حصد العرض المسرحي القطري “ماسح الأحذية” جائزة أفضل نص مسرحي وجائزة أفضل إضاءة، وذلك في ختام الدورة السابعة من المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج، في الجمهورية التونسية، ويؤكد هذا الإنجاز الجديد ريادة المسرح القطري عربيًا ودوليًا، كما يعكس نضج التجربة المسرحية القطرية وتكاملها.

المسرحية من تأليف الدكتور خالد الجابر، وإخراج وسينوغرافيا الفنان حافظ خليفة، وأداء مبدع من الفنان محمد العباسي، وإنتاج شركة جسور للإنتاج الفني. وقد مثل هذا العمل ثمرة تعاون ثقافي عميق بين قطر وتونس، عبّر عن وحدة الفن العربي في مواجهة التحديات الفكرية والإنسانية، من خلال عرض مسرحي يجمع بين النص العميق، والرؤية الإخراجية التجريبية، والأداء التعبيري المتقن.
دعم مؤسسي
وبهذه المناسبة، قال المؤلف الدكتور خالد الجابر:”أهدي هذا الإنجاز إلى المسرح القطري، الحاضنة الأولى لتجربتنا الإبداعية، كما أهديه إلى المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” التي شكّلت، منذ البداية، شريكًا رئيسيًا في هذا المشروع، ونتقدم بخالص الشكر والعرفان لسعادة الدكتور خالد بن إبراهيم السليطي، المدير العام لـ”كتارا”، على دعمه المستمر وجهوده المتميزة التي ساعدت على تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس، بدءًا من مرحلة التأسيس الأولى وصولًا إلى لحظة التتويج”.
وثمّن د. خالد الجابر الدور الذي قامت به وزارة الثقافة ممثلة بمركز شؤون المسرح، على دعمها المتواصل، وحرصها على تمكين الكفاءات المسرحية القطرية والعربية من التفاعل مع قضايا مجتمعاتها من خلال الاستثمار في الإبداع المسرحي.
وأوضح أن المسرحية تتجاوز حدود العرض الفني التقليدي، لتُشكل شهادة درامية جريئة عن الواقع العربي في مرحلة ما بعد الثورات. فهي بمثابة فصل ناطق من كتاب الحقيقة العربية، يكشف الهزائم الفردية والجماعية، ويرصد صوت الانكسارات التي تتردد أصداؤها من غزة إلى سوريا، ومن لبنان إلى اليمن، ومن ليبيا إلى السودان. في كل تلك المحطات، كانت الأحلام تُزرع، لكنها غالبًا ما تُجتث قبل أن تزهر، لتتحول إلى رماد خيبات متكررة.
وأضاف أن المسرحية لا تقتصر على توثيق المآسي، بل سعت إلى تعرية التشققات العميقة في البنية الفكرية والثقافية للمجتمعات العربية، كاشفةً عن أزمة هوية آخذة في التفاقم، وعن ثقافة تائهة فقدت بوصلتها، وتخلّت عن قدرتها على إنتاج المعنى. لذلك عيرت السردية المسرحية عن ثقافة مأزومة، تتأرجح بين اغتراب داخلي في أوطانها، واغتراب قسري في المنافي، عاجزة عن بلورة خطاب جامع، أو توليد وعي قادر على التماسك في وجه زمن عربي مفكك ومضطرب.
تجربة جودية
بدوره، قال المخرج حافظ خليفة إن المسرحية ترصد حال الإنسان العربي في زمن الانهيارات، موضحًا أن “ماسح الأحذية” هو رمز لكل من عاش على هامش الحلم العربي، بين التطلعات والانكسارات. وأضاف أن العرض يستبطن مجاز الزلزال باعتباره لحظة سقوط الأقنعة وانكشاف الذات، مشيرًا إلى توظيف تقنيات المسرح الملحمي لكسر الجدار الرابع وجعل الجمهور جزءًا من التجربة الوجودية للشخصية.
ملامسة الجراح
أبهر الفنان محمد علي العباسي الجمهور بأدائه المتعدد الطبقات، مجسّدًا شخصية “ماسح الأحذية” بكل تناقضاتها الداخلية، متنقلًا بين الغضب والانكسار، بين الأمل والعبث. وقد أشاد النقاد بتقنيته في الأداء الحركي والصوتي، مؤكدين أن العرض تجاوز الحكاية ليلامس جوهر المسرح كفن تعبيري إنساني. وصف أحد النقاد التونسيين العرض بقوله: “عمل يجرد المسرح من زينته ليبني صرحًا من العمق والرمزية.”
حضور المسرح القطري
بهذا التتويج، يثبت المسرح القطري مجددًا مكانته كفاعل ثقافي أساسي في المشهد العربي والدولي، ويعزز من حضوره في فضاءات التبادل الفني والفكري. ويأتي مهرجان أيام قرطاج كأحد أهم التظاهرات المسرحية في العالم العربي، منصة تُفتح على آفاق إنسانية رحبة وتمنح الفرصة للأعمال النوعية في الوصول إلى جمهور متعدد المرجعيات والانتماءات.