اختتم منتدى مستقبل المدن لبلدان البريكس “المدن السحابية” أعماله في موسكو. وقد أقيم المنتدى هذا العام للمرة الثالثة، وكان الذكاء الاصطناعي والروبوتات من بين أبرز محاوره. في الفترة من 17 إلى 18 سبتمبر، ناقش الخبراء آفاق تطوير البنية التحتية الحضرية باستخدام التكنولوجيا، والنهج الثورية في رقمنة البيئة الحضرية، ودور الروبوتات في المدن الحديثة، والمخاطر المرتبطة بالمستقبل الرقمي السريع لسكان مدن البريكس. وخلال يومين، شهد المنتدى حضور أكثر من 13,000 شخص من 42 دولة.
استضاف الحدث 29 وفداً من 21 دولة، حيث وصل الضيوف إلى العاصمة الروسية من الإمارات، وقطر، والسعودية، وعمان، وتركيا، وماليزيا، بالإضافة إلى أوروبا، وأمريكا الجنوبية، وأفريقيا. وجمعت برامج الأعمال التي شملت أكثر من 50 جلسة خبراء عالميين رائدين في مجالات الابتكار، والتكنولوجيا، والحضرية، وعلم المستقبل.
هذا العام، جمع المنتدى أكثر من 460 متحدثاً ومندوباً، بينهم مسؤولون حكوميون، وعلماء حضر، ومستشرفو مستقبل، ومهندسون معماريون، وخبراء آخرون يساهمون في صياغة أجندة المدن المستقبلية. ومن بين أبرز المشاركين: عائشة بن بشر، خبيرة المدن الذكية العالمية والرئيسة التنفيذية السابقة لوكالة دبي للتطوير الرقمي ونائبة رئيس مجلس إدارة شركة إعمار للتطوير سابقاً؛ سلطان الرئيسي، الرئيس التنفيذي للعمليات في ساندبوكس دبي التابع لمؤسسة دبي للمستقبل؛ عارف العبار، رئيس منظمة بيلا-الشرق الأوسط للأعمال؛ طلال الأنصاري، الرئيس التنفيذي لشركة Creators Bay Media، بالإضافة إلى خبراء آخرين من الشرق الأوسط.
في جلسة “الإطار التكنولوجي للمدينة: فضاء المستقبل”، ناقش قادة المدن العالميون كيف تشكل التقنيات الحديثة الأساس لتنافسية المدن، إلى جانب قضايا الاقتصاد الهجين، والبنية التحتية الرقمية، والروبوتات، والحلول القائمة على المنصات التي ستحدد شكل المدن الضخمة في المستقبل. وكانت عائشة بن بشر من المشاركين الرئيسيين، حيث أوضحت ثلاث مراحل لتطوير المدن الذكية: البداية مع الرقمنة البسيطة وتقليل الأعمال الورقية؛ ثم تكامل الأنظمة وإنشاء أنظمة بيئية موحدة؛ واليوم، الانتقال نحو التحول المرتكز على الإنسان.
وقالت: “التكنولوجيا مجرد أداة وليست هدفاً في حد ذاتها. لم يعد السؤال حول أي تكنولوجيا نشتري، بل حول ما إذا كان الابتكار يجعل الناس أكثر سعادة، ويقلل من التفاوت، ويعزز القدرة على الصمود أمام تغير المناخ”. وأكدت أن الثقة من المواطنين هي العامل الأساسي، فبدونها لن تعمل حتى أكثر الأنظمة تقدماً.
وتحدث سلطان الرئيسي عن الاستراتيجيات الابتكارية المطوّرة في دبي والأهداف الرئيسية لتطبيق التقنيات الجديدة في الإمارات قائلاً: “تتطور الخدمات بسرعة كبيرة، وكذلك المنصات، لكن الجهات التنظيمية تتأخر. كيف يمكننا إنشاء مدن قائمة على المنصات في المستقبل؟ قررت حكومة دبي التحرك، وكان القرار الأول إنشاء ساندبوكس — مبادرة على مستوى المدينة للتعاون في الابتكار، وهي منصة للعقول المبدعة. نوفر للمبتكرين الأدوات التي يحتاجونها للنجاح: بعض التسهيلات التنظيمية، الوصول إلى الخبرات، الاستشارات القانونية، وإمكانية التواصل مع صناع القرار”.
ومن بين المتحدثين الرئيسيين الآخرين: يانيس فاروفاكيس، مبتكر مفهوم الإقطاعية التقنية؛ راي كوان تشونغ، الحائز على جائزة نوبل للسلام؛ والدكتورة كيت باركر، رئيسة المستقبليات في مشروع نيوم، والمستشارة الاستراتيجية للحكومة الإماراتية وشركات فورشن 500، والتي قدمت مفاهيم أحد أكثر المشاريع الضخمة طموحاً — مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية.
وقالت باركر: “نقوم بتفويض اتخاذ القرار للذكاء الاصطناعي. سيقوم بإدارة الموارد وحتى المساعدة في حل النزاعات الأسرية لـ 9 ملايين نسمة من سكان مدينة المستقبل. التحدي الرئيسي هو مدى أخلاقية وشفافية هذا الحوكمة. بالنسبة لنا، يُعد الذكاء الاصطناعي في المقام الأول رفيقاً. سيكون لكل شخص توأم ذكاء اصطناعي يعكس مهاراته، يراقب صحته باستمرار وينصح بتطوير قدراته، على سبيل المثال عبر العدسات الذكية. تم تصميم نيوم كمختبر لهذه الأفكار وكمحرك لحوار عالمي حول حدود الذكاء الاصطناعي في إدارة المجتمع”.
إلى جانب مناقشات مستقبل المدن الضخمة، استضاف المنتدى حفل توزيع جوائز الابتكار الحضري للبريكس. وشملت فئات الجوائز مجالات المدن الذكية، والمبادرات المناخية، والرعاية الصحية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات. وقد أُنشئت الجوائز من قبل منتدى مستقبل المدن للبريكس “المدن السحابية” وغرفة التجارة والصناعة للبريكس، بمشاركة خبراء من وكالة الأمم المتحدة المتخصصة في التكنولوجيا الرقمية — الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU).
وضمّ أعضاء لجنة التحكيم: راي كوان تشونغ، الحائز على جائزة نوبل للسلام؛ ناتاليا موشو، المدير الإقليمي للاتحاد الدولي للاتصالات لدول الكومنولث؛ ساميب شاستري، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة للبريكس؛ نيكولاس يو، المدير التنفيذي لمعهد غوانغتشو للابتكار الحضري؛ وخبراء بارزين آخرين في مجال الابتكار الحضري.
وفازت موسكو بجائزة فئة “الروبوتات المرتكزة على الإنسان”، حيث أشادت اللجنة بقيادة العاصمة الروسية عالمياً في مجال الروبوتات الحضرية الشاملة والأنظمة المستقلة المتقدمة، مشيرةً إلى إطلاق الترام بدون سائق، والروبوت المنظف المستقل “بيكسل”، ونظام المراقبة الروبوتي لمواقع البناء. وقدمت الدكتورة كيت باركر الجائزة إلى موسكو.
وشارك الروبوتات أنفسهم كعنصر رئيسي في الفعالية، حيث ضم المنتدى أكثر من 35 جهازاً بوظائف متنوعة. وكان من أبرزها الروبوت الروسي المنظف “بيكسل” في نسخة جديدة مزودة بنظام شفط لإزالة الحطام في المتنزهات والشوارع، مما يتيح تنظيفاً أكثر فعالية للغبار والأوراق، خصوصاً خلال الانتقالات الموسمية، وهو ابتكار ذو أهمية خاصة للخدمات البلدية.
ولأول مرة، أصبحت الروبوتات جزءاً من برنامج الأعمال أيضاً، ففي جلسة “المدينة، الذكاء الاصطناعي، والروبوتات: الاستعداد للانتقال إلى عالم هجين”، عرض الروبوت الشبيه بالإنسان Ardi رؤيته لواقع يكون فيه الذكاء الاصطناعي والروبوتات جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية الحضرية، بينما تولى الروبوت Avatar — الذي تم نقل مشاعره وكلامه في الوقت الفعلي من مشغل بشري — دور الميسر الافتراضي لبرنامج المنتدى للأعمال.