استعرضت شركة جارتنر اليوم، وعلى لسان شيفاني باليبو، محلل رئيسي لدى “جارتنر” للأبحاث، أبرز التوجهات التي سيشهدها قطاع النقل خلال العام 2025، ودور التقنية في التحولات التي سيشهدها القطاع.
ومن المتوقع أن يتمحور قطاع النقل خلال عام 2025 على الحلول المعززة بالذكاء الاصطناعي من أجل تحسين الرؤى المتعلقة بالبيانات، وإدارة البنى التحتية، وتحقيق مستويات فائقة من التخصيص، وتعزيز الكفاءة التشغيلية. وتم تصميم هذا التحول الاستراتيجي من أجل تحسين الكفاءة والاستدامة بالتزامن مع الارتقاء بتجربة السفر ككل.
ويوجد موضوعان رئيسيان يدفعان عجلة هذا التحول: الابتكار المتمحور حول المسافرين، والتطويرات المرتكزة على العمليات. ولا يقتصر تأثير هذه المواضيع على المشهد الحالي لقطاع النقل فحسب إذ أنها تمهد الطريق للمستقبل أيضاً. ويتم في الوقت الحالي إحداث تغيير جذري في أنظمة النقل من خلال دمج التقنيات المتقدمة وتوظيف قدرات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات، ما يعزز كيفية سفر الأفراد، والكيفية التي تحقق الشركات من خلالها الكفاءة التشغيلية والاستدامة. ونذكر في ما يلي أبرز توجهات قطاع النقل في عام 2025.
توسع شبكة القطارات السريعة يحسن تجربة المسافرين
يسهم توسع شبكة القطارات السريعة في إعادة رسم معالم قطاع النقل من خلال توفير حلول سفر أكثر سرعة وكفاءة واستدامة. وتتمتع هذه القطارات بالقدرة على بلوغ سرعات تزيد على 250 كيلومتر في الساعة (155 ميلاً في الساعة)، وتسهم هذه الشبكات المتطورة في تحسين تجربة المسافرين من خلال تقليل الوقت اللازم للتنقل وتحسين مستويات الراحة وزيادة قنوات الربط بين مراكز المدن.
وتشمل تطويرات شبكة القطارات السريعة تحديثات ملموسة في البنى التحتية، ومن ضمن ذلك المسارات المخصصة والأنظمة المتطورة للإشارات والمحطات الحديثة، إلى جانب التحسينات في جودة الخدمات مثل زيادة وتيرة الخدمات، ووسائل الراحة المتقدمة على متن القطارات. ويشهد الطلب على الحلول الفعالة للسفر بين المدن نمواً بالتزامن مع تسارع توسع المدن، ما يجعل القطارات عالية السرعة بديلاً جيداً للرحلات القصيرة التي كثيراً ما يتم انتقادها بسبب أثرها البيئي. ويتماشى هذا التحول مع الجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات غاز الكربون وتحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ، ما يشجع على ضخ استثمارات كبيرة في مشاريع شبكات القطارات السريعة في جميع أنحاء العالم. وفي هذا السياق، فقد أطلقت دول مثل الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة مشاريع قطارات سريعة لتعزيز الربط الإقليمي، إذ حققت الهند تقدماً ملموساً في مشروع القطارات السريعة بين مومباي وأحمد أباد (MAHSR)، في حين تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة لبناء شبكة القطارات السريعة على مراحل. ومن المتوقع أن تنطلق عمليات المرحلة الأولية التي تشمل خط السكك الحديدية من أبوظبي إلى دبي بحلول عام 2030.
شركات الطيران والمطارات تعتمد “التنقل المقدم كخدمة” (MaaS) من أجل توفير تجربة سفر متكاملة
يقوم “التنقل المقدم كخدمة” (MaaS) بإحداث تحول جذري في قطاع الطيران من خلال تقديم منصة تتيح للمستخدمين تخطيط خدمات التنقل المتنوعة وإجراء الحجوزات ودفع قيمتها عبر تطبيق أو موقع إلكتروني موحد. ويسهم هذا التوجه في دمج خيارات مثل وسائل النقل العام واستئجار السيارات ووسائل النقل الصغيرة ما يوفر تجربة سفر ميسرة ومتكاملة من نقطة البداية إلى نقطة النهاية. أما في سياق شركات الطيران والمطارات، فإن تطبيقات “التنقل المقدم كخدمة” (MaaS) تشكل فرصة كبيرة لدمج السفر الجوي مع وسائل النقل الأخرى ما يوفر رحلات مخصصة للمسافرين. وإضافة إلى النقل متعدد الوسائط، يمكن لتطبيقات “التنقل المقدم كخدمة” تقديم إشعارات آنية، وتتبع الأمتعة، وتوفير خدمات التأمين على السفر، والجولات في المدن، ومكافآت الولاء، ما يجعلها تطبيقات شاملة ومتكاملة تلبي جميع الاحتياجات المتعلقة بالسفر.
ويسهم الطلب المتنامي على المستويات الأعلى من الراحة وتجارب السفر الأكثر تخصيصاً في إعطاء دفعة للتوجه نحو تطبيقات “التنقل المقدم كخدمة” (MaaS). وأخذ التركيز يتحول من مجرد توفير خدمة الانتقال من نقطة إلى أخرى ليشمل توفير تجربة سفر متكاملة بما في ذلك كيفية وصول العملاء إلى المطار، حيث يسهم هذا التحول في إيجاد مصادر جديدة للدخل وفرص عمل لشركات الطيران والمطارات.
المستويات المتنامية لاستخدام روبوتات الدردشة المعززة بالذكاء الاصطناعي تُحدث تحولاً جذرياً في تجربة المسافرين
تواصل أهمية روبوتات الدردشة المعززة بالذكاء الاصطناعي نموها لتصبح أداة تحولية في قطاع النقل، وتسهم بشكل كبير في الارتقاء بتجربة المسافرين. وتوظف روبوتات الدردشة هذه الذكاء الاصطناعي التوليدي من أجل تقديم استجابات مخصصة، وأتمتة الاستفسارات المتكررة، وتوفير دعم متعدد اللغات، ما يجعلها أداة قيّمة للغاية لخدمة العملاء. وتتيح قدرات معالجة اللغات الطبيعية للذكاء الاصطناعي التوليدي لهذه التكنولوجيا المساعدة في التسويق الرقمي، وفي إدارة التغيرات الجذرية، وإعادة الحجز الذاتي في حال تغيير مسار الرحلة. وإن التوجه المتنامي نحو دمج روبوتات الدردشة المعززة بالذكاء الاصطناعي مدفوع بقدرتها على تبسيط العمليات وتحسين رضا العملاء.
لقد حازت الإمكانيات التحولية التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي التوليدي على اهتمام قادة القطاع، وخاصة في مجال النقل إذ أنها تسهم في تعزيز الابتكار والإنتاجية. وأوضح استطلاع جارتنر 2025 للرؤساء التنفيذيين لشؤون تكنولوجيا المعلومات والمسؤولين التنفيذيين للتكنولوجيا أن نحو 71% ممن شملهم الاستطلاع يخططون لنشر الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال عام 2025، مع ارتفاع هذا الرقم إلى 95% بحلول عام 2027. كما أشار الاستطلاع إلى أن 81% ممن شملهم الاستطلاع في قطاع النقل كانوا يرون التميز في تجربة العملاء على أنه نتيجة مهمة للاستثمارات في التكنولوجيا الرقمية. ونتيجة لذلك تواصل المؤسسات العاملة في قطاع النقل اعتماد روبوتات الدردشة المعززة بالذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل متزايد من أجل تحسين خدمة المسافرين والدعم. على سبيل المثال، نجح روبوت الدردشة “مهراجا” (Maharaja) التابع لشركة طيران الهند (Air India) في التعامل مع أكثر من مليون استفسار من الركاب وبلغات متعددة، حيث عالج بكفاءة 80% من الأسئلة اليومية. وبصورة مماثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أبرمت الاتحاد للطيران شراكة مع شركة “أسترا تك” (Astra Tech) القابضة للتكنولوجيا الاستهلاكية والتي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، تتيح للعملاء حجز الرحلات باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن تطبيق المحادثة “بوتم” (Botim) المعروف إقليمياً. وتهدف روبوتات الدردشة هذه إلى تقديم مساعدة فعالة وآنية للحجوزات والاستفسارات عن الرحلات وتجارب السفر المخصصة.
زيادة استخدام التوأم الرقمي والذكاء الاصطناعي في إدارة البنى التحتية
يسهم دمج تقنيات التوأم الرقمي والذكاء الاصطناعي في إدارة البنى التحتية للنقل في إحداث تحول بالكيفية التي تتم من خلالها صيانة الأصول مثل السكك الحديدية والموانئ والطرق وتحسينها. توفر التوائم الرقمية تمثيلاً افتراضياً للبنى التحتية المادية ما يتيح نمذجة تفصيلية ومحاكاة لسيناريوهات النقل، وابتكار الأصول، وسلوك المستخدم. ويساعد هذا النهج الرؤساء التنفيذيين لشؤون المعلومات في مجال النقل على مواءمة قدرات البنى التحتية الحالية مع المتطلبات المستقبلية للمنظومة ما يوفر رؤية شاملة لدورات حياة الاستثمار.
ويسهم الذكاء الاصطناعي بتحسين هذه العملية من خلال تحسين القدرة على التنبؤ بنقاط الاختناق وتحديد الفرص وتعزيز عملية اتخاذ القرار بالتزامن مع تطور البيئات التشغيلية. وتدعم هذه التكنولوجيا أنظمة النقل الذكي (ITS) ما يمكّن من إتمام الوظائف ومهام الاتصال بين المركبات والبنى التحتية، ويساعد على إنشاء منظومة ذكية للبنى التحتية المتصلة تعزز إدارة تنظيم الخدمات بما فيها رسوم النقل حسب نوع المركبة أو الفعالية، أو إدارة المناطق منخفضة الانبعاثات.
وتقوم المؤسسات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال بتوظيف الذكاء الاصطناعي والبيانات المتعلقة بالحركة من أجل تحسين إدارة النقل وذلك من خلال توقع أنماط الحركة، وتخطيط المسارات بهدف منع الاختناقات المرورية، وتخطيط عمليات صيانة البنى التحتية. وقام مركز النقل المتكامل في أبوظبي بالتعاون مع جوجل في مبادرات مثل مشروع “غرين لايت” الذي يوظف الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة إشارات المرور وتقليل الانبعاثات. ويقوم المشروع الآخر بتوظيف منصة الذكاء الاصطناعي لشركة جوجل من أجل توقع الاختناقات المرورية. من جانبها، قامت هيئة الطرق والمواصلات في دبي بإنشاء منصة ذكاء اصطناعي وعلوم بيانات تهدف إلى تحسين الصيانة التنبؤية وتخطيط المسارات وإدارة الحشود وبالتالي تعزيز كفاءة حركة النقل ككل.
وبشكل مماثل قامت مدينة بنغالورو الهندية بنشر نظام للتحكم التكيفي بحركة المرور (ATCS) معزز بالذكاء الاصطناعي في 41 تقاطعاً، ما قلل الحاجة إلى إدارة حركة المرور بشكل يدوي.
مشغلو السفن يوظفون تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي من أجل تحسين المسارات
يقوم مشغلو السفن بتوظيف حلول تحسين الرحلات المعززة بالذكاء الاصطناعي من أجل اتخاذ قرارات سديدة حول استهلاك السفن للوقود وخفض الانبعاثات الكربونية، إذ أن كميات الكربون المنبعثة من القطاع البحري هائلة. ومن خلال تحسين المسارات عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، فإنه يمكن لقادة قطاع النقل تحسين الكفاءة التشغيلية وتخفيض النفقات والوفاء بالتزامات الاستدامة. ويوفر هذا التوجه فوائد ملموسة دون الحاجة إلى استثمارات رأسمالية كبيرة في المعدات الخاصة بالسفن.
ويمكن لأنظمة تحسين الرحلات جمع البيانات التي تقوم بتقييم أداء سفينة ما، ومن ضمنها حالة بدن السفينة والدواسر والمحرك، الأمر الذي يتيح للمشغلين تحديد تأثير بعض التفاصيل الخاصة بالسفن مثل التلوث، على استهلاك الوقود والانبعاثات وبالتالي دعم العمليات البحرية المستدامة وتقليل الأثر البيئي.
كما يتوجب على قادة قطاع النقل إعداد دراسات جدوى مستفيضة قبل الاستثمار في حلول التحسين الآني للرحلات، ومن ضمن ذلك دراسة الانبعاثات المرتبطة بكل رحلة لفهم الأثر البيئي الحالي، والتنبؤ بالتوفير المحتمل في الوقود والانبعاثات في حال تم تحسين المسارات.
على سبيل المثال، يقوم مشروع الاسطرلاب الفضائي في دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يعد مشروعاً مشتركاً بين وزارة الطاقة والبنية التحتية ومركز محمد بن راشد للفضاء، باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الفضاء من أجل مراقبة السفن في موانئ الدولة وتحسين المراقبة البحرية والكفاءة التشغيلية، إذ تهدف هذه المبادرة إلى تحسين رصد وإدارة السفن وضمان مستويات أمن أفضل وتبسيط عمليات الموانئ.