبادرات التعاونيّة، يمكننا تعزيز دفاعاتنا والحفاظ على فاعليّة مضادات الميكروبات الحاليّة وتمهيد الطريق أمام إيجاد حلول مُستدامة لمكافحة هذه الأزمة الصحيّة العالميّة.
الدكتور حارثي محمد أمين
المدير الطبي الاقليمي لوحدة المستشفيات بمنطقة الشرق الاوسط وافريقيا و روسيا وتركيا – شركه فايزر