شهد المجتمع العلمي العالمي حدثًا فلكيًا نادرًا مع إعلان وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عن اكتشاف المذنب البينجمي 3I/ATLAS، وهو جرم جليدي ضخم قادم من خارج حدود نظامنا الشمسي، في رحلة عابرة لن تتكرر.
وأهمية الحدث تتجاوز كونه اكتشافًا فلكيًا جديدًا، إذ يمثل نافذة فريدة لدراسة مادة لم تتشكل داخل محيطنا الكوكبي، بل تعود إلى نظام نجمي آخر تمامًا، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم طبيعة تكوين المذنبات عبر الكون.
اكتشف علماء الفلك المذنب خلال عمليات رصد روتينية باستخدام تلسكوبات متطورة مخصصة لتتبع الأجسام العابرة.
فور رصده، تبين أنه ليس من المذنبات المعتادة التي تدور في مدارات طويلة حول الشمس، بل هو مذنب بينجمي، أي أنه نشأ في محيط نجم آخر وشق طريقه عبر الفضاء بين النجوم قبل أن يمر بجوار شمسنا.
يأتي هذا الاكتشاف بعد حالات نادرة مشابهة مثل 1I/ʻOumuamua و 2I/Borisov، ما يجعله ثالث جسم بينجمي معروف يدخل نظامنا الشمسي.
تميز المذنب 3I/ATLAS بخصائص مدهشة، أبرزها حجمه الكبير الذي يتراوح قطره بين خمسة وعشرين كيلومترًا، ما يجعله من أضخم الأجسام البينجمية التي تم رصدها.
كما يتحرك بسرعة استثنائية تجاوزت مئتين وأربعين ألف كيلومتر في الساعة، وهي سرعة لا يمكن أن يكتسبها جسم ينتمي إلى النظام الشمسي، الأمر الذي أكد أصله البينجمي.
ويتألف المذنب من نواة جليدية محاطة بغلاف من الغبار والغاز، يظهر بوضوح خلال اقترابه من الشمس نتيجة تسخين مادته المتجمدة.
قطع المذنب مسارًا حساسًا عبر النظام الشمسي، حيث وصل إلى أقرب نقطة له من الشمس في أواخر أكتوبر 2025، مارًا داخل مدار المريخ دون أن يشكل تهديدًا للأرض.
وفي ديسمبر من العام نفسه بلغ أقرب مسافة له من كوكبنا، والتي قدرت بنحو مئتين وتسعة وستين مليون كيلومتر، وهي مسافة آمنة تمامًا.
وبعد هذا المرور القصير، بدأ المذنب في مغادرة النظام الشمسي متجهًا نحو الفضاء بين النجوم، في رحلة لن يعود بعدها أبدًا.
الأهمية العلمية لمرور 3I/ATLAS تكمن في كونه يحمل بصمة بيئة نجمية أخرى، وربما مواد كيميائية لم تتعرض مطلقًا لظروف النظام الشمسي.
ويعمل العلماء من مختلف المراصد العالمية على تتبع المذنب وتحليل الضوء المنبعث منه، بهدف دراسة تركيب مادته وفهم طبيعة الأجسام التي تتشكل حول النجوم البعيدة.
هذه البيانات قد تقدم تصورًا جديدًا لتطور المذنبات وكيفية انتشار المواد الصلبة بين الأنظمة النجمية.
ورغم تداول بعض المزاعم التي تربط بين المذنب وإشارة واو الغامضة التي التقطت عام 1977، أكد المتخصصون أن هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أساس علمي، وأن مرور المذنب لا علاقة له بتلك الإشارة الراديوية الغريبة، التي ما زالت لغزًا غير محسوم.
يمثل مرور المذنب 3I/ATLAS لحظة فارقة تذكرنا باتساع الكون وثرائه، كما يعكس قدرة العلم الحديث على تتبع أجرام تسافر بين النجوم بسرعات مذهلة.
وبينما يواصل المذنب رحلته بعيدًا عن نظامنا الشمسي، تستمر الدراسات العلمية في جمع بيانات جديدة، قد تمنح العلماء فهمًا أعمق لأصول المادة في المجرات وآليات تشكل الأنظمة الكوكبية عبر الزمن الكوني.







