تُجسد الصقارة جوهر التراث العريق لدولة الإمارات، باعتبارها تقليدًا أصيلًا ومهيبًا يمتد بجذوره في عمق الصحراء، ويعكس قيم الهوية والمرونة والاحترام العميق للطبيعة. ويُعد معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، المُقام في مركز أدنيك أبوظبي، منصة محورية لإحياء هذا الإرث الثقافي، إذ يُعرض فيه شغف الحفاظ على الصقارة وتنشيطها بأساليب حديثة تُواكب العصر.
ومن أبرز ملامح نسخة 2025 من المعرض، الزيادة اللافتة في مشاركة مزارع الصقور العالمية، لأربع أضعاف بعدد المزارع مقارنة بالعام الماضي.. وتشمل هذه المزارع نخبة من أبرز المؤسسات المتخصصة في تربية الصقور على مستوى دولة الإمارات، مثل KH Falcon، والسرامي فالكون، وAD Falcon، إلى جانب العديد من المزارع الرائدة الأخرى.
وفي معرض حديثه عن أهمية الصقارة ودور مزارع الصقور، أكد هادي المنصوري، مالك شركة KH Falcons، قائلاً: “الصقارة في دولة الإمارات ليست مجرد ممارسة تقليدية، بل تمثل جوهر الهوية الوطنية وتجسيدًا حيًا لتراثنا العريق. وتُعد مزارع الصقور حجر الأساس في هذا الإرث، إذ تسهم بشكل فعّال في صون فن الصقارة وتطويره، من خلال دعم الصناعات المحلية، والارتقاء بمستويات التربية، وترسيخ ثقافة التميز.“
وأوضح المنصوري: تُعد الفعاليات الكبرى مثل معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية منصة محورية لمزارع الصقور في دولة الإمارات، إذ توفر لها فرصة عرض نخبة طيورها أمام جمهور عالمي، مما يسهم في تعزيز الحضور الدولي للقطاع ودفع عجلة الابتكار فيه. كما أن المشاركة في المزادات والمعارض المتخصصة تشكل حافزًا للتطوير المستمر وتبادل الخبرات بين العاملين في هذا المجال.”
وأضاف المنصوري: “في شركة KH Falcons، نولي اهتمامًا بالغًا باستقطاب الصقور المتميزة من مختلف أنحاء العالم، مع التركيز على الطيور التي تتمتع بصفات فريدة وسلالات نادرة. وعند انضمامها إلى برامج التربية لدينا في الإمارات، نعمل على تطوير سلالات جديدة ترتقي بأعلى معايير الصحة، والمهارة، والجمال. ومن خلال هذه المبادرات، لا نكتفي بالحفاظ على إرث الصقارة العريق، بل نسعى أيضًا إلى ترسيخ مستقبل مزدهر لهذا الفن الأصيل، يليق بالأجيال القادمة.“
ويساهم المستوردون بدور محوري في إثراء فعاليات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية 2025، إذ تُعد شركة الشاهين ، التي تتخذ من مدينة العين مقرًا لها، مثالًا حيًا على أكثر من عشرين عامًا من الالتزام بفن الصقارة. ويشير مالك الشركة، أبو رشا، إلى أن عملياتهم تعتمد على استيراد بيض الصقور من دول مثل إسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث تُفقس وتُربى الصغار في بيئات مخصصة بالخارج. وعند بلوغها عمر ثلاثة إلى أربعة أشهر، تُنقل هذه الصقور إلى دولة الإمارات لتبدأ مرحلة التأقلم مع المناخ المحلي.
وتسلط هذه العملية الضوء على التحديات التي تواجه تربية الصقور داخل الدولة، نظرًا للظروف المناخية ، كما تعكس الحرص الكبير على تطبيق إجراءات دقيقة تضمن صحة الطيور وجودتها، بما يواكب أعلى المعايير العالمية في هذا المجال.
فيما تُعد شركة جي واي آر فالكون، التي تتخذ من مدينة العين مقرًا لها، واحدة من أبرز الأسماء في مجال الصيد بالصقور منذ تأسيسها في العام 2001، وتتميز الشركة بتنوع سلالاتها، حيث تجمع بين الصقور المحلية النادرة وتلك المستوردة من دول مثل ألمانيا، النمسا، المملكة المتحدة، هولندا، بولندا، وسلوفاكيا، في مزيج فريد يجمع بين الأصالة والانتشار العالمي.
وتؤدي الطيور في جي واي آر فالكون أدوارًا متعددة، فتكون رفقاء في رحلات الصيد، وأبطالًا في سباقات الصقور، أو حتى حيوانات أليفة ذات مكانة خاصة. وتتفاوت أسعارها بشكل كبير، إذ تبدأ من نحو 5000 درهم إماراتي لذكور الصقر وطيور الحوام الأخضر، لتصل إلى أكثر من مليون درهم إماراتي لبعض سلالات “ألترا وايت” القادمة من أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة. ومنذ انطلاق فعاليات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية 2025، تمكنت الشركة من بيع 25 طائرًا، من بينها سبع سلالات إماراتية، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا من قبل المشترين وشغفًا متناميًا بهذا الإرث التراثي الفريد.
ويُعد تدريب الصقور عنصرًا جوهريًا في رعايتها، ويُضيف تكلفة إضافية على الاستثمار، تُقدّر عادةً بحوالي 2000 درهم إماراتي. ومع متوسط عمر يتراوح بين 25 إلى 27 عامًا، تمثل ملكية الصقر التزامًا طويل الأمد يجمع بين الاحترام العميق لطبيعة الطائر والمسؤولية المستمرة تجاه رعايته.
يعكس هذا النمو الملحوظ في المشاركة المحلية والدولية في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية؛ انتعاشًا عالميًا في جاذبية الصقارة، ولكنه مهم بشكل خاص لدولة الإمارات، إذ ترمز الصقارة إلى الصلة الوثيقة بين الماضي والحاضر، حيث تمتزج التقنيات الحديثة بالمعرفة التي تمتد لقرون.
كما تُضفي المزادات الأسبوعية المستمرة في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية؛ طابعًا نابضًا بالحياة على مشهد الصقارة، إذ تشهد تبادلًا ديناميكيًا للطيور بين الملاك في مزيج فريد من التقاليد والتجارة.. وتستقطب هذه المزادات جمهورًا متنوعًا من الهواة والمستثمرين وعشاق التراث، يجمعهم شغف الحفاظ على هذا الإرث الثقافي العريق.
يُقدم معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية تجربة غنية للمشاركين، تُمكّنهم من التفاعل المباشر مع تقليد حيّ متجذر في ثقافة الإمارات، حيث يلتقون بالصقارين الشغوفين، ويكتشفون تفاصيل عالم تربية الصقور وتدريبها، في رحلة معرفية تكشف عن جوهر الهوية الإماراتية وروحها الأصيلة.