أظهر تقرير صادر عن مركز «الملاذ الآمن» للأبحاث أن أسعار الفضة ارتفعت بالأسواق المحلية بنسبة 9% خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت الأوقية في البورصة العالمية بنسبة 7% لتغلق عند أعلى مستوياتها منذ أغسطس 2011، مدفوعة بتراجع الدولار الأمريكي، وزيادة الطلب الصناعي، إلى جانب تنامي التوقعات بتوجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نحو مزيد من تيسير السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة.
على المستوى المحلي، ارتفع سعر جرام الفضة عيار 800 بنحو 5 جنيهات، حيث افتتح تعاملات الأسبوع عند 55 جنيهًا، واختتم عند 60 جنيهًا، بينما سجل جرام الفضة عيار 999 نحو 75 جنيهًا، وعيار 925 حوالي 70 جنيهًا، في حين استقر سعر جنيه الفضة (عيار 925) عند 560 جنيهًا.
وعلى الصعيد العالمي، فقد ارتفعت الأوقية بنحو 3 دولارات من 43 دولارًا إلى 46 دولارًا، لتُسجّل بذلك أعلى مستوى منذ 14 عامًا، بدعم من زيادة الإقبال على الملاذات الآمنة، وارتفاع الرهانات على خفض أسعار الفائدة الأمريكية، ما عزز جاذبية المعادن غير المدرة للعائد، وعلى رأسها الفضة..
مكاسب منذ بداية العام
وأشار التقرير إلى أن أسعار الفضة محليًا حققت مكاسب بلغت 46.3% منذ مطلع العام، أي ما يعادل 19 جنيهًا للجرام، إذ ارتفع السعر من 41 جنيهًا إلى 60 جنيهًا.
أما عالميًا، فقد قفزت الأسعار من 29 دولارًا إلى 46 دولارًا للأوقية، بزيادة 17 دولارًا تعادل 59%، لتصبح الفضة من أفضل الأصول أداءً بين المعادن النفيسة في 2025.نظرة تاريخية: تضاعف السعر حدث نادر
أوضح التقرير أن تضاعف أسعار الفضة خلال أربع سنوات يُعد حدثًا استثنائيًا، إذ تكرر فقط ست مرات منذ عام 1973، وفي أغلب الحالات السابقة، كان هذا الأداء إشارة إلى بداية اتجاه صعودي طويل الأجل وليس مجرد ذروة مؤقتة.
الفترات التي تجاوزت فيها مكاسب الفضة 100% خلال أربع سنوات ترافقت مع عوائد سنوية تراكمية بلغت في المتوسط نحو 19.5%، وهي نسبة تفوق أداء معظم المعادن الأخرى في فترات الاستقرار.
لكن التقرير حذّر من أن الفضة لم تحافظ دائمًا على مكاسبها بعد كل موجة تضاعف، مستشهدًا بما حدث في 2006 عندما تراجعت الأسعار بنحو 33% عقب صعود قوي، رغم تحقيقها مكاسب تجاوزت 100% في الفترة السابقة.
وفي الوقت ذاته، يرى التقرير أن الارتفاع الحالي بنسبة 38% خلال العام الماضي لا يُعتبر مفرطًا مقارنة بالموجات التاريخية، ما يُشير إلى زخم صحي ومُستدام نسبيًا.
كما لاحظ التقرير أن الفضة سجّلت 21 قمة سعرية على مدى أربع سنوات خلال العام الماضي، وهي وتيرة تُظهر وجود قوة دافعة أساسية وراء الاتجاه الصاعد، ما يُعزز فرضية دخول السوق في موجة صعود هيكلية مستمرة.
دروس من القمة السابقة في 1980
استعاد التقرير تجربة يناير 1980 حين قفزت أسعار الفضة إلى قرابة 50 دولارًا للأوقية مدفوعة بعوامل متشابهة مع اليوم، من بينها:تضخم مزدوج الرقم في الولايات المتحدة تجاوز 13%.، صدمة أسعار النفط عقب الثورة الإيرانية، ضعف الدولار الأمريكي، ما دفع المستثمرين إلى الأصول الصلبة، ومضاربات مكثّفة أبرزها من عائلة «هانت» الشهيرة.
ورغم انتهاء تلك الموجة بسرعة، فإنها أبرزت أن مزيج التضخم المرتفع والمخاطر الجيوسياسية وضعف الثقة في العملات الورقية هو بيئة مثالية لتفجر أسعار الفضة، وهي ظروف تعود إلى الواجهة في 2025.
العوامل الراهنة لصعود الفضة
التحوّط من التضخم: رغم رفع الفائدة، يظل التضخم «عنيدًا»، ما يجعل الفضة أداة فعالة للحفاظ على القوة الشرائية في مواجهة تآكل العملات.
الطلب الصناعي القوي: تُستخدم الفضة على نطاق واسع في الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية والإلكترونيات، ما يعزز الطلب ويضيف بعدًا صناعيًا بجانب دورها النقدي.
المخاطر الجيوسياسية والعملة: الحروب التجارية والخلافات بين البنوك المركزية وتصاعد التوترات السياسية تُضعف الثقة في العملات الورقية وتُحفّز التحول نحو الأصول الصلبة.
تأثير الذهب: تجاوز الذهب حاجز 3700 دولار للأوقية مهّد الطريق لصعود الفضة، التي تسير تاريخيًا في الاتجاه نفسه ولكن بتقلبات أعلى وصعود أسرع.
هل تكسر الفضة حاجز 50 دولارًا؟
يرى التقرير أن اختراق مستوى 50 دولارًا سيكون بمثابة إشارة رمزية واستراتيجية، تؤكد تحول المستثمرين نحو الأصول الملموسة للتحوّط من التضخم، والديون، والتقلبات المالية.
التاريخ يُظهر أن تحركات الفضة عادة سريعة وحادة؛ ففي موجة 1979–1980، قفزت من 30 إلى 40 دولارًا خلال 3 أسابيع، ثم إلى 49.45 دولارًا في أقل من أسبوعين، أي زيادة بنسبة 24% في فترة وجيزة.
والمشهد تكرر جزئيًا في 2011 حين ارتفعت من 30 إلى 48 دولارًا خلال 3 أشهر، وبالتالي، إذا كسرت الفضة حاجز 50 دولارًا، فمن المرجح أن يكون الصعود سريعًا ومؤقتًا قبل التصحيح.
العوامل الحالية والسيناريوهات المستقبلية
يرى المركز أن الارتفاع الحالي إلى 46.5 دولارًا للأوقية لا يعتمد فقط على المضاربة، بل على تلاقي ثلاث قوى رئيسية:الطلب الصناعي المتسارع، وضغوط التضخم المستمرة، والضبابية الاقتصادية والجيوسياسية.
ويُرجّح أن تشهد الأسعار في الفترة المقبلة أحد سيناريوهين: إما اختراق المستوى التاريخي قريبًا، أو تصحيح مؤقت يسبق موجة صعود جديدة، مشيرًا إلى أن الفضة تظل أحد الرهانات غير المتماثلة في الأسواق، بفضل مخاطرها المحدودة ودورها النقدي، وإمكاناتها الصعودية القوية بفعل الطلب الصناعي.
أثر السياسة النقدية والاقتصاد العالمي
أشار التقرير إلى أن بدء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة مؤخرًا، مع احتمالات مزيد من التخفيضات خلال العام والعام المقبل، يُعدّ عاملًا إيجابيًا للذهب والفضة على حد سواء، إذ يُقلّل من تكلفة الاحتفاظ بالأصول غير المدرة للعائد، ويزيد من جاذبيتها الاستثمارية مقارنة بالسندات والعوائد النقدية.
كما يُضعف هذا الاتجاه الدولار الأمريكي ويُعزز مكانة المعادن كوسيلة تحوط ضد انخفاض قيمة العملة.
وإلى جانب ذلك، تُثير المخاوف من الركود التضخمي اهتمام المستثمرين بالفضة والذهب كملاذين آمنين، وسط ضبابية اقتصادية متزايدة تشمل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وأداء الاقتصاد الصيني نفسه.
الطلب الصناعي وتحديات السوق
أوضح التقرير أن تقلبات أسعار الفضة قد تكون أعلى من الذهب نظرًا لصغر حجم السوق، لكنه أكد عدم وجود مخاطر حقيقية لنقص الإمدادات في الصناعات الرئيسية مثل الطاقة الكهروضوئية.
ورغم أن الطلب الصناعي حاليًا ليس في ذروته، خصوصًا في الربع الثالث الذي يشهد عادةً نشاطًا موسميًا في الإلكترونيات، فإن الرسوم الجمركية وعدم اليقين التجاري أدّيا إلى تأجيل بعض الطلبات، كما أن السوق الصينية شهدت ذروة مبكرة في الشهور الخمسة الأولى من العام بدعم حكومي انتهى لاحقًا.
التوقعات المستقبلية
توقّع مركز «الملاذ الآمن» أن تواصل العوامل الاقتصادية الكلية والجيوسياسية دفع أسعار الفضة للصعود خلال ما تبقى من العام والعام المقبل، مرجّحًا أن يتجاوز السعر مستوى 50 دولارًا للأوقية في 2026، وهو ما قد يدفع شركات الطاقة الشمسية إلى تقليص استخدام الفضة في منتجاتها لاحتواء التكاليف.