أكّد أحد الخبراء الاستراتيجيين في مملكة البحرين أن دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بمقوّمات فريدة تؤهلها للمشاركة بدور محوري في التحوّل العالمي نحو الطاقة الهيدروجينيّة والمساهمة بفاعلية في تحقيق الأهداف الاقتصاديّة وأهداف التنمية المستدامة، غير أن جمود السياسات يشكّل العائق الأكبر أمام هذا التحوّل، وليست التكنولوجيا ذاتها، مع إخفاق الدول في بناء منظومات متكاملة قادرة على تحويل العلوم المثبتة إلى مشاريع واسعة النطاق. جاء ذلك خلال مشاركته في المؤتمر العالمي لتقنيات الهيدروجين (WHTC 2025) الذي استضافته العاصمة الإيرلنديّة دبلن، والذي يشكّل الملتقى الدولي الرائد لعلوم الهيدروجين والخلايا الوقوديّة وتقنياتها وأسواقها.
وفي سياق كلمته في المؤتمر، قام السيد بن كويسر، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “Apex Ventures” المعنية بدعم المبتكرين من أصحاب الملكيات الفكريّة ومساعدتهم على دخول أسواق بلدان مجلس التعاون والتوسّع فيها، بطرح مخطط عملي ثلاثي المراحل للتغلب على التحديات الراهنة.
وقال السيد كويسر: “وصل الهيدروجين إلى نقطة الانطلاق الأولى بفضل التكنولوجيا، لكن السياسات وتكامل المنظومات هو ما سيقوده إلى خط النهاية. ولا شك أن البلدان التي يسهل الدخول إلى أسواقها، وترحب بالأفكار المبتكرة وتتبنّى المعارف الجديدة بسهولة، وتوفر بيئة خصبة للتوسّع، ستكون الرابح الأكبر من ناحية تدفق الاستثمارات وتوافر الوظائف والحد من الأثر المناخي. ولتحقيق هذا الهدف، علينا أن نركز على تحويل التقنيات الفعّالة إلى مشاريع قابلة للتمويل عبر الحدود. يشمل ذلك العقود الموحّدة، وشهادات الاعتماد المتوافقة، والموافقات المتزامنة التي تحوّل المخططات إلى مشاريع قائمة على أرض الواقع وقابلة للتمويل.”
ودعا السيد كويسر صنّاع السياسات والمستثمرين إلى تجاوز حالة الجمود الناتجة عن المشاريع التجريبية، واعتماد نموذج تكامل المنظومة القائم على ثلاثة محاور وهي: الالتزام المؤسسي (أي أن تصبح عنصرًا فاعلًا محليًا)، والتعاون في مجال البحث والتطوير الاستراتيجي (أي التعاون في تطوير الملكيات الفكريّة والكفاءات المحليّة)، والشراكات التجاريّة (أي توحيد العقود والاعتمادات وإصدار الموافقات بشكل متزامن ومتسق)، وذلك من أجل تقليص المدة اللازمة للوصول إلى قرارات الاستثمارات النهائيّة وتيسير الحصول على التمويل من القطاعين العام والخاص.
وربط السيد كويسر هذا النموذج المقترح في المؤتمر بالتنفيذ الفعلي على أرض الواقع، مستشهدًا بشركة نيوم للهيدروجين الأخضر في المملكة العربيّة السعوديّة والتي نجحت في بلوغ مرحلة الإغلاق المالي باستثمار إجمالي قدره 8.4 مليارات دولار أمريكي مع عقود توريد طويلة الأجل، الأمر الذي يؤكّد أن التحوّل من المفهوم إلى التنفيذ الفعلي على نطاق صناعي واسع بات واقعًا ملموسًا. كذلك ربط السيد كويسر بين النموذج المقترح وأهداف التنمية المستدامة، لا سيّما الهدف السابع المعني بضمان الوصول إلى طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، والهدف التاسع المعني بالصناعة والابتكار والهياكل الأساسيّة، والهدف الثالث عشر المعني بالعمل المناخي، والهدف السابع عشر المعني بعقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
وأضاف السيد كويسر: “بفضل مواردها المتجددة ذات المستوى العالمي ومزاياها اللوجستيّة، تمتلك دول مجلس التعاون القدرة التنافسية على تزويد الأسواق العالميّة بهيدروجين منخفض الانبعاثات، مما يساعدها على تحقيق أهدافها الاستراتيجيّة المنشودة على صعيدي الاقتصاد والاستدامة. ويؤكّد الزخم الذي تشهده المملكة العربيّة السعوديّة، بدءًا من مشروع نيوم وصولًا إلى المنصات الناشئة على الساحل الغربي، أن التوسّع يبدأ من ترسيخ الحضور المحلي، وتوطين مبادرات البحث والتطوير، وإبرام اتفاقيات التوريد القابلة للتمويل. أما مملكة البحرين، فبإمكانها أن تؤدي دورًا محوريًا كمركز مالي مرن وذكي قادر على تطبيق هذا النموذج بسرعة وسلاسة، وذلك من خلال تسهيل دخول المستثمرين، وتوفير بيئات اختبار مشتركة، وتوحيد شهادات الاعتماد مع أسواق التصدير، مستفيدةً في ذلك من بيئتها الداعمة للأعمال لجذب المبتكرين ورؤوس الأموال لتصبح منصة انطلاق حقيقة. “
