تعتبر المشتريات وظيفة بالغة الأهمية مهما كان حجم المؤسسة، حيث تدعم كفاءة العمليات التجارية اليومية.
فلا يمكن الشركات توفير المال، أو الحفاظ على الجودة، أو تعزيز العلاقات مع الموردين، أو تحسين الكفاءة العامة دون الاستعانة بخبرات مختصي المشتريات.
وبحسب الأبحاث، من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق المشتريات كخدمة في الشرق الأوسط 165.9 مليون دولار أمريكي بحلول العام 2027 – وهي زيادة كبيرة مقارنة بالرقم الإجمالي عام 2019، والبالغ 108.4 مليون دولار أمريكي.
إلا أن تلك التوقعات غير مفاجئة، بالنظر إلى سرعة نمو مشهد الأعمال بالمنطقة. فقد عززت الفعاليات البارزة مثل كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر وإكسبو 2020 في دولة الإمارات الاقتصادات الوطنية بشكل ملموس، بينما تعمل المملكة العربية السعودية على تحقيق مشروع رؤيتها 2030 الذي يهدف إلى ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية للتجارة والأعمال والسياحة.
إلا أن القطاع يواجه تحديات غير مسبوقة في التكيف مع الفرص الجديدة رغم النمو المتوقع، ولا بد من الاستعانة بالأدوات والخدمات المناسبة لتحقيق نتائج إيجابية.
على سبيل المثال، لا يزال الذكاء الاصطناعي إضافة جديدة نسبيًا إلى أجندة الأعمال، ولكنه يتمتع بإمكانات هائلة لتحويل العديد من جوانب العمليات اليومية للشركة. ووفقًا لبحث أجرته Statista، فإن أكثر من 10 بالمائة من شركات التصنيع العالمية تعتقد بأن الذكاء الاصطناعي كان أداة حاسمة في عام 2022، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 35 بالمائة بحلول العام 2025.
يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام الإدارية الروتينية التي عادة ما تستغرق وقتًا طويلاً – بما في ذلك إنشاء الوثاق وإدخال البيانات وتحليلها ومفاوضات البائعين ومراقبة اتجاهات السوق.
وفي ظل التطور التقني المستمر، من المتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي أدوارًا رئيسية ستمتد إلى ما هو أبعد من الأتمتة البسيطة. ففي مجال المفاوضات الديناميكية على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم إجراء مفاوضات أكثر تعقيدًا تعتمد على البيانات، بما في ذلك توجيه الشروط التعاقدية، وهياكل التسعير المعقدة، وتصميم الاتفاقيات.
ففي مجال المشتريات الإستراتيجية، تستفيد التحليلات التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من تحليل البيانات الشامل للتنبؤ باتجاهات السوق والاضطرابات المحتملة في سلسلة الإمداد، مما يساعد على التوصية بإجراء استباقية للتعديل في استراتيجيات الشراء.
كما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في توفير تقييمات شاملة للاستدامة، واتخاذ قرارات أفضل معتمدة على البيانات لتعمل على مواءمة عمليات الشراء مع أهداف المسؤولية الاجتماعية للشركات والاستدامة البيئية على مستوى الأعمال.
لا يمكن للمشتريات في عصرنا الحالي أن تتجاهل مخاطر فقدان البيانات المهمة، وخاصة معلومات سلسلة الإمداد، في ظل تزايد الهجمات السيبرانية التي يمكن أن تسبب عواقب كارثية مكلفة وطويلة الأمد في الشركات المتضررة وسلاسل الإمداد والعملاء. ولذلك، يجب أن تعمل أقسام المشتريات بشكل وثيق مع أقسام تكنولوجيا المعلومات لضمان وجود أنظمة محكمة وآمنة في قبل فوات الأوان.
ورغم أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بالقدرة على حل المشاكل المعقدة، فلا ينبغي اعتباره بديلاً للخبرة البشرية في مجال المشتريات.
تعد المشاركة البشرية أمرًا بالغ الأهمية لضمان عدم انتهاك أنظمة الذكاء الاصطناعي للحدود الأخلاقية. ومن هذا المنطلق، وبالتزامن مع ازدياد التعقيد في مهام المشتريات، يجب على قادة المشتريات اتخاذ الخطوات التي لا تقتصر على توظيف الأفراد ذوي المهارات المناسبة والقدرة على حل المشكلات، بل الحرص كذلك على الاحتفاظ بالموظفين والاستثمار في قدراتهم وتدريبهم لمساعدتهم على تطوير المهارات الشخصية والتقنية المطلوبة.
وفضلًا عن ذلك، يعد الاستثمار في التكنولوجيا أمرًا بالغ الأهمية لأن بوسعه التقليل من عبء المهام الإدارية والمتكررة من خلال الأتمتة والتحول إلى المهام ذات القيمة المضافة.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه تبني الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في أمن تقنية المعلومات، ووجود قوة عاملة ماهرة من أهم الركائز الحيوية للعمل، فلا بد أن يكون متخصصو المشتريات على دراية بالأحداث الجيوسياسية التي يمكن أن تؤثر على عملياتهم – مثل التأخير المحتمل في الإنتاج وزيادة التكاليف، فضلاً عن التقلبات الاقتصادية.
تعد دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية من الأسواق الأسرع نمواً في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، مما يوفر عدداً كبيرًا من فرص النمو. ولكن لا بد أن يكون قادة المشتريات مواكبين للمستجدات ومستعدين للتعامل مع التحديات والاضطرابات التي قد تطرأ، وإلا فقد يكون لها تأثير هائل على المؤسسة – سواء على المدى القصير أو الطويل.