تُعدّ المتاحف منارات تحفظ ذاكرة الأمم وتجسّد مسيرة الحضارات عبر العصور، إذ تمثل صروحًا ثقافية تضم بين جدرانها كنوزًا لا تُقدّر بثمن من التراث الإنساني والفني والتاريخي. ومع تصاعد حجم المخاطر الطبيعية والبشرية التي قد تهدد هذه المقتنيات، يبرز تأمين المتاحف كأداة حيوية لضمان حماية التراث الوطني واستدامته للأجيال المقبلة.
يُعرَّف تأمين المتاحف بأنه منظومة تغطيات تأمينية تهدف إلى حماية المقتنيات الفنية والأثرية والعلمية من الأخطار المحتملة سواء داخل المتاحف أو أثناء نقلها للعرض في معارض محلية أو دولية. وتتميز هذه الوثائق بخصوصية كبيرة، إذ لا تُقاس قيمة المقتنيات بالأموال فقط، بل بما تمثله من رمزية ثقافية وتاريخية يصعب تعويضها.
وتتنوع الأخطار التي تواجه المتاحف بين حرائق وفيضانات وزلازل، إلى جانب أخطار بشرية مثل السرقة أو الإهمال الإداري، فضلًا عن المخاطر الحديثة المرتبطة بالتحول الرقمي مثل الهجمات السيبرانية وفقد البيانات الأثرية. وفي مواجهة ذلك، تقدّم شركات التأمين العالمية وثائق متعددة تشمل تأمين الحريق والسرقة، وتغطيات النقل والمعارض المؤقتة، إضافة إلى التأمين ضد المخاطر الإلكترونية.
ويُعدّ تقييم المقتنيات من أدق مراحل العملية التأمينية، إذ يعتمد على عوامل مثل الندرة والأصالة والقيمة التاريخية، ويتم من خلال خبراء تقييم معتمدين وبمشاركة شركات إعادة التأمين الدولية لتوزيع المخاطر وتقليل الأعباء المالية.
وتشير التجارب الدولية إلى ريادة أسواق كـ«لويدز لندن» التي تعد مركزًا عالميًا لتأمين الأعمال الفنية، في حين تقدم الولايات المتحدة برامج ضمان حكومية للمعارض الدولية، بينما تعتمد فرنسا على نظام «الضمان الذاتي» للمقتنيات الوطنية. أما اليابان فتركّز على تأمين ضد الكوارث الطبيعية، مع استثمار واسع في أنظمة الوقاية المتطورة.
وفي مصر، التي تضم 83 متحفًا من بينها المتحف المصري الكبير الذي افتُتح مؤخرًا كأكبر صرح أثري في العالم، بدأت الجهود لتعزيز منظومة تأمين التراث بالتعاون بين وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار واتحاد شركات التأمين المصرية. وقد تم تطوير وثيقة تأمين خاصة بالمتاحف لتغطية الخسائر والأضرار أثناء العرض أو النقل، مع اشتراط دقيق لحصر المقتنيات وصيانتها من خلال شركات متخصصة.
ويرى اتحاد شركات التأمين المصرية أن هذا النوع من التأمين يمثل استثمارًا في الهوية الوطنية قبل أن يكون التزامًا ماليًا، مؤكدًا ضرورة وضع آليات فنية لتقييم الأخطار، وتدريب الكوادر، وتشجيع ابتكار منتجات تأمينية جديدة تراعي الخصوصية الثقافية للمقتنيات المصرية الفريدة. كما يدعو الاتحاد إلى تعزيز التحول الرقمي وتأمين البيانات الأثرية وفق أفضل الممارسات العالمية.
إنّ حماية المتاحف ليست مهمة تأمينية فحسب، بل هي مسؤولية وطنية لحماية الذاكرة التاريخية لمصر، وصون إرثها الإنساني من الأخطار التي قد تهدده في عالم سريع التغيّر.







