شهدت عقود الكاكاو انخفاضاً حاداً لتصل إلى نحو 5,000 دولار للطن، في أدنى مستوى لها منذ 21 شهراً، ودون مستوى ذروة الأسعار بأكثر من %50 ، رغم أنها ما تزال تُتداوَل عند مستويات تعادل تقريباً ضعف متوسطها الطويل الأجل. كما تحوّل هيكل السوق من حالة “التراجع الحاد” إلى “تقدّم طفيف”، في إشارة إلى تراجع مستويات الشح في المعروض.
جاء هذا الانخفاض بعدما أدّى ارتفاع الأسعار إلى تراجع الاستهلاك (من خلال تقليص حجم المنتجات أو تخفيف نسب الكاكاو فيها) وإلى استجابة قوية من جانب العرض في مختلف أنحاء غرب أفريقيا ومناطق ناشئة جديدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الهبوط الحالي جاء متأخراً جداً لإنقاذ منتجات الشوكولاتة الخاصة باحتفالات الميلاد لهذا العام، والتي قد تستفيد من هذه التطورات في العام المقبل.
وشهد تراجع أسعار الكاكاو تسارعاً لافتاً، إذ هبطت العقود الآجلة نحو مستوى 5,000 دولار للطن، وهو الأدنى منذ ما يقرب من عامين وبأكثر من نصف مستوى الذروة التي تجاوزت 12,000 دولار في 2024. ورغم هذا الهبوط الكبير، ما تزال الأسعار مرتفعة وتعادل تقريباً ضعفي متوسطها على المدى الطويل، في دلالة على انحسار أزمة الإمدادات غير المسبوقة وعودة التوازن تدريجياً عبر سلسلة القيمة.
شكل هذا التراجع مثالاً واضحاً على قاعدة اقتصادية معروفة مفادها: “أفضل علاج للأسعار المرتفعة… هو الأسعار المرتفعة نفسها.” فبعد أعوام من اضطرابات الطقس، وضغط الأمراض، وشيخوخة الأشجار في ساحل العاج وغانا—أكبر منتجين عالميين—دفع العجز في موسم 2023–2024 الإمدادات الفعلية إلى حافة الانهيار. والأسوأ أن أسعار الشراء من المزارعين لم تواكب ارتفاع العقود الآجلة، ما منعهم من الاستثمار في مزارعهم في وقت كانت فيه تقلبات المناخ تتصاعد، وهو ما وفر بيئة مثالية لحدوث الارتفاع الجنوني في الأسعار.
لكن هذه الديناميكية انقلبت الآن. فقد شجّع تحسّن هطول الأمطار، وزيادة استخدام الأسمدة، وارتفاع الأسعار الممنوحة للمزارعين على إعادة تأهيل المزارع، وتنفيذ عمليات تقليم مكثفة، وزراعة أصناف عالية الإنتاجية. كما دفعت العوائد المرتفعة في السابق إلى توسّع الاستثمارات في أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، ما أدى إلى اتساع قاعدة العرض العالمية تدريجياً.
ويتجلّى هذا التحوّل بوضوح في منحنى أسعار العقود الآجلة. قبل عام، كان عقد ديسمبر 2024 في نيويورك والذي كان يتداول بعلاوة %23 عن عقد ديسمبر 2025، في حالة “تراجع” شديدة عكست نقصاً حاداً في الإمدادات القريبة. أما اليوم، فتتداول عقود ديسمبر 2025 بخصم قدره 270 دولار للطن أو 5.5% مقارنة بعقود ديسمبر 2026، ما يشير إلى عودة “التقدّم” وتراجع الحاجة الملحّة للإمدادات الفورية. كما عاد المنتجون إلى التحوّط، وبدأت المخزونات بالتعافي، وتوقفت الشركات التجارية عن دفع علاوات مرتفعة لضمان الحصول على الحبوب.
كما أسهم الطلب بشكل محوري في إعادة التوازن للسوق. فارتفاع تكاليف المواد الخام دفع مصنّعي الشوكولاتة إلى خيارات غير شعبية مثل تقليص أحجام المنتجات، وزيادة الأسعار، وتخفيض محتوى الكاكاو. وقد أصبح هذا التخفيف واسع النطاق لدرجة أن بعض البسكويت وألواح الشوكولاتة في المملكة المتحدة لم تعد قانونياً ضمن تعريف “الشوكولاتة”، بل تُصنَّف كـ”طبقات بنكهة الشوكولاتة” تحتوي أساساً على زيوت النخيل والشيا. ويُعد هذا مثالاً كلاسيكياً على “تدمير الطلب”، حيث يلجأ المستهلك إلى منتجات أقل سعراً أو يعمد المصنع إلى تعديل الوصفة لحماية هوامش الربح.
لن تؤدي أسعار الكاكاو المنخفضة إلى عكس اتجاه تقليص الحجم أو تخفيف المحتوى بشكل فوري. فإعادة صياغة الوصفات عادة ما تستمر لفترة، ولا يجري التراجع عنها إلا بفعل ضغط المنافسة أو فترة مطوّلة من انخفاض تكاليف المُدخلات. لكن الإمكانية باتت متاحة الآن. فسعر الكاكاو عند 5,000 دولار للطن يظل مرتفعاً مقارنة بالمعايير التاريخية، لكنه أكثر قابلية للتعامل بالنسبة للمصنّعين مقارنة بمستوى 12,000 دولار للطن.
أما من حيث التوقيت، فإن الانخفاض الحالي جاء متأخراً كثيراً بالنسبة لمنتجات موسم احتفالات الميلاد التي تم إنتاجها وتسعيرها قبل أشهر. فقد وقعت صدمة العرض خلال دورة إنتاج منتجات موسم 2024، ما يعني أن المستهلك سيستمر في مواجهة أسعار مرتفعة—وربما منتجات أخف وزناً وأكثر احتواءً على زيوت نباتية ممّا اعتاد عليه. لكن إذا استقر السوق بالقرب من هذه المستويات، فقد تظهر بوادر الانفراج في أطعمة الفصح لعام 2026.
من منظور التداول، تبدو الصورة اليوم أكثر توازناً بكثير مما كانت عليه قبل بضعة أشهر. فالحالة المبالغ فيها التي طبعت ذروة الأسعار قد تلاشت إلى حدّ كبير، ويتضح ذلك في الانكماش الحاد في إجمالي عقود التشغيل المفتوحة مع قيام المتعاملين بتصفية المراكز المضاربية. أما الاستقرار الأخير والارتفاع الطفيف في العقود المفتوحة فيعكسان على الأرجح مزيجاً من عمليات بيع مضاربية جديدة وتجدد نشاط التحوّط من جانب المنتجين مع عودة الأسعار إلى مستويات أكثر قابلية للتعامل.
ومع تجاوز المرحلة شبه-العمودية من الصعود، من المتوقع أن يصبح تحرّك الأسعار مدفوعاً على نحو متزايد بالعوامل الأساسية التقليدية: أنماط الطقس في غرب أفريقيا، إدارة الأمراض، وتيرة إعادة الزراعة، والمخاطر السياسية في الدول الرئيسية المنتجة. وعلى جانب الطلب، ستشكّل اتجاهات النمو العالمي وثقة المستهلك ومدى إقدام المصنّعين على إعادة رفع محتوى الكاكاو عناصر رئيسية في تحديد مسار التعافي..
السؤال المحوري التالي يتعلق بالاستدامة: هل يمكن الحفاظ على الزخم الجديد في المعروض؟ لا تزال منطقة غرب أفريقيا عرضة لتقلبات المناخ، وقد تكون الزيادات القادمة من الدول الجديدة صغيرة جداً بحيث لا تكفي لتعويض الخسائر إذا ضرب الحدث المناخي نفسه المنطقة مجدداً. وفي المقابل، إذا لم يُقدِم المنتجون على عكس اتجاه تقليص حجم المنتجات أو تخفيف محتواها، فقد لا ينتعش الطلب بالسرعة المتوقعة، بما يُبقي سقفاً على الأسعار.
بصورة عامة، يشير تراجع أسعار الكاكاو إلى بداية عودة السوق إلى وضعه الطبيعي بعد صدمة لا تتكرر إلا مرة في جيل. فقد أسهم الهبوط الأخير في استقرار السوق، ومنح المزارعين متنفساً، وخفّف الضغط على المشترين. أما المستهلكون، فستصلهم الفوائد — لكن ليس في الوقت المناسب لإنقاذ حلويات عيد الميلاد هذا العام. أما عيد الفصح؟ فقد يحمل أخيراً قدراً أكبر من الشوكولاتة الحقيقية، وقدراً أقل من “البدائل بنكهة الشوكولاتة”..







