في عصر يتسم بالتغيرات السريعة والابتكارات التكنولوجية المتلاحقة، أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) محركًا رئيسيًا للتحول الاقتصادي على مستوى العالم. فهي لا تقتصر فقط على تحسين الكفاءة وتعزيز التنافسية، بل تعيد تشكيل نماذج الأعمال وتفتح آفاقًا جديدة للنمو المستدام. وفي هذا السياق، تبرز الأسواق الناشئة، مثل الجزائر، كواحدة من أكثر المناطق استفادة من هذه الثورة التكنولوجية، خاصة مع وجود برامج داعمة مثل مبادرة المساعدة من أجل التجارة للدول العربية (AfTIAS) 2.0.
تُعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عنصرًا أساسيًا في تحقيق النمو الاقتصادي، خاصة في الدول التي تسعى لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي. ومن خلال تقديم حلول مبتكرة، تساعد هذه التكنولوجيا في تحسين الإنتاجية، وتسهيل الوصول إلى الأسواق العالمية، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من المنافسة على نطاق أوسع. وفي الجزائر، يأتي برنامج AfTIAS 2.0 كأحد أبرز المبادرات التي تعمل على تسخير هذه التكنولوجيا لدفع عجلة التحول الاقتصادي.
يُعتبر برنامج AfTIAS 2.0 في الجزائر مثالًا حيويًا على كيفية إعادة تعريف الفرص الاقتصادية من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فقد نجح البرنامج في تعزيز تنافسية الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة من خلال معالجة التحديات التي تواجهها، بدءًا من بناء القدرات وصولًا إلى تسهيل الوصول إلى الأسواق الدولية. وبفضل تركيزه على التحول الرقمي، تم إنشاء منظومة ريادية مزدهرة تسهم في دفع الاقتصاد الجزائري نحو آفاق جديدة.
من أبرز إنجازات AfTIAS 2.0 تعزيز قدرات منظمات دعم الأعمال (BSOs) في الجزائر. فقد حصلت مؤسسات مثل Algeria Venture وصندوق دعم الشركات الناشئة الجزائري (ASF) على دعم مخصص لتحسين خدماتها، بما في ذلك تقديم الاستشارات وتسهيل الوصول إلى التمويل. على سبيل المثال، تم تنظيم ورش عمل متخصصة حول الرقمنة، مما مكّن هذه المؤسسات من تطوير خطط عمل فعالة للتحول الرقمي. ونتيجة لذلك، أصبحت هذه المنظمات قادرة على تقديم دعم أكثر فاعلية للشركات التي تعمل في بيئة رقمية سريعة التغير.
لم تقتصر فوائد AfTIAS 2.0 على المنظمات الداعمة فحسب، بل امتدت لتشمل الشركات الناشئة نفسها. فقد قدم البرنامج تدريبات متخصصة ساعدت هذه الشركات في سد الفجوات في نماذج أعمالها، وتحسين التخطيط المالي، ووضع استراتيجيات للتوسع الدولي. على سبيل المثال، تم تنظيم برامج تدريبية بالتعاون مع كيانات مثل IncubMe، ركزت على مجالات حيوية مثل علم البيانات، والاستراتيجيات التجارية، وجاهزية المستثمرين. هذه البرامج لم تكن نظرية فحسب، بل قدمت أدوات عملية مكّنت الشركات من توسيع عملياتها وتعزيز تنافسيتها.
كان تسهيل مشاركة الشركات الجزائرية في فعاليات دولية كبرى مثل معرض GITEX ومؤتمر Viva Technology أحد أبرز إنجازات AfTIAS 2.0 , وقد وفرت هذه المنصات للشركات الناشئة الجزائرية فرصًا ثمينة للتواصل مع شركاء عالميين، وكذلك جذب استثمارات جديدة. على سبيل المثال، نجحت شركة Namlatic في تأمين عقود مع فنادق جزائرية وحظيت بتغطية إعلامية واسعة، مما يبرز النتائج الملموسة لهذه المشاركات الدولية.
تؤكد جهود البرنامج أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليست مجرد أداة لتحسين العمليات، بل هي محرك للتحول الاقتصادي الشامل. من خلال دمج هذه التكنولوجيا في قطاعات التجارة والأعمال، يفتح البرنامج آفاقًا جديدة للنمو تتجاوز الحدود الوطنية. كما يركز البرنامج على تمكين النساء والشباب في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يضمن أن يكون التحول الاقتصادي شاملاً ومستدامًا.
رغم النجاحات التي حققها AfTIAS 2.0، لا تزال هناك تحديات قائمة تحتاج إلى معالجة. من بين هذه التحديات الحاجة إلى تعزيز الاستقرار المؤسسي، وتحسين البنية التحتية الرقمية، وزيادة الاستثمار في بناء القدرات. ويُظهر التزام البرنامج بمعالجة هذه القضايا من خلال بعثات تشخيصية ودعم مستمر أن الطريق نحو التحول الاقتصادي الكامل لا يزال طويلًا، ولكنه ممكن.
يُجسد برنامج AfTIAS 2.0 الإمكانات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحفيز النمو الاقتصادي والابتكار. ومن خلال تعزيز الثقافة الرقمية، وبناء القدرات المؤسسية، وتسهيل الروابط العالمية، كما يمهد البرنامج الطريق نحو مستقبل رقمي مزدهر. ومع استمرار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تشكيل الاقتصاد العالمي، ستظل مبادرات مثل AfTIAS 2.0 تلعب دورًا محوريًا في ضمان أن تكون الأسواق الناشئة ليست فقط مشارِكة، بل قائدة في هذا التحول.