شهدت عدة مناطق في العالم الإسلامي في الأيام الأخيرة دعوات لإقامة صلاة الاستسقاء طلباً لنزول الغيث بعد تأخر الأمطار، وهي سنة نبوية شريفة ثبتت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان يؤديها عندما يقل المطر ويشتد الجفاف، تضرعاً إلى الله تعالى واستغفاراً لذنوب العباد.
وتعد هذه الصلاة مظهراً من مظاهر الإيمان العميق بقدرة الله، وتجسيداً لمعاني التوبة والرجوع إليه عند الشدائد.
صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة يؤديها المسلمون عند الحاجة للمطر، وتتكون من ركعتين مثل صلاة العيد، دون أذان أو إقامة، وتُقام في أي وقت من النهار ما عدا أوقات الكراهة، ويُفضل أداؤها وقت الضحى.
وتُقام عادة في المصليات أو الساحات الواسعة خارج المدن، اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يخرج بالناس متواضعاً متخشعاً، حاثاً الجميع على التوبة والاستغفار ورد المظالم والصدقة، باعتبارها من أسباب رفع البلاء ونزول الرحمة.
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة سبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية سورة هل أتاك حديث الغاشية، جهرًا كما في صلاة العيد.
وبعد الصلاة، يخطب الإمام خطبتين يفتتحهما بالاستغفار بدلاً من التكبير، ويحث الناس على التوبة والإكثار من الدعاء، مبيناً أن الاستغفار سبب في إنزال المطر ودوام النعم.
وفي الخطبة الثانية، يُستحب أن يرفع يديه إلى السماء داعياً الله بصدق وخشوع، ويمكنه أن يقلب رداءه، فيجعل باطنه ظاهراً، تفاؤلاً بتبدل الحال من القحط إلى المطر، وهي سنة وردت عن النبي الكريم.
أما عن وقت صلاة الاستسقاء، فقد اتفقت المذاهب الفقهية على أن أفضل وقت لها هو وقت الضحى، كصلاة العيد، غير أنه يجوز أداؤها في أي وقت آخر من النهار أو الليل ما عدا الأوقات المكروه فيها الصلاة، حرصاً على تحقيق مقصودها في الدعاء والابتهال.
ويُستحب أن يحدد الإمام أو ولي الأمر يوماً معيناً لإقامتها حتى يستعد الناس لها بالصيام والدعاء والتوبة، ويُظهروا الخضوع لله في يومها بلباس بسيط دون تزين، مشياً على الأقدام في خشوع وسكينة.
ويُعتبر الخروج لصلاة الاستسقاء جماعة من السنن المؤكدة، حيث يتجمع الناس في الساحات العامة متضرعين، يرفعون أيديهم إلى السماء يرجون رحمة الله ومغفرته، في مشهد يجسد وحدة المسلمين وتواضعهم أمام خالقهم.
كما أن من المستحب أن يصحب المسلمون أداء هذه الصلاة بأعمال البر، كالصدقة والإحسان وصلة الأرحام، إذ ورد في السنة أن الصدقة من أعظم أسباب دفع البلاء واستجابة الدعاء.
وتعكس صلاة الاستسقاء في مضمونها ومظهرها رسالة روحية عميقة، مفادها أن المطر بيد الله وحده، وأن الاستغفار والتوبة سبيل إلى الفرج، مصداقاً لقوله تعالى فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً.
فهي ليست مجرد صلاة لطلب الماء، بل تذكير دائم بضرورة العودة إلى الله، والإكثار من ذكره وشكره في السراء والضراء.







